كانت كل التوقعات تميل إلى أن رجل الأعمال الوسيم سيهزم الجنرال العجوز في تلك الأمسية الباردة جداً.. السيد ميت رومني اشتهر بقدراته المذهلة في تحويل الهزيمة إلى نصر في عالم التجارة.. لهذا تخصص في إنقاذ الشركات الخاسرة ..عطفاً على تلك الأسطورة، قرر رومني أن يبحر في عالم السياسة ومبتغاه البيت الأبيض..فيما الجنرال مكين فقد ولج السياسة من باب الخدمة الممتازة في الجيش مصحوباً بسنوات من الأسر في فيتنام..لكن خابت توقعات كل المراهنين حينما دفع سناتور مكين بعبارة (يا صديقي أنت مجرد مدير ناجح فيما أنا قائد مجرب).. تلك كانت الضربة القاضية التي جعلت الجمهوريين يصطفون خلف الجنرال العجوز في الانتخابات الرئاسية. القراءة الأولى لحكومة الفريق بكري حسن صالح كان نجاحها في إنصاف الولايات المهمشة سياسياً..تمثيل دارفور وشرق السودان بات أكثر وضوحاً، فيما انخفضت هيمنة مناطق السودان النيلي ..تلك البشارة جاءت بسبب اتساع دائرة المشاركة وظهور مكونات سياسية من تلك المناطق . الملاحظة الثانية أن بصمة رئيس الوزراء كانت واضحة في الفريق الاقتصادي.. كل وزارات الاقتصاد باستثناء الكهرباء شهدت تغييرًا واسعاً..فقد تم تغيير كل من وزراء المالية والتعاون الدولي والصناعة والتجارة والاستثمار والزراعة والثروة الحيوانية.. فيما شهدت الوزارات السيادية والخدمية استقراراً كما في وزارة الخارجية والتعليم العالي والصحة والدفاع ..هذا يعني أن رئيس الوزراء أدرك أن أكبر تحدٍّ يواجه الحكومة القادمة يأتي من أبواب الاقتصاد. لكن الرؤية المتجردة تتلمس الحذر الشديد في الخيارات لشاغلي هذه المناصب .. بل إن هنالك بعض التفريط في وزارات مثل الثروة الحيوانية التي خصصت للوزير جمعة أرو وحتى التجارة التي نالها الأستاذ حاتم السر وهو رجل قانوني قليل الخبرة في العمل الاقتصادي ..ربما نجد لرئيس الوزراء العذر في أن هذه الوزارات خصصت لأحزاب أخرى يصعب التدخل في خياراتها. لكن السؤال ماذا عن وزارات المؤتمر الوطني ..السيد رئيس الوزراء يشغل في ذات الوقت منصب نائب رئيس الحزب الحاكم..لهذا توفرت له حرية اختيار أسماء تناسب المرحلة المقبلة..لكن الحذر كان واضحًا في اختيار شخصيات تكنوقراط أغلبها يصلح لوظيفة وكيل الوزارة ..الفريق الركابي في وزارة المالية يستطيع ان يحقق الضبط والربط لكن أفقه السياسي المرتبط بتعقيدات المشهد الاقتصادي يجعل أداءه أكثر حذراً ..ذات الملاحظة تنطبق على الدكتور العجيمي وزير الزراعة الذي كان موظفاً في ذات الوزارة . في تقديري أن التحديات الاقتصادية كانت تحتاج إلى رجال يفكرون بأفق مفتوح ..عادة الذين يعملون في كواليس الخدمة المدنية لسنوات طويلة يصابون بالحذر الشديد الناتج من الانضباط المؤسسي وسيادة التقاليد الوظيفية.. لن تكون هذه الملاحظة ذات قيمة الا استخدمنا التجريد وتناولنا تجربتي وزير الكهرباء السابق أسامة عبدالله وأخيه وزير الزراعة عبدالحليم المتعافي..كل من أسامة والمتعافي كانت لهما القدرة على اتخاذ القرار الصعب وعدم الالتفات إلى الضجيج ..في النهاية أثبتت تجربة القطن المحور أنها الأفضل، كما أكدت الأيام أن الأوضاع كانت ستكون مزرية جداً لولا سد مروي الذي يرفد الشبكة القومية بنصف حمولتها من الكهرباء لعموم السودان. بصراحة..ربما نكون قد تعجلنا التقييم ..ولكن كما قال الشافعي رأينا صواب يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة