للمرة الثالثة يخرج الجنرال من متاهته، و يربك الساحة السياسية، قدم الجنرال خطابا قصيرا يحتوي على عدد من القضايا حمالة أوحه، و تقرأها كل قوى سياسية بما يتوافق مع المصالح التي كانت تنتظرها، أن لحظات التوتر و الإندهاش المفاجئة دائما تفضح الرغبات المستترة، و تتوارى الشعارات في تلك الحظة، لأنها لحظة الحقيقة مع النفس. و السياسي المقتدر هو ذالك الذي يستطيع أن يقرأ أي خطاب سياسي بتجرد لمعرفة المغذي، و يجيره لمصلحة عملية التحول الديمقراطي. استمعت للمؤتمر الصحفي لقوى الحرية و التغيير، و الأساتذة الثلاث الذين تحدثوا في المؤتمر. أخذ المتحدثون خطاب البرهان من زاوية واحدة، أنها مناورة سياسية يريد بها المكوث في السلطة، و واحدة من إشكالية النخبة السياسية إنها تعودت أن تبني على السالب و تكرس كل جهدها بعد ذلك لكي تقنع الآخرين برؤيتها. و كان أيضا أن تبني رؤيتها على الإجابي إذا أعتبرت مغادرة العسكر للسياسية هو فتح مبين للقوى المدنية و يمكن أن تسيطر على السلطة تماما. الغريب في الأمر أن الأستاذ عمر الدقير قال أن الخطاب فرضته الضغوط الجماهيرية. و هذه حقيقة و كان عليه وفقا لصلابة الجماهير أن يؤسس رؤيته عليها، و يضع تصورا أن يحولها من مناورة إلي حقيقة مادامت الجماهير يقظة، و يصبح الحديث كيف يتم ملأ الفراغ بعد الانسحاب، لكنه للأٍسف عرج هو و زملائه لتوصيف الأزمة التي يعيشها كل الناس، فتحدثوا عن الإصلاح الأمني و الاقتصاد و العدالة و محاسبة القتلة و أن يكون هناك جيشا واحدا و أن البرهان لم يعزل الذين عينهم كل ذلك كان من المفترض أن يقوم به البرهان قبل أن يقدم خطابه ثم يغادر متاهته.... ألخ. لا تريد التفاوض معه و تريده أن لا يمارس السياسية و في نفس الوقت تطالبه أن يصدر كل تلك القرارات. هذا تناقض في الخطاب. هناك سؤلان مترادفان يجب أن تجيب عليهما قوى الحرية و التغيير و الحزب الشيوعي و لجان المقاومة و الثائرين و القوى السياسية الأخرى و المثقفين من هي الجهة التي يقع عليها عبء الإصلاح و تكوين المؤسسات العدلية و المفوضيات و إصلاح الاقتصاد و إصلاح المؤسسات النظامية جميعها و تكوين المجلس التشريعي و مجلس سيادة و تفكيك بنية دولة الحزب الواحد لمصلحة التعددية العسكر أم هي القوي السياسية؟ هل الجميع يستوعب معنى انسحاب المكون العسكري من الحوار؟ و المعلوم أن الحوار سياسي هو المفترض أن يجيب على تلك القضايا. باعتبار أن الحوار بين القوى السياسية هو حوارا سياسيا يتناول كل القضايا من تفكيك بنية الدولة الشمولية لمصلحة التعددية السياسية، إلي إصدار كل القوانين التي تحتاج إليها الفترة الانتقالية، إلي جانب أختيار رؤساء المفوضيات، و كيفية إصلاح الأجهزة العدلية، و رسم معالم السياسية الخارجية و غيرها من القضايا المطلوب النظر فيها في الفترة الانتقالية. بذلك الحوار يكون تلقائيا قد سقط الانقلاب، بل تجاوزه التاريخ، لآن صناعه قد خرجوا من الساحة السياسية وفقا لخطاب البرهان. و تكتمل المدنية عند اختيار رئيس الوزراء و مجلسه و يتم حل مجلس السيادة، و تصبح السلطة جميعها في يد المدنيين، و هم الذين يديروا دولاب الدولة و تصبح المؤسسة العسكرية تابعة للسلطة المدنية. مثل هذه القضايا تناقش بعيدا عن الحساسيات و بعيدا عن التشفي، لكن بعض القيادات السياسية إيمانها بالعملية الديمقراطية و بناء الدولة المدنية الديمقراطية شعارات تكتيكية فقط. عند أختبارها تنسى كل تلك الشعارات و تصبح المصالح الضيقة هي سيدة الفكرة. أن إشكالية الاستحواذ على السلطة ليست هي رغبة مضمرة فقط عند العسكريين، بل هي الفكرة التي تصدع القوى المدنية، و كل قوى سياسية و تحالف يريد أن ينسحب العسكر من السلطة و يسلمهم مفاصل السلطة، الأمر الذي يعقد المشكل. عندما تتحدث قيادات قوى الحرية و التغيير أن البرهان أغفل مخاطبة حقيقة الأزمة، هي تعني أنه انقلب على سلطة، و بالتالي يصبح أنهاء الانقلاب إرجاع السلطة للذين انقلب عليهم، و أيضا عندما يشن الحزب الشيوعي هجوما على قوى الحرية و التغيير بهدف إخراجها من الملعب السياسي كقوى متحالفة لأنها تتمسك بقيادتها للفترة الانتقالية، لأن قيادته هي ايضا تريد أن تتسلم مفاتح البلد حتى تهندسها ثوريا، و أيضا بعض لجان المقاومة المنتمية سياسيا دخلت سوق المساومات السياسية إلي جانب بقية الأحزاب الأخرى في الساحة من إسلاميين و غيرهم. فالصراع على السلطة هو الذي أفشل الفترة السابقة و هو الذي سوف يجهض أي تصور لعملية التحول الديمقراطي. و كل قوى تريد أن تكون هي الحاضنة السياسية للفترة الانتقالية و تهندس البلاد وفقا لتصوراتها وحدها دون الآخرين، فالصراع من أجل التحكم في الفترة الانتقالية إذا لم تتركه القوى السياسية جانبا و تجلس و تتحاور من أجل أن تختار عناصر مشهود لها بالكفاءة و الخبرة و النزاهة و الشفافية و لها الحنكة السياسية، أن البلاد لن تتعافى و تخرج من أزمتها حتى بعد مغادرة العسكر للساحة السياسية. أن الدولة الديمقراطية لا تبنى باحتكارية السلطة لكنها تحتاج للتوافق الوطني و أكبر قاعدة اجتماعية مناصرة له. و أن شباب الثورة قد سجلوا في تاريخ الشعوب أن الشعب السوداني قد وضع حدا للانقلابات العسكرية و لعقل البندقية. فهل القوى السياسية فهمت هذا الدرس. نسأل الله التوفق و النصر المبين.
عناوين الاخبار بسودانيزاونلاينSudaneseOnline اليوم الموافق July, 05 2022
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة