كان الجوع هاجساً من هواجس طفولتهم حين كان الجوع نادراً في البلد، لكنه كان مقيماً في بيوتهم.. و اليوم يحاصرون البلد بالجوع و الخوف و الضرب في المليان shoot to kill!.. فقد هجرهم الجوع إلا لسويعات في شهر رمضان أو يوماً أو يومين بإرشاد طبيب يحذرهم من الافراط في التخمة، إذ إنتفخت كروشهم و الزلعة تلازمهم في كل مكان.. إنهم مستجدو النِعَم المسروقة!
و يتحاورون حوار الوثبة على شرعية السلطة و يرسمون خارطة طريق لإضفاء الشرعية على المسروقات النقدية و العينية..
الشعب السوداني لا يتابع حوارهم و لا يأبه لخارطة الطريق أبداً.. أبداً.. ! إنه في وادٍ مختلف.. الجوع كافر زنديق.. اللهث وراء الخبز.. الفول العدس.. الطماطم الدكوة.. و عيييييييييييك! ماذا ستفعل يا هذا و الجنيه أعجز من أن يصارع أرخص سلع السوق.. و الجوع يطحن كل من و كل ما في حوش بيتكم.. حتى الحمام.. و الدجاج.. و القطط...
الله أكبر ياهو دي!
الجوع تراه في هياكل آدمية تمشي في الحارات و في الأسواق.. تراه في خدود شاحبة تلتصق بالأسنان و هي تضحك.. و في عيون تكاد تخرج من مآقيها و هي تضحك.. و في رؤوس أكبر من الأجساد التي تنوء بها.. و رُب بطن تكاد تلتصق بالظهر، و صاحبها يضحك لأنه حُظي بوجبة واحدة.. و حتى الذي نام جائعاً سوف يصحو و هو يبتسم لأنه يعلم أن للأمر كله نهاية لا بد منها.. و الحياة تمضي!
و اتسعت مساحة طيبة الانسان السوداني.. ففي الحارات انتشرت الواقعية ( قدِّر ظروفك).. الملاعق صارت معايير لبيع الزيت و الصلصة.. كل السلع صارت تباع وفق ( قدِّر ظروفك).. و اللحمة صارت ( مس كول) Missed call ) عند الجزار فيقوم بتقسيم ربع الكيلو إلى اثنين.. و الحياة تمضي!
و المتخمون يرمون بفضلات الطعام في المزابل..
حدث أن يافعاً من الطبقة المسحوقة حضر إلى خيمة عزاء... كان يتسقط أخبار الولائم و الصدقات أينما كانت.. لم تكن تُخفى عليه أي ( صدقة) أو مناسبة تتيح له الأكل حتى التخمة ( فاليافع ماسكاهو زلعة زي زلعة ناس الانقاذ).. و جلس خارج الخيمة دون خوف أن يزجروه.. من يستطيع أن يزجره بينما شبح الموت كان حاضراً.. و كانت الصواني الشهية ( تتطاقش) فالمتوفي كان ثرياً من أثرياء الانقاذ...
يا زول! أشكال ( بوبار!)
كانت الصواني أفخم من صينية د. عبدالرحمن خضر و الطيب مصطفي، الخال الرئاسي، في الصورة الشهيرة التي نشرتها صحيفة الراكوبة الاليكترونية.. نعْمة من نعم الله!
وقد وجد اليافع فرصة في بقايا إحدى الصواني فأوسع الطعام الذي عليها أكلاً لم تشهده الصينية منذ تم استيرادها من الصين.. شبع.. ثم بدأ يبكي بكاءً حاراً.. فسأله أحد الشباب القائمين على أمر إكرام الضيوف عن سبب بكائه.. فرد عليه:-" شبعت، و الأكل لسه راقد!".. الزلعة تفعل الكثير في الكبار و اليُفَّع و الصغار..
ياخ!
إن متوسط أفراد الأسرة في البيت السوداني لا يقل عن 7 أشخاص دعك عن الضيوف والأسرة الممتدة.. و تبلغ حاجة تلك الأسرة من الخبز حوالي 35 رغيفة يومياً.. هذا يعني 18 ألف جنيه في اليوم، أي 54 ألف جنيهاً تصرفها على الخبز يومياً.. إياك و أن تحدثني عن الملاح و السلطات و ما إلى ذلك من أوجاع... و لا تسألني عن دخل الأسرة اليومي أو الشهري أو السنوي.. و أنت تعلم أن 90 % من السودانين يقبعون تحت خط الفقر.. و المرض يحصد فيهم حصاداً بمعاونة الجوع الكافر..
و تقول وزارة الصحة بولاية الخرطوم أن معدل التقزم زاد وسط أطفال الولاية بشكل ملحوظ.. و نحن نقول للولاية إن التقزم سببه الجوع.. إنه الجوع و رب الكعبة!
و يحدثنا د. إبراهيم محمد عبد الرحمن، مدير الإدارة العامة للرعاية الصحية الأولية بالولاية، أن دار المايقوما للأطفال فاقدي السند تستقبل (3) الى (4) أطفال يومياً! إنه الفقر.. فالجوع يميت حتى الشرف.. يقتل الشرف.. يقتل و يقتل.. إنه الفقر، و رب الكعبة.. و لو كان الفقر رجلاً لقتله سيدنا علي زمااااان، لكن البشير رعاه و تولاه بعناية التمكين و التهميش!
فى مقال لصحيفة حريات الاليكترونية بتاريخ11/10/2015، كشف الخبير الاقتصادى المرموق الدكتور التيجاني الطيب ابراهيم بالأرقام، كشف كذبة سلطة المؤتمر الوطنى عن دعم أسعار الخبز حيث أكد أنه إذا قدرنا (…. تكلفة جوال الدقيق المستورد، بعد استعمال سعر الصرف الجديد وأضفنا إليها 15 جنيه للموردين و 18 جنيه للمخابز، وقدرنا إنتاجية جوال الدقيق بحوالي 650 رغيفة بدلاً من 700 رغيفة، فإننا نجد أن سعر الرغيفة يصل إلى 22 قرشاً (جداول 3 و4)، أي أقل من سعرها الحالي بحوالى أحد عشر قرشاً (33%.).. و يصل دكتور التيجانى إلى نتيجة فحواها أن سعر الرغيفة لا يتعدى 25 قرشاً بالتكلفة الحقيقية للمطاحن، و22 قرشاً بمتوسط السعر المحدد رسمياً، و أن المواطن هو المتضرر في كلا الحالتين.
كان ذلك في الماضي حين كان الجنيه يعطيك 4 أرغفة زنة 70 جرام أما الآن، فالأمر قد تدهور أكثر مما كان.. و في ذلك يقول أحد أصحاب المخابز لصحيفة الجريدة أن جوال الدقيق حتى عجنه يكلف 300 جنيه بخلاف التكاليف الأخرى، بينما يبلغ سعر جوال الدقيق حتى وصوله للمخبز 147 جنيهاً، الأمر الذي سوف ( يضطرهم) لبيع الخبز بواقع رغيفتين بجنيه بدلاً عن ثلاث رغيفات. و كشف الخبير في مجال الغلال أحمد المرتضى لنفس الصحيفة عن وجود 10 مخابز فقط ملتزمة بتطبيق وزن الـ70 جرام من جملة 200 مخبز أجرى عليها مسح.. ما يعني أن الفوضى عامة.. و ما يثير الغضب أنك تشتري الخبز فتجده ملَبَّكاً كله بالدقيق.. فتبدأ في نفخ الدقيق أو فصل جزء كبير من الخبز استعصى الدقيق عليك أن تبعده عنه.. و هي ممارسة مفروضة علينا في كل وجبة أنعم الله علينا بتناولها! رغيف مش زي الفي صينية القدام عبدالرحمن خضر و الطيب مصطفي، الخال الرئاسي، في الصورة الشهيرة المنشورة بصحيفة الراكوبة الاليكترونية، لكن ديك ما صورة تعكس المعكوس، فينكشف الحال!
إن ما يحيرنا هو ما صرح به السيد/ إبراهيم عبد المجيد ، و هو صاحب مخبز بأم بدة زاعماً أن تكاليف ومدخلات صناعة الخبز مرتفعة و لذلك لا يلتزمون بالمواصفة لأن الالتزام يعرضهم للخسارة، و ما قاله أحد أصحاب المخابز عن أن وكلاء شركات الدقيق يتقاضون من أصحاب المخابز 10 جنيهات مقابل كل جوال دقيق، وطالب بضرورة الاجتماع مع أصحاب المخابز الحقيقين. و ما يحيرنا أيضاً أن هل أصبح أحد المتعاملين مع الدقيق ثرياً من خلال بيع الدقيق بالسوق الأسود. دون مساعدة من فوق..؟ كلنا نعلم أن متنفذي نظام ( الانقاذ) يتلاعبون بكل شيئ بما في ذلك دقيق الخبز من وراء السماسرة..
و يحدثنا د. التيجاني الطيب (......... أما طاقة الطحن المحلية فتقدر حالياً بحوالي 18 ألف طن في اليوم، المستغل منها فقط 7,5 ألف طن (42%)، ما يشير إلى أن طاقة الطحن الفائضة تصل إلى 58%. هذا التوسع الهائل في الاستثمار في صناعة الدقيق يدل على أن هناك أرباحاً طائلة تجنى في هذا القطاع دون غيره)
إنهم يحاصرون البلد بالجوع و الخوف و الضرب في المليان!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة