أصابني الذهول من هول ما قرأت في كتاب ( الإغتيال الإقتصادي للأمم - إعترافات قرصان إقتصاد ) لكاتبه الإقتصادي الأمريكي جون بيركنز ، ولعله تطرق لأخطر ما تكون الإعترافات حول عمليات ومؤامرات إغتيالات الدول النامية إقتصادياً ، والذي سلط فيه الضوء على ممارسات نخبة رجال الأعمال والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية في بناء امبراطوريات عالمية تسيطر عليها ما تسمى ب ( الكوربروقراطية ) أو كما عرفها مؤلف الكتاب بأنها حكم منظومة الشركات الكبرى الأمريكية التي تستخدم المنظمات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي والوكالة الدولية الامريكية للتنمية ال ( US AID ) وهيئة المعونة الأمريكية وغيرها من المؤسسات والمنظمات الامريكية الأخرى وذلك لخلق ظروف تؤدي الى خضوع الدول النامية الى هيمنة النخبة الأمريكية التي تدير الحكومة والشركات والبنوك في الولايات المتحدة . والأخطر في الأمر أن الخبراء في تلك المؤسسات يقومون بإعداد الدراسات التي بناءً عليها توافق المنظمات المالية على تقديم قروض للدول النامية المستهدفة بغرض تطوير البنية الأساسية لتلك الدول كبناء وتشييد محطات الكهرباء والطرق والموانىء والمطارات والمدن الصناعية وإعادة تأهيل المنشآت ... الخ وهذه المشروعات بدورها تفتح الأبواب على مصاريعها لدخول المنظمات والمؤسسات الامريكية المذكورة لوضع يدها على إقتصادات الدول النامية ومن ثم إمتصاص مواردها شيئا فشيئا . السرد أعلاه كافٍ لأن يضعنا ويضع الدولة والحكومة أمام مشهد مكشوف بإعترافات جون بيركنز ، سيما وأننا في السودان على أعتاب مرحلة أحوج ما نكون فيها الى كل ما يؤسس دولة محترمة متقدمة في إنسانها وخدماتها ومؤسساتها بعد الأساس الذي وضعته ثورة ديسمبر المجيدة والشعارات التي رفعتها وأقرها الشعب السوداني الذي كان مغلقاً لثلاثين عاماً عجافاً جف فيها الزرع والضرع ، فأحدث بثورته إنفتاحاً كبيراً على العالم الخارجي كانت مفاتحه إليه رفع الحصار الإقتصادي على البلاد والذي كان جاثماً على صدرها سبعةً وعشرين عاماً كان فيها السودان معزولاً كالبعير الأجرب ، ومن ثم رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية السوداء للدول الراعية للإرهاب .. هذه الانجازات وحدها مهدت الطريق للنخب السياسية والإقتصادية الأمريكية والمنظمات الحاكمة فيها ، لأن يكون السودان قبلةً مقدسةً تؤدي عليها قُدَّاساتها وأرضاً خصبة تنمو عليها أطماعها الإقتصادية ، مما يعني أن السودان بوضعه الإقتصادي والسياسي الراهن أصبح تحت دائرة الضوء ، وعلى وشك أن يضع أقدامه بل الأصح فقد وضع اقدامه فعلاً داخل مصيدة وفخ النخب الامريكية وخير شاهد على ذلك زيارة السيدة سامنثا باور مديرة الوكالة الدولية للتنمية الأمريكية ( US AID ) والتي تبعتها مؤخرا زيارة السيد ديفيد مالباس رئيس مجموعة البنك الدولي ولعلهما تمثلان أهم وأكبر مؤسسات ( الكوربروقراطية ) في الولايات المتحدة ولن تكونا الأخيرتين وستعقبها زيارات أخر من مؤسسات ومنظمات امريكية أخرى ، وهذا يؤكد ما ذهب اليه جون بيركنز ضمن اعترافاته في كتابه الخطير ، ( أعترافات قرصان إقتصاد- الإغتيال الإقتصادي للدول النامية ) .. مما يشير بل ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن بلادنا السودان أصبحت الآن بين براثن ( الكوربروقراطية ) وفي منحى لتكرار تجربتها في السودان ضمن خطتها للألفية الثالثة بعد تجربتها في الإكوادور وقواتيمالا في امريكا الجنوبية في القرن الماضي والتي اوصلت فيها الدولتين الى مرحلة العجز الكامل في اقتصادياتها ففي الاكوادور كانت مديونيةالدولة ( ٢٤٠ ) مليون دولار رفعتها النخب الى ( ١٦ ) مليار دولار وكانت نسبة العطالة فيها ( ١٥% ) وصلت الى ( 70 %) استدعى بعدها الحال الى سيطرة الولايات المتحدة الامريكية على إحتياطي نفط دولة الإكوادور الموجود في غابات الأمازون والذي كان يوصف بأنه الإحتياطي الأكبر بعد الشرق الأوسط ، وكذلك تجربة قواتيمالا عبر شركة ( يونايتد فروت ) الأمريكية التي أطاحت بحكم الرئيس آرينز الذي جاء عبر نظام انتخابي ديمقراطي والذي دبرت له ( يونايتد فروت ) مع المخابرات الامريكية ال ( CIA ) وشاية مع النخب التي استبدلته على إثرها عبر إنقلاب جاء بالديكتاتور الجنرال ( كارلوس أرماس ) الذي أزاح جميع العقبات التي وضعها سلفه آرينز في طريق العملاق الامريكي ( يونايتد فروت) فألغى الإصلاح الزراعي والضرائب الباهظة على الإستثمار الأجنبي فزج بذلك بآلاف المواطنين في السجون ، وقيسوا على ذلك . التجربة على وشك أن تتكرر في السودان بسيناريو أو بآخر من خلال المؤسسات التي زارت السودان مؤخراً على أعلى مستوياتها وقدمت دعمها المادي والعيني بغرض إنشاء وتطوير المشروعات الحيوية والإستراتيجية في السودان والتي في الأصل ستكون ديوناً مستقبلية على البلاد ستعمل تلك المنظمات الحاكمة كلما في وسعها لتوسيع الهوة بتقديم المزيد من العروض بما يتناسب طردياً وحجم المشروعات التي تتطلبها البلاد في المرحلة الراهنة والمستقبلية لتجد الدولة نفسها وتكون بطريقة غير مباشرة انها تلتهم سماً مع الدسم الذي وضعته لها نخب ( الكوربروقراطية ) الأمريكية يضعها في حالة عجز كامل عن سداد فاتورته عند تقديمها في الوقت المناسب الذي تراه تلك النخب وعندئذ تفرض شروطها على الدولة كالموافقة مثلاً على تصويت ما في الأمم المتحدة سيما وأن هناك مشروع تطبيع معلق مع إسرائيل ، أو السيطرة على موارد محددة وفي خطة موارد الدولة واستراتيجية الولايات المتحدة حقل بترول ( ابو جن ) بولاية الجزيرة وهو خط الرجعة المرتقب للولايات المتحدة الأمريكية ، أو الشرط الأخطر والأصعب وهو الموافقة على الوجود العسكري بالبلاد بشكل أو بآخر . بعد ذلك كله ، هل تعي الحكومة بهذه النوايا والترتيب الناعم لإيقاع البلاد في هذا الفخ مستقبلاً ؟ فإذا لم تكن تعي بذلك فنحن على أعتاب إستعمار جديد تقدم فيه الحكومة البلد للمستعمر الجديد على طبق من ذهب ، فإذا كانت تعي بذلك ، وأدركت النخب الامريكية هذا الوعي ، سيكون لها سيناريوهات حتى تنفرد بخيرات بلادنا دون شراكة مع اي دولة أخرى وستبذل ما في وسعها لإزاحة كل العقبات كما أزاحت ( آرينز ) في قواتيمالا الخلاص من هذا الفخ هو العمل على تنمية البلاد بجهد واجتهاد أهلها بعرقهم وجهدهم وفكرهم وخبراتهم وتفجير خيرات البلاد من أجل بناء الذات بالذات ، وعلى الحكومة ان تفكر منذ الآن في إيجاد السيناريو المناسب والناجع للخلاص من ردات الفعل الكارثية للنخب الأمريكية التي ستنتج عن إدراكها بوعي السودان حكومة وشعباً بهذا الفخ الناعم ، فعلى نخبنا الحاكمة ان تلتفت الى بناء دولة المؤسسات والموطنة وان تترك التشاكس السياسي وعلى السودانيين أن يستووا صفا واحدا من أجل تحقيق شعار ( حنبنيهو ) ..أو كما قالت ثورة ديسمبر المجيدة وهذا يتطلب التوافق السياسي والوحدة الداخلية بين مكونات الشعب حتى تتهيأ أرضية الإصلاح والبناء والتطوير .. وهذا ما رأيته مما قرأت لطفك يااااارب
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاين SudaneseOnline اليوم الموافق 10/10/2021
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة