كان إعدام الطيار جرجس كارثة قومية ، مثلما إنفصال الجنوب كارثة ، الكارثتان ما تزالان تطلان بوجههما القبيح في حاضر ومستقبل السودان ، المسيحيون والجنوبيون إخوتنا ودائما ما نعاملهم بكل الود والإخاء والمحبة ، نلعب معهم أطفالاونصادقهم شبابا ، درسنا معهم كبارا ، الجنوبيون قالوا وداعا وحالهم يرثى لها ، والمسيحيون تهدم كنا ئسهم وهي بيوتهم ، المسيحيون في السودان يمرون حاليا بظروف بالغة التعقيد بسبب النظام الحاكم الذي تعمد تخويف الناس ، ويريد أن يقول أنه يطبق العدالة وشرع الله . شخصيا تربطني بالمسيحيين سواء في السودان أو مصر علاقات حميمة جدا ، ففي أم درمان معظم أصدقائي من المسيحيين وبمعنى سوداني نقول عنهم " نقاده " ، ويبدو أن الإسم يعود إلى مدينة ومركز بمحافظة قنا بجمهورية مصر العربية ، وقنا كما هو معروف تقع على الشاطيء الغربي للنيل ، ومدينة " نقاده " تشتهر بصناعة " الفركة " والتي كانت والدتي – رحمة الله عليها ترتديها " 25 ساعة في اليوم " ، كما أن صديقي الحميمين في هذه الدنيا هما " هلال " النقادي السوداني و " هلال "المسيحي المصري ، وكلاهما عليهما الرحمة . الروائي السوداني المعروف طه جعفر الخليفة فازت روايته " فركة " بالجائزة الأولى في مسابقة الطيب صالح للروايه مناصفة مع رواية " كونقليز " للروائي هشام آدم ، الروايتان لفتتا إنتباهي مؤخرا لأنهما طرحتا وبصراحة شديدة ما نسميه بالتاريخ المسكوت عنه ، والأدب مهمته في النهاية تسليط الأضواء على المسكوت عنه ، ولا يهم هنا الإتفاق أو الإختلاف ، وإنما المهم الطرح في ذات نفسه ، وأيضا تلك قضية يطول شرحها . وأعود ثانية لأقول أن والدتي- رحمة الله عليها - كانت تحب شيئين لا ثالث لهما " الفركة " و " الكونقليز " .
" الفركة " المصرية كانت تصدر للسودان وتستخدم في بعض العادات المتوارثة مثل الولادة والزواج والوفاة أيضا ، وعندما وصل " النقاده " إلى السودان وسكن معظمهم في مرتع صباي في أم درمان " حي العمده " شرعوا في صناعة " الفركة " التي كانت تأتي مجانا لوالدتي مع " الرغيف النقادي " ويومها لم نكن نعرف هذا مسلم وذاك " نقادي " ! بل أن والدتي كانت صديقه شخصيه ل " أم هلال " ، وللذين لا يعرفون التاريخ أو قد لا يهمهم معرفة أصل كلمة " نقاده " أقول أن أصل الكلمة تحريف من الإسم القبطي " تي كاداي " وهي تعني " الفهم أو المعرفة " – وبالتالي نحن ظلمنا كثيرا " النقاده والجنوبيين في السودان " – وقيل أنها مشتقه من إسم نجاده وتعني النجده والإنقاذ . المهم موضوعي هذا ليس عن تاريخ " النقاده " رغم أنه موضوع ممتع جدا وإنما مساهمة متواضعة في تاريخ القصيدة المسيحية في السودان .
في تاريخ الأغنية السودانية . يتداول السودانيون عددا قليلا من تلك الأغاني التي عبرت عن عاطفة شعراء السودان الجياشة تجاه بعض الفتيات المسيحيات ولعل من أشهرها أغنية “لي في المسالمة غزال “: كلمات : عبدالرحمن الريح لي في المسالمة غزال .. نافر بغني عليهو جاهل وقلبو قاسي وقلبي طائع ليهو مصباح الظلام الـربنا معليهو زايد في الجمال نور الجمال جاليهو لو شافو الغزال على نفرتو بواليهو وان شافو القمر أنوارو تخجل ليهو ان جاه النسيم زي الفرع يتنيهو والثمر الرطيب كذب البقول يجنيهو
وجدلات الحرير ما لينه ذي ايديهو
وهناك أغنية أخرى يغنيها حمد الريح وهي أغنية " يا مريا " كلمات الشاعرالمرموق صلاح أحمد إبراهيم : ليت لي يا مريا إزميل فدياس وروحا عبقريا وأمامي تل مرمر لنحت الفتنة الهوجاء في نفس مقاييسك تمثال مكبر وجعلت الشعر كالشلال يا مريا يا مريا ليتني يا مريا في قمة الأولمب جالس وحوالي العرائس أحتسي خمرة باخوس النقية . أما الراحل المقيم مصطفى سيد احمد فقد تغنى للشاعر محمد ابراهيم شمو " مريم الأخرى " ومن أبياتها : ها هي الأرض تغطت بالتعب البحار إتخذت شكل الفراغ وأنا مقياس وصل للتواصل والرحيل وأنا الآن الترقب وانتظار المستحيل أنجبتني مريم الأخرى قطارا وحقيبة أرضعتني مريم الأخرى قوافي ثم أهدتني المنافي هكذا خبروني ثم قالوا لي ترجل أنا أشتاق أن أولد في عينيك طفلا من جديد أرتدي اللون البنفسج أعتلي شكل الهوية ضيعتني مريم الأخرى سنين في إنتظار المجدلية آآآه لو تأتين آه ؟ من عمق الموج من صلب المياه كالرحيل كالترقب وإنتظار المستحيل
ولكن هناك قصيدة رائعة لقريبي الشاعر علي احمد طه من مواطني عطبرة بعنوان "يا سلوة المحزون " لحنها وغناها الرائع المبدع حسن خليفة العطبراوي تقول كلماتها : يا سلوة المحزون يا قيثارة القلب الجريح يا شابة فاقت على الأتراب بالقد المليح يا زهرة أنفاسها كالعطر عبيق في الضريح أهوى جمالك والشعورا يزينه القول الصريح قد هزني منك الجمال فجئت بالشعر الفصيح ترفقي يا هذي الناس من جسد وروح بحق بطرس يا فتاتي من شفى الرجل الكسيح بماري جرجس وبالصليب وبالمسيح بالقس ..بالمطران ..وبالجرس المطل على السفوح بمريم العذراء والأحبار وبالراعي الصليح معابد الرهبان بالدين المقدس والمسوح بالكاردينال ..بقطة البطريق ..بالرجل الصلوح قداسة البابا المعمد بالشموع وبالذبيح أغتنمها مناسبة – في هذا الزمن الفاجر - لتحية كل الأقباط في السودان وكل مسيحيي العالم . جميعها عن الحب الذي يقتلع الظلم وتدعو للتسامح وصفاء القلوب ، هكذا هو الشعر والفن وكلاهما ضمير العالم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة