كلنا نعلم أن مؤتمر الخريجين قد لعب دورا محورياً في بلورة رؤية السودانيين حول حق تقرير المصير، و أن البرلمان السوداني في مستهل إنشاءه، قد أجتمع أعضاؤه في ١٩ ديسمبر ١٩٥٥ وأعلنوا استقلال السودان من دولتي الحكم الثنائي، (بريطانيا ومصر)، وطالبوهما بالاعتراف بالسودان دولة مستقلة، وجرت الموافقة علي استقلال السودان في الأول من يناير ١٩٥٦، ومن ثمة أنزل علمي دولتي الحكم الثنائي (في مشهد تاريخي مجلجل، مثل لحظة فارقة وذات مغذي للسودانيين)، وسلمت لممثليهما، ورفع علم السودان بدلا عنهما، ومنذ ذلك التاريخ أصبح السودان دولة جديدة ذات سيادة، وبدأ الاعتراف به من قبل دول العالم المختلفة، عبر الأمم المتحدة (ونستشير لكيفية الاعتراف بالدول لاحقاً)، بعد استكماله لأركان الدولة وشروط الاعتراف به، والتعامل معه كعضو في المجتمع الدولي.
الفرق بين الاعتراف بالسودان والاعتراف بالحكومة الانقلابية:
الاعتراف بالحكومات:
السودان كغيره من الدول المنضوية تحت الأمم المتحدة، يستدعي ويتوجب بالضرورة، أن تكون له حكومة، بحيث يتم التنسيق معها في مجال العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى، وقد جرت بعض الاستفسارات البارزة، كالتي أعلنتها الولايات المتحدة، حول مبدأ الاعتراف بالحكومات، فرأت إن مسألة الاعتراف لا تنشأ، بل تقام علاقات مع الحكومة الجديدة؛ ويجوز اعتراف الدول بالحكومات، كما تعترف بالدول الأخرى؛ ولكن في حالة السودان، فلم تعترف أي دولة بالبرهان رئيساً السودان، (سوي دعم ضمني من دول بعينها في الإقليم ترتبط مصالحها باستمرار العسكريين علي سدة الحكم في السودان)، فإن افتراض التعامل معه كرئيس، قد يتسبب في مشاكل، خاصة بالنظر الي وصوله إلى السلطة من خلال وسائل غير قانونية، كما في حالة الانقلاب في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١.
ولابد أن نميز ما بين الاعتراف بالسودان كدولة، والاعتراف بسلطة الانقلاب (ولا أقول حكومة البرهان)، وذلك من خلال ما فسره البعض بأن دعوة البرهان للملكة المتحدة لتقديم العزاء في وفاة الملكة إليزابيث الثانية، و مشاركته يعتبر اعتراف به، (ولا أقول دعوته) فالدعوة تقدم للدول، والدولة تقرر من يمثلها، ( أو كما رأي البعض بأن مشاركته في أعمال الدورة ال ٧٧ للجمعية العامة للأمم المتحدة جاء بدعوة للبرهان من قبل الولايات المتحدة).
ولعلنا رأينا توصيف وضع البرهان فيما يتصل بمشاركته في جنازة الملكة إليزابيث الثانية، ضمن قائمة المشاركين في مراسيم العزاء الذي أقامته المملكة المتحدة، (فقد تم تصنيف البرهان قائداً للجيش في السودان!، وقد رأينا ترتيبه في اصطفاف ممثلي الدول، ولعل هذا، هو وضعه الدستوري والقانوني، والطبيعي، دون زيادة أو نقصان، "قائداً للجيش في السودان".
أما بالنسبة لمشاركة قائد الانقلاب، قائد الجيش، البرهان، في أعمال الدورة ال ٧٧ للجمعية العامة للأمم المتحدة، النقاش العام، فهي مشاركة روتينية دارجة، لا دعوة تقدم لها، سواء من الولايات المتحدة، (ولن تقدم الولايات المتحدة قط دعوة سواء للبرهان أو غيره من زعماء الدول بمسمياتهم المختلفة، كما لا تقدم الأمم المتحدة كمنظمة دولية دعوة للرؤساء أو الملوك أو أي من يمثل دولته، وفقاً لمسماه أو توصيفه لنفسه؛ فالولايات المتحدة، لا تعدو أن تكون "فقط" دولة المقر للأمم المتحدة)؛ وجميع الدول المعتمدة لدي الأمم المتحدة تختار من تراه مناسباً لرئاسة وفدها المشارك في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في كل دورة، في سبتمبر من كل عام. (إذن إن مشاركة البرهان في تقديم العزاء لا ينطوي علي اعتراف، ورمزيته تتمثل في أنه من يمثل الدولة، وهو حق اصبغه علي نفسه، وفوض به نفسه).
وفي تقديري، أن الأمم المتحدة في هذه الدورة، قد أرتكبت خطأً، عندما وصفت البرهان "كرئيس الحكومة الانتقالية في السودان"، فالسودان في الوقت الراهن، ليس له حكومة انتقالية أو غيرها؛ فالبرهان، لا يعدو أن يكون سوي قائداً للجيش في السودان، والوزراء الذين سماهم دون تفويض دستوري له، ليسوا سوي هم وكلاء وزارات مؤقتون أو بالوكالة، فأصبحوا بين ليلة وضحاها وزراء مكلفون.
ومما تجدر الإشارة إليه، أن الأمم المتحدة التي تضم الدول الأعضاء، فيما يسمي المجتع الدولي، سبق أن وصفت ما قام به البرهان انقلاب علي الحكومة الشرعية، وطالبته بتسليم السلطة لحكومة بقيادة مدنية، وهو نهج ماثل ما قامت به العديد من الدول المختلفة؛ فكيف تصنف الأمم المتحدة الان البرهان، "رئيسا للحكومة الانتقالية في السودان؟"، وتقدمه لمخاطبة الجمعية العامة بهذا التوصيف؟ والاستيلاء علي الحكم بالقوة في السودان، لا شك يدل على مدى عمق أزمة الحكم وخطورته في بلادنا؛ وسبق أن أشار فقهاء القانون الدستوري والدولي، بأن البرهان لا اعتراف به دستورياً كرئيس للسودان.
ولا ننسي، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس قد دان "الانقلاب العسكري الجاري في السودان"، في ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١، ودعا إلى إطلاق سراح رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك، وبقية المسؤولين في الحكومة السودانية، وعلى الفور؛ عقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا طارئا مغلقا بشأن السودان بناء على طلب ست دول غربية، وهي، المملكة المتحدة وإيرلندا والنرويج والولايات المتحدة وإستونيا وفرنسا، وقال دبلوماسيون حينها إن أعضاء في مجلس الأمن يعتزمون مطالبة شركائهم بتبني إعلان مشترك.
كما يجب التمييز بين الاعتراف الدبلوماسي والاعتراف الرسمي بالدول والحكومات التي تدير شأن الدولة، والاعتراف بالحكومات لا ينطوي علي ممارسة السيادة، بعكس الدول؛ فإذا كانت دولتان لا تقيمان علاقات دبلوماسية مع بعضهما، فهذا لا يعني أنهما لا تعترفان ببعضهما كدول كاملة السيادة؛ وليس مطلوباً من الدولة أن تمنح اعترافاً رسمياً ثنائياً لأي دولة أخرى، فاعتراف الدول بالدول الجديدة المنضوية تحت مظلة الأمم المتحدة يتم بشكل فردي، في نسق واطار ايداع طلب من الدولة المعنية للدعوة للاعتراف بها، ويقول منطوق ميثاق الأمم المتحدة، إنه بموجب ميثاق الأمم المتحدة، تعتبر عضوية الأمم المتحدة "مفتوحة أمام جميع الدول المحبة للسلام التي تقبل الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، والتي ترى المنظمة أﻧها قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات"؛ وتقبل الدول في عضوية الأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة بناءً على توصية مجلس الأمن. ويتم الانضمام الفعلي للأمم المتحدة ضمن اجراءات محددة، في مختصرها الأتي:(١).
تقدِّم الدولة طلبًا إلى الأمين العام ورسالة تتضمن تصريحًا رسميًا بأنها تقبل الالتزامات الواردة في الميثاق.
ينظر مجلس الأمن في الطلب، ويجب أن تحصل أي توصية بقبول الانضمام على أصوات إيجابية لـ ٩ أعضاء في اﻟﻤﺠلس من أصل ١٥ عضوًا، بشرط ألا يصوِّت أي من الأعضاء الدائمين الخمسة (الاتحاد الروسي، الصين، فرنسا، المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأمريكية) ضدّ الطلب. بمعني أخر، لا تستخدم أي من الدول دائمة العضوية، حق الفيتو ضد انضمام تلك الدولة. وفي حال توصية اﻟﻤﺠلس بقبول الانضمام، تقدَّم التوصية إلى الجمعية العامة لتنظر فيها، ويجب الحصول على أغلبية الثلثين في تصويت الجمعية العامة لقبول أي دولة جديدة؛ وتبعاً لتلك الاجراءات المتسقة، تصبح العضوية نافذة بتاريخ اعتماد قرار القبول.
سيادة السودان، والتمثيل الدبلوماسي:
التمثيل الدبلوماسي في السودان قائم وتم إنشاؤه منذ العام ١٩٥٦، ومع كل دولة علي حدة، والسودان دولة تم الاعتراف بها من قبل الأمم المتحدة في ١٢ نوفمبر ١٩٥٦، وحينها انضمت ٨٠ دولة للأمم المتحدة من بينها، تونس والسودان والمغرب واليابان، وتبعا لذلك فالسودان من منظور القانون الدولي، ليس دولة ناقصة السيادة، أو دولة محمية، أو تابعة، أو مشمولة بالوصاية، أو تلك التي تدير شؤونها دولة أخري. وتبعاً لذلك النص القانوني، فإن السودان، دولة تملك الحق السيادي، وينطبق هذا النص علي حالة السودان.
وأن السودان، وتاسيساً علي ذلك المبدأ، لم يرفض، إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول الأخرى، أما قطع العلاقات الدبلوماسية، و إن كان يعد إجراء سيادي منفرد، وتقديري من دولة بعينها تجاه دولة ترتبط معها بعلاقات دبلوماسية، له مترتبات قانونية علي كلا الدولتين، بيد أنه يعتبر كأحد أخطر الوسائل بين الدول، لأنه يعبر ويعكس أسوأ ما آلت اليه العلاقات الثنائية بين دولتين، مما دعا إحدي الدولتين الاعلان عن قطع العلاقات الثنائية مع الدولة الاخري. وهناك شواهد علي قطع السودان علاقاته علي المدي القريب مع بعض الدول، كإيران؛ كما قام الرئيس الأسبق جعفر نميري، بتعليق علاقات السودان مع نحو ٢٠ دولة بدواعي الكلفة المالية، وكان من بين أسوأ القرارات للسودان في عهده الدبلوماسي.
(١) المرجع: ميثاق الأمم المتحدة.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق September, 22 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة