تأسس الاتحاد السوداني لكرة القدم في العام 1936، وانضم الى الاتحاد الدولي (FIFA) في العام 1948، وكان من مؤسسي الاتحاد الافريقي لكرة القدم (CAF) في العام 1957 بجانب كل من مصر واثيوبيا وجنوب أفريقيا. برغم هذا التاريخ الطويل للإتحاد السوداني لكرة القدم ، إلا أنه يمر يمر حالياً بتحديات كبيرة على خلفية الأزمة التى يواجهها داخليآ و خارجيآ .
وتعود تفاصيل هذه الازمة الى نشوب نزاع كبير بين مجموعة الاتحاد المنتهية دورته في العام 2016 التي يرئسها الدكتور معتصم جعفر ، والمجموعة التي يقودها الفريق المتقاعد بالجيش السوداني عبد الرحمن سر الختم، حول السيطرة على الإتحاد السوداني للكرة عبر الإنتخابات الدورية التى تجرى كل أربع سنوات حسب النظام الاساسي للاتحاد السوداني لكرة القدم، والتي تم تاجيلها بقرار من الاتحاد الدولي لكرة القدم بسبب عدم اجازته للتعديلات التي اجريت على النظام الاساسي للاتحاد السوداني، الجدير بالذكر بان الاتحاد الدولي لكرة القدم سبق ان ابدى (147) ملاحظة على النظام الاساسي للاتحاد السوداني لكرة القدم، وطالب بتعديله حتى يستوعب تلك الملاحظات، وظل الاتحاد السوداني يتعلل بان الكثير من هذه الملاحظات تتعارض مع قانون هيئات الشباب والرياضة لسنة 2003، ويطالب بالتمديد له والاستمرار بالعمل بالنظام الاساسي القديم، وفي العام 2016 اصدرت وزارة الشباب والرياضة قانون هيئات الشباب والرياضة للعام 2016 الذي استوعب كل الملاحظات التي ابداها الاتحاد الدولي لكرة القدم، وعلى اثر ذلك شكل الاتحاد السوداني لكرة القدم لجنة برئاسة المهندس عمر البكري ابو حراز لاعداد مسودة للنظام الاساسي تستوعب كل الملاحظات التي ابداها الاتحاد الدولي، رفعت هذه اللجنة تقريرها الى الاتحاد السوداني بعد فراغها من مهمتها، وتم عرض التعديلات التي اوردتها على جمعية عمومية طارئة، حيث تمت اجازتها وتقرر قيام الانتخابات في الاول من مايو 2017 دون ان تنتظر تلك الجمعية اجازة هذه التعديلات من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم، الامر الذي قاد الاتحاد الدولي الى اصدار قراره بايقاف اجراءات الانتخابات وتأجيلها حتى 30 اكتوبر 2017 ، أى الى حين فحصه للنظام الاساسي للاتحاد السوداني والتاكد من موائمته للنظام الاساسي المعياري للفيفا. الاَ ان المجموعة التي يقودها الفريق عبد الرحمن سر الختم رفضت هذا القرار يساندها في ذلك حزب المؤتمر الوطني وجهاز الامن والمخابرات، وانقسمت لجنة الانتخابات حول ذلك أيضآ ، حيث قرر رئيسها احمد ابو القاسم هاشم واثنين من اعضائها امتثالهم لقرار الاتحاد الدولي والغاء كافة الاجراءات المتعلقة بانتخابات الاتحاد السوداني، بينما قرر اربعة من اعضائها بقيادة محمد عثمان خليفة الاستمرار في اجراءات الانتخابات وقيامها في موعدها دون الاهتمام بالقرار الصادر من الاتحاد الدولي لكرة القدم، الامر الذي ادى الى مشاحنات وتوتر بالشارع الرياضي السوداني . و تبعآ لذلك ، قررت مجموعة الدكتور معتصم جعفر منع قيام الجمعية العمومية بمباني اكاديمية كرة القدم، مما قاد مجموعة الفريق عبد الرحمن سر الختم الى تحويل مكان انعقاد الجمعية الى مباني اتحاد الخرطوم لكرة القدم بحضور (49) من اعضائها وغياب البقية مما تمخض عن فوز مجموعة الفريق عبد الرحمن سر الختم بكل مقاعد الاتحاد . الجدير بالذكر أنه و قبيل إنعقاد هذه الإنتخابات ، أرسل الإتحاد الدولى خطابآ للأتحاد السودان بتمديد أجل أتحاد معتصم جعفر حتى نهاية أكتوبر 2017 ، حتى يتيح لنفسة الفرصة لإعتماد االنظام الأساسى الجديد ، و لذلك فإن الاتحاد الدولي لكرة القدم لم يعترف بإنتخابات الإتحاد السودانى الجديد بقيادة عبد الرحمن سر الختم ، مما أوجد فعليآ اتحادين للكرة بالسودان كل منهما يدعي الشرعية ويتمسك بالاحقية في ادارة النشاط الكروي بالبلاد . لاحقاً استصدرت مجموعة الفريق عبد الرحمن سر الختم قراراً من وزارة العدل تمكنت بموجبه من السيطرة على مباني الاتحاد عن طريق الشرطة، الامر الذي اعتبره الاتحاد الدولي لكرة القدم تدخلاً حكومياً في الشان الكروي ، وقام على أثره في السادس من يوليو 2017 بتعليق النشاط الكروي في السودان مع تجميد عضويته وفقدانه لكافة حقوقه، ليعود بعدها الى رفع ذلك الحظر في 13 يوليو 2017 بعد ان تم الغاء قرار وزارة العدل، والاتفاق على تكوين لجنة مشتركة برئاسة الدكتور معتصم جعفر لتدير النشاط الكروي في السودان الى حين انعقاد الجمعية العمومية في اكتوبر 2017 بعد فحص النظام الاساسي للاتحاد السوداني والتاكد من موائمته لنظام الاتحاد الدولي المعياري، وكان من تداعيات هذه الازمة ان تم اقصاء كل الاندية السودانية من المنافسات القارية التي ينظمها الاتحاد الافريقي.
هذه الازمة لا يمكن النظر إليها بمعزل عن الازمات الأخرى فى العديد من القطاعات و التي يتسبب فيها النظام و حزب المؤتمر الوطنى الحاكم في السودان ، بمحاولاته التدخل و السيطرة علي كافة القطاعات بمختلف الوسائل، مثل القطاع الرياضى و النقابى و إتحادات الطلاب و المنظمات النسوية و إتحادات المزارعين و الرعاة و غيرها ، عبر تصعيد و زرع منسوبيه فى الأجهزة القيادية لهذه التنظيمات من خلال الرشاوى و الإبتزاز و إفساد الأنتخابات و إستخدام أجهزته الأمنية لتهديد المعارضين له . فالقطاع الرياضى تأثر سلبآ أيضآ بمثل هذه التدخلات . فنجد أن كلا المجموعتين المتنافستين للسيطرة على الإتحاد السوداني لكرة القدم تضم نافذين فى قيادة الدولة و الحزب الحاكم وتتلقيا الدعم المالي من رجال الأعمال التابعين أو المؤيدين له، الذين تحوم الكثير من الشبهات حول ثروتهم التى جنوها فى وقت قصير. ففي الوقت الذي اتهمت فيه مجموعة الفريق سر الختم المجموعة الاخرى بالفساد المالي وتبديد اموال الاتحاد واحتمائها بالاتحاد الدولي، ردت تلك المجموعة باتهام مجموعة الفريق بالفساد بشراء الاصوات وتلقي الدعم المباشر من الدولة وجهاز الامن والمخابرات. الفساد بالقطاع الرياضى السوداني عمومآ وفي نشاط كرة القدم على وجه الخصوص، تمدد وانتشر في كافة تفاصيل هذا النشاط. فنجده على سبيل المثال في الانتخابات على مختلف مستوياتها، وفي المنافسات الكروية، والمنشآت الرياضية وغيرها، فصار يحتمي بالدولة أحياناً، وبالاتحاد الدولي لكرة القدم أحياناً أخرى، ويتخفى بأهلية وديمقراطية الحركة الرياضية. ومظاهر الفساد في نشاطات كرة القدم كثيرة بحيث يصعب تناولها في تقرير واحد، لذلك نكتفي بايراد أبرز تلك المظاهر في الآتى: الدعوى التي قدمتها نيابة الاموال العامة في السودان بناء على تقرير المراجع العام في مواجهة اسامة عطا المنان (امين مال الاتحاد السوداني للكرة) واتهامه باختلاس مبلغ (300) الف جنيه سوداني، بالاضافة الى (47) الف يورو عن طريق وكالة (تاكس) للسفر والسياحة، التي يساهم في راس مالها، ويتمتع بعضوية مجلس ادارتها، بالاضافة الى اتهام مدير ذات الوكالة التجاني محمد علي بالاستيلاء على مبلغ (600) الف جنيه من اموال الاتحاد دون وجه حق. ترفيع العديد من الاتحادات الفرعية الى اتحادات محلية بغرض الحصول على الاصوات الانتخابية، الامر الذي أدى الى إنتشار ظاهرة شراء الاصوات، لا سيما وان النظام الانتخابي في الهيئات الرياضية بالسودان، يعتمد على صوت المندوب الشخصي، ولا يشترط تفويض الجهة التي يمثلها المندوب . الفساد الذي صاحب الاموال التي خصصت لتغطية تكلفة بطولة كاس الامم الافريقية للمحليين التي نظمها السودان في العام 2010، حين اتهمت نيابة الاموال العامة بناء على تقرير المراجع العام، وزير الشباب والرياضة الاسبق في السودان والقيادي بالحزب الحاكم ،حاج ماجد سوار ، بتبديد مبلغ (14) مليار جنيه سوداني، و التى أشار التقرير الى انها صرفت دون وجه حق. الفساد الذي اشار اليه رئيس الاتحاد المحلي لكرة القدم بالدمازين ، حسن عيسى زايد، حينما كشف عن استيلاء اللجنة المنظمة على الاموال المخصصة تكلفة المباراة النهائية لبطولة كاس السودان في العام 2013، بين ناديي الهلال والمريخ العاصميين ، التي كان يفترض ان تلعب بمدينة الدمازين، بعد ان تناقص الاهتمام بتنظيم تلك المباراة وحفل التنصيب نتيجةً لانسحاب نادي الهلال. تدخل الدولة بشكل مباشر وغير مباشر في انتخابات الاتحاد السوداني لكرة القدم والاتحادات الولائية والاندية، عبر امانة الشباب في الحزب الحاكم، بتقديم الرشاوي وارهاب وتهديد اعضاء الجمعيات العمومية بواسطة جهاز الامن والمخابرات، وخير مثال على ذلك ما حدث في الصراع الانتخابي الاخير، حين اتهمت مجموعة معتصم جعفر مجموعة الفريق عبد الرحمن سر الختم بتلقي الدعم من الحكومة، واتخاذها من النادي الوطني التابع لجهاز الأمن والمخابرات كمقر لحملتهم الانتخابية، وتعرض بعض أفرادهم للتهديد من الجهاز. وسبق ان قامت ذات المجموعة ( مجموعة معتصم جعفر) التي تجأر بالشكوى من التدخل الحكومي والامني، بذات الدور عندما تآمرت مع امانة الشباب بالمؤتمر الوطني على ابعاد البروفيسور كمال شداد عن رئاسة الاتحاد السوداني لكرة القدم، كما اعترف بذلك الاعلامي الرياضي كمال حامد حينما صرح لوسائل الاعلام باشتراكه مع امانة الشباب بالمؤتمر الوطني، في ابعاد الدكتور كمال شداد عن رئاسة الاتحاد في الانتخابات التي اجريت في العام 2010، واعترف بشرائهم للصوت الانتخابي الواحد بمبلغ (50) الف جنيه، واشار الى ارتفاع سعره حالياً الى مبلغ (100) الف جنيه. اشراف بعض المؤسسات القومية بشكل مباشر على بعض الاندية الرياضية بالسودان، بما يخالف مهامها الدستورية والقانونية، ويجردها من قوميتها المفترضة، فالشرطة السودانية تشرف على عدد من الاندية كنادي (النسور ونادي الشرطة بالقضارف)، بينما يشرف الجيش السوداني على نادي (الاهلي الخرطومي)، ويتولى جهاز الامن والمخابرات الاشراف على نادي (الخرطوم الوطني) بعد تعديل اسمه ليتماشى مع أسم الجهاز المشرف عليه . التعدي على المساحات المخصصة للمدينة الرياضية بالخرطوم، والذي بلغ بحسب تقرير المراجع العام في العام 2012 (1.082.000) متر مربع، من جملة المساحة المصدقة البالغة (1.488.144) متر مربع ، اى بنسبة تبلغ (73)% من اجمالي المساحة. الفساد في تحويل الميادين والساحات الرياضية المخصصة للأندية والاتحادات الى أراضي سكنية استثمارية، وتوزيعها على الموالين للنظام، على سبيل المثال ميدان (عقرب) بالخرطوم بحري و(اراضي نادي الاتحاد بودمدني). استخدام الاموال العامة في الصرف على كرة القدم، بغرض صرف اهتمام شريحة كبيرة من المجتمع عن الوضع الاقتصادي والسياسي المتردي، ونموذج لذلك نشاط الوالي احمد هارون في ولاية شمال كردفان حالياً وقبلها في ولاية جنوب كردفان، بالاضافة الى تسهيل الحصول على الدعم المالي الحكومي لمجالس ادارات الاتحادات والاندية التي يسيطر عليها الموالين للنظام وحجب تلك الدعومات الحكومية عن غيرهم. سيطرة الراسمالية الفاسدة على الاندية الجماهيرية، ومثال لذلك رئيس نادي المريخ العاصمي جمال الوالي الذي يدير الاموال المشبوهة لمتنفذي النظام وأقارب الرئيس، وفي نادي الهلال العاصمي كل من صلاح ادريس واشرف الكاردينال الذين تحوم حول ثروتهما الكثير من الشبهات، فقد اثروا ثراءً فاحشاً في فترة وجيزة، ولا يخفي على احد صلاتهم بالمفسدين من الحزب الحاكم وبالدوائر المالية المشبوهة في العالم، فاصبحت بذلك كرة القدم في السودان ساحة لغسيل الاموال. الالتفاف حول لوائح و قوانين تحديد عدد اللاعبين الاجانب بالاندية السودانية بثلاثة لاعبين فقط، و ذلك بمنح الجنسية السودانية للكثير من اللاعبين الاجانب بمساعدة النافذين من منسوبي النظام بالاندية بما يعرف ب (التجنيس)، مما اضر بتطور الكرة السودانية وادى الى تجاهل المواهب السودانية وتقليص الاهتمام بالناشئين والشباب. هذا الفساد والتخبط الاداري انعكست آثاره السالبة على كرة القدم في السودان، فتدنت مستويات المنتخبات والاندية السودانية وغابت عن منصات التتويج القارية والعالمية، وتاخر ترتيب السودان في التصنيف العالمي حيث احتل في التصنيف الصادر عن الاتحاد الدولي في يوليو من العام 2017 المركز 164عالميا و46 افريقياً. كذلك ابتعد الاداريون من اصحاب الخبرة والغيرة على العمل في الاتحادات والاندية، بسبب سيطرة النظام عليها باجهزته الامنية ورجال أعماله الفاسدين، الذين رفعوا سقف الصرف على كرة القدم بالسودان وأثقلوا الاندية بالديون، حتى يجعلوا مهمة من يحاول ازاحتهم من مواقعهم أكثر صعوبة ، خاصة فى ظل الاوضاع الاقتصادية السيئة للاندية السودانية.
مقترحات للحلول والخروج من هذا النفق المظلم : رصد كل الاموال العامة التي نهبت في مجال كرة القدم والمطالبة باستردادها وتقديم المتورطين في الفساد الى المحاكم، واعادة كل المساحات المستقطعة من المدينة الرياضية بالخرطوم والساحات الرياضية الاخرى التي تم تغيير أغراضها الى اراضي سكنية. مراجعة القوانين واللوائح والنظم الاساسية التي تحكم كرة القدم في السودان، بما يضمن الممارسة الراشدة لاهلية وديمقراطية العمل الرياضي، فعلى سبيل المثال يجب أن يكون الصوت الانتخابي عبر تفويض مكتوب من الجهة التي يمثلها الناخب، بحيث لا يكون بصورة شخصية حتى تختفي ظاهرة شراء الاصوات الانتخابية . تكاتف كل الحادبين على المصلحة العامة في الوسط الرياضي ، والوقوف في وجه التدخل الحكومي في شان كرة القدم في البلاد، والمطالبة بايقاف دعم واشراف المؤسسات القومية على اندية بعينها دون غيرها. البحث عن وسائل استثمارية و قانونية لحماية الاندية من تغول رجال الأعمال الفاسدين، كتطوير الاستثمار والتسويق والدعاية في مجال كرة القدم و الأنشطة الرياضية الأخرى لصالح الأندية ، والاستفادة من الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها لعبة كرة القدم بالسودان بتحويل الاندية الى شركات مساهمة عامة. تفعيل الرقابة وضرورة كشف الفساد عبر وسائل الاعلام، وتغيير توجه الاعلام الرياضي لتسليط الضو على ملفات الفساد التي يعج بها بدلآ عن المناكفات بين الأندية و الأشخاص . الكشف عن الميزانيات المالية للاتحادات والاندية و إخضاعها للمراجعة القانونية واجازتها بواسطة الجمعيات العمومية. إعادة ذوى الكفاءة فى أدارة الرياضية من اصحاب الخبرة الى العمل بالاتحادات والاندية، ومواجهة منسوبي الحزب الحاكم وعدم الاستسلام لهيمنتهم على مجالس الادارات، يساعد في ذلك رفضهم من القواعد الرياضية بسبب فشلهم وعدم خبرتهم في العمل الرياضي. ايقاف منح الجنسية السودانية الى اللاعبين الاجانب، والاهتمام بقطاع الناشئين والشباب.
المجموعة السودانية للديمقراطية أولاً mailto:[email protected]@democracyfirstgroup.org
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة