قلنا في ما سبق، أن مجتمع السودان، خاصّته وعامّته، استقر بينهم، أن قتل الولي يمحق الحاكم.. بهذه المفهومية كانت بطانة السلطان في سنار تحذره حتى لا يقع في المحذور ويتورّط في سفك دم الشيخ إسماعيل صاحب الربابة.. كانوا ينصحونه بالصبر على جرأته وعباراته القاسية،، وكان الشيخ إسماعيل قد مدّ أصبعه في وجه الملك، حتى كادَ أن يفقأ عينه! حين هم السلطان بقتله قالوا له، بحسب ما نقل صاحب الطبقات: “بتقتل ولد شيخنا ؟ ولداً غرقان سكران وبطران، دمه يخرِّبنا”.. أنظر: الطبقات: ص167 ــ 170.. مثل هذه النصيحة لم يكترث لها السلطان بادي أبوشلوخ، فمات في سجونه الشيخ حجازي حفيد ود الأرباب الذى لم تشفع له مكانته الإجتماعية والروحية من الهلاك جوعاً وعطشاً في قاع السجن الظليم. وتورط أبو شلوخ كذلك في قتل الشيخ الخطيب بن عمار، فكان أبو شلوخ على شبهٍ بمحنة جعفر النميري بعد اغتيال الأستاذ محمود محمد طه، إذ أصبح مخلوعاً وتهاوى سلطانه، بعد 73 يوم من تنفيذ الاغتيال.. كما أصابت اللعنة سلطان المسبعات “جنقل” بعد قتله الفقيه مختار بن محمد بن جودة الله، و”ببركة” ذلك الفقيه قُتل جنقل وصارت داره مأوى للكلاب، وعلى حد عبارة ود ضيف الله أن جنقل “ترك خمسين ولداً هذا يقتل هذا، إلى يومنا هذا”. هنا لا يخفى على القاري رَجز التكرار في العبارة، التي كان سهلاً تداولها وترديد صداها بصيغٍ مختلفة، خاصة في حواضر دارفور بعد النكبة الأخيرة. برغم التحذير الشائع في الثقافة السنارية من عقابيل المخاطرة بسفك دماء الأولياء، كان بين أهل السلطة من يفاخر بجز رؤوسهم.. فاخرَ بذلك قائد جيش الفونج سلمان ود التمامي أمام الشيخ حمد ود الترابي قائلاً: “أنا قبلك قتلت الحسوبابي، وقتلت ولد الهندي، ما بقتلك إنت في مال الملك؟”.. كان جزاء ذلك، أن عطبه الشيخ حمد وأصاب معاونيه ــ قادته المقربين ــ بالعمى، بينما حاضت عساكره كما تحيض النساء، وأصابهم بلاء شديد، فوقعوا تحت قدم الشيخ يطلبون الصفح... وقد عفا عنهم الشيخ حمد، لكنه قطع رأس القائد سلمان ودّ التمامي، إذ وُجد رأسه “مقطوع وبريان وكذا يده”. كان عطب الشيخ حمد لقائد جيش السلطنة، في لحظات إختلائه لقضاء الحاجة..هناك، بذّه الشيخ ساعة ضعف بشري، كما أن قطع اليد كناية عن أن القائد ممثل السلطة، كان سارقاً لأموال الناس، فجاء عطب الشيخ له قصاصاً وفي سياق العقوبة النصية.. وتعني “حالة القطع والبرء” الحاسمة أن نصرة الولي مسطورة في الأزل، لا تصدها محاولات قلب الأداة الروحية إلى أداة شريرة، كما أراد القائد فى تحصُّنه بالأحجبة والحروز في سلب أموال العامّة. ولما كانت نصرة الولي ممكنة وواقعة، فان الولي يتحين نفحات الوقت لعطب غريمه، وليجعل من كل ذلك مناسبة يبث من خلالها معاني التمسك «بالطهارة الحسية والمعنوية».
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة