هناك في غلاسكو البريطانية التقطت كاميرات التلفزة صور ابتسامات وعناق بين عدد من قادة وزعماء العالم لكنه ربما بدا زائفا بالنظر إلى حجم التهديد البيئي للكرة الأرضية على عكس ما قد توحي به تلك الابتسامات بأن النظام البيئي العالمي مُصانٌ ومحافظٌ عليه. بل إن كثيرا من أولئك هم في حقيقة الأمر لوردات الحروب المستمرة التي تحصد الإنسان والبيئة على حد سواء، وفي أحسن الأحوال هم لوردات الصناعات الكبرى صاحبة قصب السبق في الانبعاث الكربوني القاتل الخفي. يطمح العالم لا سيما غالبه الفقير والمستضعف، في صحوة ضمير تنتاب أكبر الملوثين في العالم وهم يجتمعون على مدى أسبوعين في غلاسكو في قمة المناخ وفي إطار المؤتمر السادس والعشرين للأطراف في الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي، والذي من أهم أجنداته تقليل الانبعاثات السامة بحلول عام 2030. بالطبع لا يجوز أن يحلُم الناس يوما بجمهورية أفلاطون الفاضلة؛ فالصراع على المادة هو القانون الطبيعي الذي يحكم الحياة. لكن أن تغدو الصراعات العسكرية والاقتصادية مشروع انتحار كوني فتلك هي الطامة الكبرى، وهو انتحار بأفعال الكبار لكنه لا يبقي ولا يذر. اليوم لا يملك العالم من الضغوط على الكبار شيئا إلا أن يتمنى أن يصحو الضمير عندهم. والضمير هو تلك القدرة البشرية الطبيعية على التمييز بين الخطأ والصواب، وبين الحق والباطل، وبين الخير والشر. وفوق ذلك لابد أن يسوقنا هذا الضمير نحو الشعور بالندم والتأنيب. ربما اقتراب المخاطر من المنازل، وتسبب فيضانات هذا العام في مقتل 200 شخص في ألمانيا، وانتشار موجات الحر في كندا الباردة بل حتى القطب الشمالي السيبيري تململ من ارتفاع درجات الحرارة، كل ذلك قد يوقظ ضميرا اختطفه اللهث وراء تعظيم الربح المادي بدون أي سقف أخلاقي. العلماء يقولون إن تجنب درجات الحرارة الأكثر ضررا يعني خفض انبعاثات الكربون العالمية إلى النصف بحلول عام 2030، وهو الموعد النهائي الذي يلوح في الأفق بما يكفي للتركيز على هذا الهدف. لكن مسودة بيان مجموعة العشرين في روما من قبل، ذكرت أن القادة سيتعهدون باتخاذ خطوات عاجلة لتحقيق هذه الأهداف، إلا أن التعهد الرئيسي بالفعل كان تقديم 100 مليار دولار سنويًا للبلدان النامية لتمويل مواجهة التغير المناخي، بيد أنه تم تأجيله حتى عام 2023. لقد ظل التنصل من الالتزامات المالية مؤشرا لعدم جدية الدول الكبرى في معالجة قضايا البيئة، ومنذ العام 1972، عقد زعماء العالم حتى اليوم نحو أحد عشر مؤتمر قمة دولياً وكان آخرها مؤتمر باريس قبل عدة أسابيع، واحتدم الجدل فيه بين الدول الغنية حول التزامات كل دولة هذا من جانب، بينما احتدم من جانب آخر بين الدولة النامية والغنية بشأن الأموال المخصصة لدعم الدول النامية للتعامل مع آثار تغير المناخ. بدون شك فإن قضية حماية البيئة أضحت قضية سياسية بامتياز نظراً لأهمية قضية التغيّر المناخي، وأثرها الواضح على العلاقات الدولية، كما أن الأخطار الكارثية الكونية لا يمكن معالجتها إلا عبر قرارات سياسية في أعلى مستوى. وسبق أن عرضت القضية البيئية على مجلس الأمن الدولي على أساس أن تغير المناخ سوف يؤثر على أمن وسلامة العالم كله. وتحكي تجارب القمم والمؤتمرات البيئية السابقة المنتديات أنها ظلت تنوء بمزايدات كثيفة. ففي إحداها سلم المفاوضون والمندوبون الوزراء المعنيين بالبيئة وثيقة من 43 صفحة، تحتوي على أكثر من تسعمائة صيغة بسبب الخلافات الكبيرة بين الدول. رئيس الوزراء البريطاني الذي تستضيف بلاده القمة، قال إن القمة ستكون «لحظة اختبار مصداقية» العالم. وحث بوريس جونسون القادة بأن يحققوا أكبر استفادة من القمة، وتساءل حول ما إذا كان العالم سيستغل هذه اللحظة أم سيدعها تفلت منه. وحددت بريطانيا هدفا للمؤتمر بأن يأتي توليد الكهرباء في البلاد من مصادر نظيفة بحلول عام 2035، وأن تقلل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى صافي صفر بحلول عام 2050. بيد أن خبراء قالوا إن هذا لا يمكن تحقيقه مع سياسات حكومة جونسون نفسها. وهذا يشكك في قوله بأن المؤتمر سيكون «لحظة اختبار مصداقية». ومع تزايد الخطر البيئي يقل الالتزام والصدقية عوضا عن حدوث العكس. وهذا ألوك شارما، رئيس قمة المناخ، وقد بدا أكثر تشاؤما قائلا إن «التوصل لاتفاق سيكون أصعب مقارنة بما حققناه في قمة باريس» منذ خمس سنوات، حين وافقت تقريبا جميع دول العالم على معاهدة تهدف «لمتابعة الجهود» للحد من ارتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية. محرر الشؤون العلمية في البي بي سي ديفيد شوكمان أيضا يقول لا تبدو الأمور واعدة لسبب بسيط فقد فشلت المؤتمرات الـ 25 السابقة من هذه المؤتمرات العملاقة في إيقاف غازات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية. ويضيف: على الرغم من ثلاثة عقود من الحديث عن خطورة الأمر، أصبح الكوكب الآن أسخن بمقدار 1.1 درجة مئوية على الأقل من مستوى ما قبل الصناعة، وهو آخذ في الارتفاع. وبمعزل عن صدقية مثل هذه المؤتمرات من عدمها فإن الدول النامية عموماً والعربية على وجه الخصوص عليها أن تتنبّه إلى ضرورة التركيز على قضية استغلال الموارد الطبيعية، وتكلفتها، حيث إن المستغل الأول لموارد الدول النامية هي الدول الصناعية التي تأخذ الإنتاج الطبيعي من الدول النامية، ثم تصنعه وتعيد تصديره. ومن الضروري أن يتم ربط التعاون الاقتصادي مع الدول المتقدمة بدعم جهود الدول النامية في مجالات مواجهة الآثار السلبية للتغير المناخي والتعايش معها. إن كل ذلك يقود إلى تحقيق هدف التنمية المستدامة، وهي التنمية التي تضمن الاستجابة لاحتياجات الجيل الحاضر، مع عدم التعدي على حقوق الأجيال القادمة في المعيشة بمستوى يعادل الجيل الحالي أو يفوقه إن أمكن. @yasir_mahgoub
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 11/05/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة