مظاهرات القوميين الأوروبيين ضد أسلمة أوروبا ( بيجيدا (Pegida ( ، حزب البديل لألمانيا (AFD )، شارلي ابدو (Charlie Hebdo ، الاِسلام في أوروبا، المناقشات حول حظر الحجاب في معظم البلدان الأوروبية ، ممارسة المسلمين وموقفهم من حرية التعبير، والآن آلاف اللاجئين من البلدان الإسلامية الذين يقفون على أبواب أوروبا، أو حتى على محطات القطارات في المدن الأوروبية الكبيرة. هذه القائمة من القضايا الهامة والراهنة المتعلقة بأوروبا، يمكن ان تستمر الى ما نهاية. ويمكن أن يختصرها المرء في "الخوف والنفور من الاِسلام". تتصدر هذه المواضيع كتاب الكاتب والصحفي دانيل باكس، بالعنوان أعلاه والذي صدر عام 2015 عن دار نشر فست إند Westend. والكتاب من الحجم المتوسط، يضم 288 صفحة ويحتوي على ثلاثة فصول وخاتمة بعنوان " توقعات".
يسأل الكاتب في مقدمته القصيرة قارئه، أذا كان يخاف من الاِسلام، وإذا كان كذلك، فهو ليس لوحده، فأكثر من نصف سكان المانيا يشعرون بتهديد الاِسلام. ويقول إنه نفسه يخاف احيانا من الاِسلام، ولكنه الاسلام الذي يشاهده في التلفزيون ووسائل الاعلام الأخرى ــ اسلام المتعصبين أو الاِسلام البربري "داعش" أو "بكوحرام". ويواصل بانه يعرف الكثير من الناس، أنفسهم أو والديهم، أصولهم من البلدان الاِسلاميةــ سواء أكانوا متدينين أم لاــ يخافون أيضاً من مثل هذا الاِسلام. لقد ترك الخوف من الاِسلام آثاراً واضحة على المجتمعات الغربية، وتقوم الأحزاب اليمينية الشعبوية في جميع أوروبا بتأجيج الخوف لأغراضهم الحزبية. ويضيف بأن النقاش في هذا الكتاب لا يدور حول المسلمين والإسلام فحسب، بل وإنما أيضا حول السؤال، في أي نوع من المجتمعات نريد مستقبلا أن نعيش فيه جميعا. ويواصل في المقدمة مشيرا الى "مشاكل المناطق"، ويأخذ كمثال الوضع في منطقة نيوكولن في برلين، والتي يُطلق عليها "كابوس الجمهورية"! فغالبية سكانها من المهاجرين، ويصفها الاِعلام اليميني وبعض الكتاب وحتى عمدة المنطقة هاينز بيشكوفسكي، بالمنطقة العصية على الاندماج. فيكشف الكاتب عن طريق التحري الدؤوب وتجارب السكان من مسلمين ــ عرب وأتراك ــ ويهود، عن حياتهم المشتركة، التي تكذب التضخيم الذي ينشر في بعض وسائل الاِعلام ويسلط الضوء على دور العمدة في تصريحاته الفجة عن فشل التعدد الثقافي وأسلمة المجتمع وترويج الذعر والاِشاعات الكاذبة. هذا بالطبع لا يعني خلو المنطقة من المشاكل مثل العنف الشبابي والمخدرات التي تعكس المعاناة النفسية لبعض المهاجرين. نتابع الكاتب باهتمام وتطلع عبر الفصول الثلاثة، بادياً بقضية رهاب الاِسلام (Islamophobie)، الخلفية التاريخية وجذور العداء للإسلام ويشير الى مفهوم الغرب (Abendland) الذي استخدمه لأول مرة مارتن لوتر (Martin Luther) وهو ترجمة للكلمة اللاتينية (Okzident) ويقابلها تعبير الشرق (Morgenland ) (Orient) كمعارض ومنافس. كان لوتر البروتستانتي الاِصلاحي الكبير لا يختلف عن معاصريه من الكاثوليكيين في الهجوم على الاِسلام ونبيه الكريم و كان مارتن لوتر معروفا ايضا بعدائه للسامية. لم يجد لوتر ومعاصريه الكاثوليكيين في لعنهم الأساسي للإسلام، فرقا كبيراً بين "الأتراك" كسكان في الإمبراطورية العثمانية والمسلمين كاتباع لديانة أخرى، وكذلك بين العادات الثقافية والتقاليد الدينية للعرب والأتراك والمسلمين، وهذا ما لم ينجح فيه ايضاً بعض "نقاد الاِسلام" الحاليين، وان كنا نحمد لمارتن لوتر ومعاصريه، إذ كانت تنقصهم ببساطة، الرؤية والاتصالات الشخصية المتاحة حالياً. واستخدم فولتير في مؤلفه التراجيدي (Tragödie) "التعصب أو النبي محمد"، ليمارس من خلاله نقدا لاذعا على نبي الاِسلام وعلى تعاليم واستبداد الدين. وربط دينيس ديدرو (Denis diderot) بين الاِسلام والتعصب واتهم الدين الاِسلامي بالحكم الاستبدادي ومعاداة العلم. أما بعض التنويرين مثل مونتسيكو في "رسائله الفارسية "أو لسنج في مسرحيته "ناتان الحكيم" داعيا إلى السلام والتسامح بين الأديان السماوية الثلاثة، وناقدا في الوقت عينه العنف المسيحي الحقيقي في زمنه، أو فولفجانج جوته في ديوان "الشرقي الغربي". لقد كانوا يستخدمون الإسلام كخلفية أو كنموذج، لتوجيه نقدا حادا لمجتمعاتهم. وهكذا يظهر الشرق من جديد كصورة معارضة للغرب، ولكن هذه المرة بصورة إيجابية وصديقة. ويشير باكس الى العديد من القوميين اليمينيين الشعبويين المعاصرين في أوروبا، الذين يبنون تاريخهم السياسي على مهاجمة الاِسلام والمسلمين وتصريحاتهم المثيرة للجدل والاستفزازية إزاء المسلمين ومناهضة كل المشاريع التي تساعد على اندماج المهاجرين في المجتمعات الأوروبية، نذكر بعضهم وباختصار شديد، مثال الهولندي جيرد فلدرز(Geert Wilders)، الذي قارن القرآن الكريم بكتاب "كفاحي" لهتلر، وطالب بمنعه، والنمساوي هاينز كرستيان-استراشاHeinz Christian- Strache) ) الذي يحذر من "اسلمة الغرب"، والفرنسية مارين لوبن (Marine le Pen) التي تدعي وقوفها مع الحرية والديمقراطية وتحرض دوماً ضد الأقليات المسلمة. والألماني تيلو ساراتسين (Thilo Sarrazin) وكتابه "المانيا تنهي وجودها بنفسها" ويكشف مضمونه عن روح عدائية شرسة ويساهم في تنشيط روح الحقد والكراهية ضد المسلمين في المانيا وأوروبا. والاِعلامي رالف جيوردانو (Ralph Giordano) الذي يدعو الى منع بناء المساجد. وهاينز بيشكوفسكي، الذي جاء ذكره من قبل، واشتهر خارج نطاق برلين عبر كتابيه "نيوكولن في كل مكان" و"المجتمع الأخر" ومغالاته المنغمة. كما يسلط الكاتب الضوء على دور "نقاد الاِسلام" المشهورين! ــ الذين جاءوا من البلدان الاِسلاميةــ في النقاشات العامة. ويذكر منهم الصومالية أيان هرزي علي والتركية نكلا كلك والمصري حامد عبد الصمد والذين يلونون ما أصابهم من ظلم شخصي، بألوان وأوصاف مبهرة وتعميم مخل لحالات ليس لها أساس من الصحة ووثائق واهيةٍ، بهدف النيل من ثقافتهم وديانتهم الأصليتين "الاِسلام". وبذلك يؤكدون تحيز الجمهور العريض ويصبحون الشهود الرئيسيون للادعاء (شهود ملك، شهود زور) ويكافئون بالشهرة العالية والاهتمام الاِعلامي. هرزي علي التي حصلت على حق اللجوء في هولندا في زمن قياسي بحكم ما عانت منه في وطنها من ظلم واضطهاد وتعذيب ــ كما تدعي ــ وتصبح عضوا في البرلمان قبل ان ينكشف أمرها، بتزوير وثائقها وبأنها كانت تعيش في أمان من قبل في كينيا. ونكلا كلك مثل هرزي علي لا تعتبر الاِسلام كدين وانما كإيديولوجية خطيرة وتشارك في النقاشات العامة مع العنصري الشوفيني تيلو ساراتسين. اما حامد عبد الصمد فيعتبر الاِسلام أصل كل الشرور وكتابه "الفاشية الاِسلامية" عبارة عن مقتطفات مكتوبة بإهمال ولا يلبي الحد الأدنى من المطالبات العلمية ويخلط بصورة فاضحة بين المفاهيم. وعبد الصمد يتفاخر بصدور فتوى بقتله ويطلب الحماية البوليسية وكأنه يريد ربط مصيره بمصير سلمان رشدي، وعندما تم اختطافه أثناء زيارته لمصر، اعتقد الغالبية بأن الإسلامويين يقفون خلف ذلك، وتبين بعد ذلك بأن الأمر يتعلق بخلافات مالية وربما سرقة أموال. والكتاب يحفل بالكثير من الفقرات اللماحة، مثل اشارته لقضية الحجاب، الذي كانت ترتديه عاملات النظافة فقط و لم يهتم بذلك أي شخص، وعندما بدأت اقلية من النساء المسلمات كمدرسات أو موظفات في ارتداءه، اصبحت قضية القضايا في الاِعلام وأحد المظاهر الصارخة للإسلام. وبذلك يكشف باكس مدى الخداع والكذب والنفاق الذي تدار به مثل هذه المناقشات. أو مثل قوله، بأن التنويريين الكبار في الماضي لم يكونوا خالين من الاحكام المسبقة. تماماً مثل العنصرية ومعاداة اليهودية، يشمل ايضا العداء ضد الاِسلام، في التراث الأوروبي. لذلك ينبغي ان نضع في اعتبارنا دائما عدم الاحتفاء بالتنويريين بدون تمحيص، فهم أيضا ليسوا معصومين. ويقول الكاتب في الفقرة الأخيرة من كتابه بعنوان "آفاق"، بان النقاش حول الاسلام في أوروبا هو في جوهره، نقاش حول قومية وهُوية أوروبا والمجتمعات الأوروبية التي تتغير اجتماعيا، والقول بان التعدد الثقافي فشل، فأذن ما هو البديل؟ جلىِ بأن انجازات محددة للمجتمعات الغربية غير قابلة للتفاوض: المساواة بين الرجل والمرأة، حرية الرأي والضمير، التخلي عن العنف كوسيلة لحل الخلاف... ومن الصواب ايضا، بأن المجتمع المتنوع على نحو متزايد يحتاج الى قواعد ملزمة للجميع. ويطبق هذا ايضا على الجماعات الدينية المختلفة، مما يعني إلغاء الامتيازات للكنائس المسيحية. يجب على المجتمع ان يفعل الكثير، ليقدم للجميع فرص متساوية. الفشل في المدرسة، العطالة، فقدان الأمل في المستقبل أو في فرص التقدم ليس لها علاقة اطلاقاً بدين المهاجرين ولكن احيانا ايضا لها علاقة بالتمييز. يقدم باكس في كتابه مادة رصينة ومنصفة وموضوعية في قضايا الاندماج والمهاجرين، مبينا الخلل في السياسات المتبعة، ويقدم نقدا لاذعا ليس لصحافة الاِثارة فحسب، وإنما أيضا للصحافة الجادة والعريقة مثل صحيفة فرانكفورت الگمانية ودير شبيگل، لفتح صفحاتها للشعبويين والعنصريين ليصبوا الزيت على النار. وهذا ينطبق أيضا على البرامج الحوارية في المحطات التلفزيونية. والكتاب يقدم توجيهات للقارئ الجاد، الذي يغوص في غابة من الكليشيهات والتصورات الخاطئة في مسائل الاِسلام والإسلاموية. ويصف باكس في كتابه المقاييس الضرورية من القوانين والقواعد المتساوية من أجل امكانية التعايش السلمي للجميع، مع رصيد وافر من المصادر الهامة. وكان من الإنصاف أيضاً أن يتطرق الكاتب إلى الترحيب الحار الذي استقبل به قطاع كبير من الألمان اللاجئين باعتباره لفتة إنسانية رائعة، بالرغم مما قد يجلبه عليهم من مشاكل على الصعيد الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي بل والانتخابي في مواجهة قوى اليمين واليمين المتطرف الألماني. وكان من المناسب أيضاً أن يتطرق الكاتب إلى مسؤوليتنا، سواء كمهاجرين أم مقيمين، في إبراز الوجه المشرق لثقافتنا، دون ان ننكر جانبها المظلم، ليس بهدف جلد الذات أو النفاق امام اليمين المتطرف، وانما لنثبت وعينا لتاريخنا وللواقع المعاش، واستعدادنا على ممارسة النقد الموضوعي، وكمحاورين جادين، للمشاركة في حل القضايا التي تحاصرنا حاليا وفي المستقبل. ولعلنا نختم هذا العرض الموجز، بما ختم به باكس كتابه: "سوف تكون المجتمعات الغربية في المستقبل أكثر تنوعاً مما كانت عليه في السابق، وبالتالي أكثر تعقيدا. ولكن حقوق الاِنسان، والديمقراطية، دولة القانون، والاتحاد الأوروبي، ستكون اطاراً جيداً لإمكانية تطور وانتشار هذا التنوع. على افتراض، ألا تتأثر الأغلبية بالأيديولوجيين الغربين الذين يتحدثون عن "صدام الثقافات" ضد الاسلام. والا عليها أن ترمي قيمها الأساسية في البحر. أما أن تكون أوروبا في المستقبل، علمانية، مسيحية يهودية، اسلامية، إلحادية، بوذية، انسانية وأكثر من ذلك ـ أو أن لا تكون أطلاقاً"
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ Daniel Bax, Angst ums Abendland -1- Warum wir uns nicht vor Muslimen, sondern vor den Islamfeinden fürchten sollten Westend Verlag, Frankfurt / Main 2015
- 2 ــ دانيال باكس دَرَسَ الاِعلام والعلوم الاِسلامية في برلين ويعمل منذ 15 عاما كصحفي في الصحيفة الليبرالية اليسارية تاگستسايتنوگ (Tageszeitung- Taz) متخصصاً في قضايا الهجرة والاندماج.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة