عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد-عن النسب الفكري والسياسي

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 12:56 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2020-2023م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-05-2022, 12:23 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد-عن النسب الفكري والسياسي

    11:23 AM July, 05 2022

    سودانيز اون لاين
    Yasir Elsharif-Germany
    مكتبتى
    رابط مختصر




    محاضرة إسفيرية يوم السبت 2 يوليو 2022
    Quote: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد-عن النسب الفكري والسياسي
    108 Aufrufe 04.07.2022
    5
    Mag ich nicht
    Teilen
    Clip
    Speichern
    عبدالله الفكي البشير Abdalla E. Elbashir


    Quote: لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد
    (البحث عن النسب الفكري والسياسي)
    منتدى الفكرة الجمهورية- أم درمان، السبت 2 يوليو 2022
    تقديم: عبد الله الفكي البشير، باحث وخبير سياسي
    محاور المحاضرة
    1. فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من التفسير القاصر وتصورات الإرث السياسي.
    2. استعادة السودان وليس استرداد السلطة: نحو إعادة تكييف الوطن عبر بعث الذاتية السودانية.
    3. تجليات استكمال الاستقلال والنقد العملي للإرث الاستعماري.
    4. ملامح المواطن الجديد الذي هو نواة السودان الجديد (المواطن هو الأصل).
    5. سودنة المرتكز الحضاري والمسار السياسي.
    6. أفكار قديمة وتاريخ جديد يكتبه ويمليه صانعوه.
    7. مرجعيات ومغذيات المناخ الثوري: استدعاء المبادرات الخلاقة والنماذج الإرشادية في النضال والسلمية واللا عنف.
    8. الهمس بتأثير بعض الأحزاب في لجان المقاومة (مؤامرة).. والخطر على لجان المقاومة.
    9. نحو علاقة صحيحة وصحية مع لجان المقاومة.
    10. لجان المقاومة وسودان المستقبل: من القاعدة إلى القمة (مهدوا لهم السُبل لتولي قيادة السودان).
    11. اقتراح بحلين حل عاجل وحل آجل (بعث لبيان أصدره الأستاذ محمود محمد طه في 24 فبراير 1965)
    12. معلم الشعوب وسجل لجان المقاومة: نحو درس جديد للشعوب في نموذج القيادة الشبابية للدولة.
    عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد-عن النسب الفكري والسياسي






                  

07-05-2022, 12:26 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    عفوا لنزول مقطع المحاضرة مرتين.
                  

07-06-2022, 03:24 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37022

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    سلام د ياسر
    يا ريت لو يلقي تغطية ا علامية حقيقية في اعلام السودان وقناة الحوش الحرة
    لانه عمليا دول العالم العربي والخليج لا تقبل سوي مهرجين القوميين العرب والاخوان المسلمين
    خصوصا الجزيرة مباشر والعربية الحدث
    لانها فضائيات فتنة وتستخف بذكاء ووعي السودانيين
    العرب والمصريين لا يعرفون شئيا عن السودان والسودانيين بالاصالة يعرفون السياسيين الحثالة فقط
    جهد مقدر من الشاب عبدالله الفكي
    فعلا الثورة حامل فكري ومسار
    https://www.0zz0.com
                  

07-06-2022, 09:04 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: adil amin)

    سلام يا عادل وشكرا لك
                  

07-17-2022, 02:12 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    Quote: *نحو قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة:*
    *لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل*
    *(البحث عن النسب الفكري والسياسي)*
    (1-7)
    بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
    خبير سياسي وباحث أكاديمي
    [email protected]
    صحيفة التيار، الأحد 17 يوليو 2022


    تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياس ية السودانية. وتزعم الورقة بأن هذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأن الطود الأشم والعيلم المسجور".

    الواقع الجديد والتعاطي بالأساليب البالية

    لقد تعاطي جل السياسيين والمثقفين والوسطاء الإقليميين والدوليين مع لجان المقاومة بما ألفه الناس في السودان ومحيطه، بأنها لجان تقود احتجاجات تسعى لاسترداد السلطة، وبمجرد سقوط النظام، يمكن الجلوس للتفاوض، ومن ثم الوصول لتسوية سياسية. وبناءً على هذا التفسير ذهب هؤلاء السياسيين والمثقفين والوسطاء إلى وضع المقترحات وتصميم المبادرات على ضوء إرث الدولة السودانية وتجاربها مع الحراك الثوري منذ استقلال السودان "الشكلي" عام 1956. تزعم هذه الورقة بأن مثل هذا التعاطي يُعبر عن تفكير فج، قوامه الجهل بتاريخ السودان ومكوناته، والضعف في الوعي بالذاتية السودانية، وينطلق من رؤية متواضعة وساذجة، ويُنبئ عن قصر نظر. وترى الورقة بأن التفكير السليم الذي يقود إلى التفسير الصحيح للجان المقاومة وفعلها الثوري الفريد والجديد، حسب علمي وتقديري، على أفريقيا والمحيط العربي، والعالم أجمع، حيث التضحية، والالتزام بالسلمية منذ اندلاع الثورة في 19 ديسمبر 2018 وحتى اليوم، والتمسك بوحدة السودان، والهتاف بشعار الثورة الأساسي: حرية، سلام وعدالة والثورة خيار الشعب، والوعي بوحدة المصير المشترك لشعوب السودان، وتجسيد قيم البناء الجماعي للوطن، والانضباط في توقيت المواكب، هو أننا أمام استعادة ال سودان وليس استرداد السلطة. استعادة السودان المُغيب والمُختطف والذي تم تكييف مساره عبر محطات استعمارية مختلفة، وبموجب سياسات ورؤى وطنية ظلت منحازة منذ الاستقلال ضد بعض الثقافات والجماعات. نحن أمام لحظة تحرير عظمى، نشهد فيها عبر لجان المقاومة الكشف عن طاقة السودان الضخمة، منذ قبل كوش، وتجسيد ال ذاتية السودانية، قبل تشويهها من قبل الاستعمار. لقد استدعت المرأة السودانية الكنداكة من جوف التاريخ السوداني، لتسعفها في النضال من أجل استرداد السودان، وبعث الذاتية السودانية. كذلك نحن لسنا أمام ثورة شعبية اندلعت لاجتثاث نظام سياسي، وإنما أمام بعث جديد للسودان الضخم العظيم بتجاربه التاريخية منذ قبل مينا، موحد الوجهين القبلي والبحري ومؤسس الأسرة الأولى من الممالك القديمة (2925 ق.م.-2775 ق.م.) تقريباً، وحتى اليوم. نحن أمام السودان الضخم، بمبادراته الخلاقة، عبر تاريخ طويل وحتى يوم الناس هذا. كذلك نحن أمام نقد عملي تقوده لجان المقاومة لإرث الدولة السودانية منذ قبل الاستقلال، وأمام نقد عملي، كذلك للمعرفة الاستعمارية في حقبة تاريخ السودان الحديث، والتي جمدت حركة التغيير فيه، وعلَّمت المثقفين الجدل ومنعتهم العمل، وغرست صفوية المزاج، وأفرغت النضال الوطني من شراكة الجماهير وحبسته العطاء في العمل الفوقي، وفصلت الطاقات الإبداعية عن الواقع. كما غيبت روح التضحية والاحتفاء بالخدمة الوطنية، وزرعت الانقسامات وسياسية الثنائية مثلاً، وغير ذلك، كما سيرد التفصيل والتأسيس العلمي لاحقاً. كل هذا يجد النقد العملي اليوم من لجان المقاومة.
    إن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، لا ينتهي عند الأحزاب السودانية، ولا ينتهي كذلك في إرث الدولة السودانية السياسي ومسارها منذ الاستقلال، وإنما ينتهي في محطات أبعد ذلك، ويجد جذره في نضال الشرفاء من الذين قتلوا، أو سجنوا، أو عذبوا في سبيل الحرية وإحداث التغيير الجذري والشامل. أولئك الشرفاء الأعزاء الذين استشهدوا في سبيل حب السودان، يقول الأستاذ محمود محمد طه "حب السودان من حب الله". ويقول القائد جون قرنق: "السودان هو الذي يوحدنا". إن الوفاء للشهداء والاحتفاء ببعث السودان عبر نضال لجان المقاومة، والحب للسودان يتطلب منا العمل، والعمل، ثم العمل، بتقديم الخدمة العلمية للثورة، ودعم مسارها، بترفيع مستوى الحوار الوطني.. وعبر هذه الخدمة العلمية تتم محاصرة الجهل والقديم، ويتم كذلك تراجع أنصاف المثقفين من أدعياء السياسة وأدعياء الوطنية، عن الصفوف الأمامية. كما تفرض الخدمة العلمية على القادمين بمؤهلات "الجربندية"، وأصحاب التكوين المعرفي الساذج والبسيط أن ينسحبوا من المشهد السياسي، بل قطعاً مع الحصار العلمي سيتبخروا وستتبخر أحلامهم ناحية السماء.
    ستعالج هذه الورقة موضوعها من خلال التشخيص والتحليل باستدعاء التاريخ، واستصحاب الراهن وآمال المستقبل، حتى نفهم، ولأجل ذلك تهيكلت في المحاور الآتية:

    1. فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من التفسير القاصر وتصورات الإرث السياسي.
    2. استعادة السودان وليس استرداد السلطة: نحو إعادة تكييف الوطن عبر بعث الذاتية السودانية.
    3. تجليات استكمال الاستقلال والنقد العملي للإرث الاستعماري.
    4. ملامح المواطن الجديد الذي هو نواة السودان الجديد (المواطن هو الأصل).
    5. سودنة المرتكز الحضاري والمسار السياسي.
    6. أفكار قديمة وتاريخ جديد يكتبه ويمليه صانعوه.
    7. مرجعيات ومغذيات المناخ الثوري: استدعاء المبادرات الخلاقة والنماذج الإرشادية في النضال والسلمية واللا عنف.
    8. الهمس بتأثير بعض الأحزاب في لجان المقاومة.
    9. نحو علاقة صحيحة وصحية مع لجان المقاومة.
    10. اقتراح بحلين حل عاجل وحل آجل (بعث لبيان أصدره الأستاذ محمود محمد طه في 24 فبراير 1965).
    11. لجان المقاومة وسودان المستقبل: من القاعدة إلى القمة (مهدوا لهم السُبل لتولي قيادة السودان).
    12. معلم الشعوب وأرض الثورات: نحو درس جديد لشعوب العالم في نموذج القيادة الشبابية للدولة.

    سيتم التناول لكل محور من هذه المحاور بصورة مجملة مع الإيجاز بما أمكن لذلك.

    1. فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من التفسير القاصر وتصورات الإرث السياسي

    غنى عن القول إن ثورة ديسمبر المجيدة هي نتاج لتراكم أعمال ثورية عديدة ومتنوعة، وخلاصة لتضحيات كبيرة قدمها طلائع الشرفاء من السودانيين، في محطات مختلفة، وبأشكال متنوعة، عبر تاريخ السودان وحتى يوم الناس هذا. شارك في هذه الثورة الشباب والشيوخ والكهول ومختلف الأعمار والفئات الاجتماعية والخدمية. ولكن الحقيقة التي يجب علينا إدراكها هي أن لجان المقاومة تمثل نموذجاً جديداً في معاني الوطنية وفي الفعل الثوري والسياسي، لنقف جميعاً أمام فاعل سياسي جديد كلية على السودان، بل وعلى العالم أجمع. إن ما تقوم به لجان المقاومة لهو فوق طاقة الأحزاب السودانية، ولا يسعفنا الإرث السياسي السوداني في تفسيره، ولابد من نظر جديد، كما دعا لذلك محمد عشري الصديق (1908-1972)، منذ قبل الاستقلال، وهو يتأمل ويتحدث عن شؤون السودان، ومتطلبات بناء الأمة السودانية.
    نلتقي مع الحلقة الثانية.
    ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين بمنتدى الفكرة الجمهورية، وأدار الجلسة الأخ محمود الأمين عبد الغفار، والمحاضرة تتوفر فيديو على هذا الرابط:
    https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLkhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk
    ويسعدني أن أتقدم بخالص الشكر لكل المتداخلين يوم تقديم المحاضرة، وللذين تواصلوا معي بعد ذلك وقدموا ملاحظاتهم وانطباعاتهم عن المحاضرة، وأخص بالشكر الأخت الأستاذة حنان الأمين عبد الغفار، والصديقين الشاعر عفيف إسماعيل، والأستاذ ياسر عبيدي، فلقد عبَّروا كتابة عن شراكتهم في الاحتفاء بالمحاضرة، فبعثوا بانطباعاتهم وملاحظاتهم واقتراحاتهم القيمة، وقد استفدت منها، كما سيرد التفصيل لاحقاً.
                  

07-19-2022, 03:55 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    Quote: نحو قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة:
    لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل
    (البحث عن النسب الفكري والسياسي) (2-7)

    بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
    خبير سياسي وباحث أكاديمي
    [email protected]
    صحيفة التيار، الاثنين 18 يوليو 2022

    تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياس ية السودانية. وتزعم الورقة بأن هذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأن الطود الأشم والعيلم المسجور".
    قدمنا في الحلقة الماضية لمحة عن الواقع الجديد والتعاطي بالأساليب البالية، إلى جانب محاولة لفكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من التفسير القاصر وتصورات الإرث السياسي. وأوضحنا بأنه على الرغم من أن ثورة ديسمبر المجيدة هي نتاج لتراكم أعمال ثورية عديدة ومتنوعة، وخلاصة لتضحيات كبيرة قدمها طلائع الشرفاء من السودانيين، من الشباب والشيوخ والكهول. ولكن الحقيقة التي يجب علينا إدراكها هي أن لجان المقاومة تمثل نموذجاً جديداً في معاني الوطنية وفي الفعل الثوري والسياسي، لنقف جميعاً أمام فاعل سياسي جديد كلية على السودان، بل وعلى العالم أجمع. إن ما تقوم به لجان المقاومة لهو فوق طاقة الأحزاب السودانية، ولا يسعفنا الإرث السياسي السوداني في تفسيره، ولابد من نظر جديد.
    إن النظر الجديد يتطلب منا العمل على عقلنة الثورة ومسارها، وفكرنة سردية لجان المقاومة، بإخراجها عبر العقل وقراءة التاريخ، من العاطفة السياسية والتحليل الساذج للراهن، حتى نلج المستقبل بالعلم وأداته، وهي العقل. يقول أرسطو إن الماضي لا يمكن أن يغيره أحد، لكن المستقبل حق لنا أن نبنيه، ويمكن أن يتحقق هذا بأن نقيم اختياراتنا على أساس العقل. ويقول الأستاذ محمود محمد طه: "العقل هو القوة الدراكة فينا". وكتب في كتابه: تعلموا كيف تصلون، (1972)، قائلاً: "العلمُ أداتُه العقلُ، والعملُ أداتُه الجسدُ"، ويقول كذلك: "كل مشوار لا يكمله العقل يتمه الجسد تعباً". وحتى يكتمل فهمنا للجان المقاومة وتفسيرها كفاعل سياسي جديد، لابد من إزالة حجاب الجهل عن التاريخ، وقراءة تاريخ السودان حتى نفهم ويكتمل نضج نظرنا الجديد. يقول سيسرو Marcus Tullius Cicero (106 – 43 ق.م)، الخطيب الروماني المفوّه والفيلسوف، كما أورد حسني عايش: “أن تبقى جاهلاً بما حدث قبل ولادتك (أي بالتاريخ) يعني أن تبقى طفلاً في باقي الأيام بعدها". وقراءة التاريخ لا تعني التعاطي مع التاريخ باعتباره دراسة الماضي، وإنما باعتباره أداة من أدوات التغيير.
    وإذا ما استصحبنا كل ذلك في نظرنا الجديد، فإننا ندرك بأن لجان المقاومة، ليست هي لافتة أو جسم ليتدافع الناس على التفاوض معه واسترضائه، وإنما هي تجسيد لحلم كل ثائر أعدم أو سجن أو تأذى في سبيل التحرير والتغيير، وهي تعبير جماعي عن التوق للحرية والديمقراطية، وهي أمل التحرر من الإرث الاستعماري، وهي انعتاق عن الماضي والقديم. وهي خلاصة الدعوات لإحداث التغيير الشامل والجذري. ولهذا فإن الوعي بلجان المقاومة هو وعي بتاريخ السودان ومساره السياسي ووعي بمتطلبات سودان مستقبل.
    لقد استدعت لجان المقاومة الذاكرة الثورية السودانية، وهي تبعث السودان بطاقته الحقيقية. ولهذا فإن لجان المقاومة لا تجد تأصيل نسبها الفكري والسياسي في الأحزاب السودانية ومسار الدولة السودانية منذ الاستقلال، وإنما في الذاتية السودانية التي تم تَكْييفُها وَاخْتِطافُها وَتَغْييبُها منذ قبل الاستقلال، في وجهة مناقضة لإرث السودان الحضاري ومصادمة لتكوينه الثقافي، ومناطحة لوجدانه وشعوره وسيرته التاريخية. إن لجان المقاومة ليست نضالاً من أجل استرداد السلطة وإنما حالة وعي شامل، وشراكة نضالية، تداعت لها شعوب السودان بمختلف ثقافاتها، وأديانها، وأعراقها، وألوانها، من أجل استعادة السودان.

    1. استعادة السودان وليس استرداد السلطة: نحو إعادة تكييف الوطن عبر بعث الذاتية السودانية

    إن المراقب والمتابع لأداء لجان المقاومة في نضالها الثوري، يدرك، خلافاً لما خلصت إليه الأحزاب السودانية والوسطاء والمثقفين، بأن هذا النضال ليس من أجل استرداد السلطة، وإنما من أجل استعادة السودان. إن نضال لجان المقاومة يجب أن يُفهم ويُفسر بأنه نضال من أجل استعادة السودان المُغيب والمُختطف. وبهذا التفسير والفهم نستطيع التعاطي مع لجان المقاومة باعتبارها وعياً بالذاتية السودانية، كما عمل من أجل ذلك، وعبر عن ذلك الكثير من المفكرين السودانيين، لاسيما عبد الخالق محجوب (1927- 1971) الذي قال حينما سأله جعفر النميري (1930- 2009)، رئيس السودان الأسبق (1969- 1985)، والذي أعدمه بعد ذلك، سأل النميري عبد الخالق، قائلاً: "ماذا فعلت للسودان؟"، رد عبد الخالق، قائلاً: "قليلاً من الوعي". إن لجان المقاومة هي تجليات ذلك الوعي الذي قدمه عبد الخالق والكثير من المفكرين والمثقفين السودانيين. وعلينا كذلك أن ننظر إلى لجان المقاومة باعتبارها تجسيداً للذاتية السودانية، حيث أصايل الطبائع التي تحدث عنها الأستاذ محمود محمد طه في الكثير من كتاباته ومحاضراته. تجلت أصايل الطبايع لدى لجان المقاومة في ميادين الاعتصام وفي كل عملهم الثوري، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، عندما طرحوا فكرة جمع الأموال، كان الشعار والمبدأ: "عندك خت/ ضع، ما عندك شيل/ خذ"، وهكذا. كتب الأستاذ محمود محمد طه في أكتوبر عام 1958، قائلاً: "الشعب السوداني شعب أصيل، وأريد بذلك أن الشعب السوداني سليم المعدن، فإذا أحسن صِقالَهُ ظَهَرَتْ نَفَاسته". وكان محمود محمد طه قبل ذلك، وأثناء فترة اعتكافه بمدينة رفاعة (سبتمبر 1948- أكتوبر 1951)، بوسط السودان، قد كتب في صحيفة الشعب، في 27 يناير 1951، قائلاً: "أنا زعيمٌ بأنّ الإسلامَ هو قِبلةُ العالمِ منذُ اليوم وأنَّ القُرآنَ هو قانُونُه وأنَّ السُّودان إذ يُقدّم ذلك القانون في صورتِهِ العمليّة المُحقِّقَة للتّوفيقِ بينَ حاجةِ الجّماعةِ إلى الأمنِ وحاجةِ الفردِ إلى الحرّيّة الفرديّة المُطلقة هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب.. ولا يَهُولَنَّ أحداً هذا القول لكونِ السّودانِ جاهلاً خاملاً صغيراً فإنّ عنايةَ الله قد حفظِتْ على أهلِهِ من أصايِلِ الطّبائعِ ما سيجعلُهُم نقطةَ إلتقاءِ أسبابِ الأرضِ بأسبابِ السّماء".
    وتجلت الذاتية السودانية في بعث الكنداكة. لقد ظلت المرأة عنواناً لثورة ديسمبر المجيدة، بل يمكننا، من دون مبالغة، أن نطلق على هذه الثورة "ثورة المرأة"، باعتبار ما قدمته من عطاء وتضحية وحضور مستمر. فقد قدمت المرأة السودانية، في شراكة وطنية رائعة ضمن لجان المقاومة، أعظم نموذج إرشادي للثورة من أجل التغيير. تقدمت صفوف الحراك الثوري، وظلت مقيمة في الميادين العامة من أجل استمرار الثورة، وهي تستنهض الشباب والرجال. نتيجة لهذا الحضور القوي استطاعت المرأة السودانية، ليس استدعاء الإرث الثوري في أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985، وطاقة التعدد الثقافي الذي ينعم به السودان، فحسب؛ وإنما استدعت إرثاً حضارياً يعود إلى آلاف السنين، حيث بعثت اسم الكنداكة وجسدته في أفق جديد. أخرجت المرأة السودانية بقوة عزيمتها واصرارها على الانتصار مفردة الكنداكة من جوف تاريخ السودان. إذ لم يكن هناك ما يضاهي ما قدمته المرأة السودانية من بذل وتضحية في الثورة، سوى دور الكنداكة ودلالاتها في معنى الصمود والاستعداد للمواجهة، وتحقيق الانتصار، في حقبة كوش Kush (750ق.م.- 350م). فالكنداكة هو لقب ملوكي يشير إلى "المرأة القوية" أو "الملكة العظيمة"، وأطلق على عدد من الملكات اثنتان منهن كانتا من أعظم ملكات كوش اللائي تميزن بالقوة والحنكة والصلابة والانتصار، وهما الملكة أماني ريناس (40 ق. م- 10 ق. م)، والملكة والحاكمة أماني شاخيتي (شاخيتو) (10 ق.م – 1م).
    أستطاعت المرأة السودانية من خلال دورها في الثورة أن تحقق بعثاً حضارياً وثقافياً حرمت منه شعوب السودان وظلت منبتة عنه حتى اندلاع الثورة، فاستدعت فيما استدعت الكنداكة. وبهذا يمكن القول بأن المرأة السودانية نجحت في سودنة ثورة ديسمبر المجيدة، وتجذيرها في أعماق التاريخ السوداني. شاعت مفردة الكنداكة، بعد الثورة، في العالم، فاحتفى بها العالم أيما احتفاء، وهو احتفاء لا ينفصل عن الاحتفاء بثورة ديسمبر، الأمر الذي أعاد للمواطن السوداني بعضاً من كرامته في الشارع العالمي.
    ولهذا علينا التواضع سياسياً أمام لجان المقاومة، وعلينا التعاطي معها ليس بإطلاق الأحكام، والتقييم الظالم، وإنما باعتبارها منجماً للإلهام، ومنبعاً للوعي بالذاتية السودانية، وتجسيداً لأصايل الطبايع السودانية، وهي الميدان لصياغة رؤية سودان المستقبل، حيث استكمال الاستقلال، والتحرر من الإرث الاستعماري، ومن الإرث السياسي للدولة السودانية، الذي هو نتيجة للمعرفة الاستعمارية.
    ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين وهي متوفر فيديو على هذا الرابط:
    https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLkhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk
    نلتقي مع الحلقة الثالثة.
                  

07-25-2022, 06:12 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    Quote: *نحو قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة:
    لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل (البحث عن النسب الفكري والسياسي)_ (3-7)*

    بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
    خبير سياسي وباحث أكاديمي
    [email protected]
    صحيفة التيار، 18 يوليو 2022

    تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياس ية السودانية. وتزعم الورقة بأن هذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأنه الطود الأشم والعيلم المسجور".

    3. تجليات استكمال الاستقلال والنقد العملي للإرث الاستعماري

    منذ استقلاله وحتى اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، لم يشهد السودان عملاً جماعياً في سبيل نقد الإرث الاستعماري واستكمال الاستقلال، مثلما كان عمل لجان المقاومة. لقد كان عمل لجان المقاومة في كل مراحله وبمختلف وسائله وشعاراته، بمثابة نقد عملي للإرث الاستعماري، ونقد عملي كذلك لمسار السودان السياسي. ولهذا نجدد القول بأن لجان المقاومة ليست هيئة أو جسم يسعى لإسقاط النظام السياسي، وإنما هي تعبير وتوق لبعث السودان بتاريخه التليد ومبادراته الحضارية الضخمة، في أفق جديد. ويتجلى ذلك في لجان المقاومة باعتبارها حالة يقظة تعيشها شعوب السودان، وهي في تحرر من المعرفة الاستعمارية، وتجاوز لمبادئ الأحزاب السودانية ورؤاها المنحازة والركيكة، وهي أيضاً في حالة تبرأ من الإرث السياسي للدولة السودانية.
    لقد ظهرت كل تلك المعاني عند لجان المقاومة في قيم جديدة، ومفاهيم جديدة، وروح وطنية جديدة، وأساليب جديدة في التعاطي مع الوطن. وكل هذه المعاني كان الاستعمار قد زيفها وأفسدها في الجرعات التعليمية التي تناولها طلائع المتعلمين الذين قادوا الدولة السودانية بعد الاستقلال. تحدث الأستاذ محمود محمد طه في أكتوبر 1958 في مقال له بعنوان: "نظرات في السياسة الداخلية والخارجية"، وتحت محور بعنوان: "نحن شعب بلا سياسة"، قائلاً: إن ساسة الشعب السوداني منه "وهم بذلك يشاركونه أصالته، إلا أن سادتهم [الإنجليز]، قد زيفوهم وأوسعوهم تزييفاً.. علموهم فأفسدوا تعليمهم وربوهم فأساءوا تربيتهم ولم تكن روح الخدمة العامة ولا روح التضحية ولا روح الوطنية الحقة عنصراً من عناصر تعليمنا ولا عاملاً من عوامل تربيتنا على يد مستعمرينا.. وما يمكن لها أن تكون ثم أن حركتنا الوطنية لم تمتحن بما يعمق هذه المعاني عندنا ويعيد تعليمنا على هداها". لقد ساهم الاستعمار في تعطيل الطاقات وتجميد حركة التغيير كما أشار لذلك عبد الرحمن عبد الله، فقد كتب في كتابه: السودان: الوحدة أم التمزق، ترجمة الفاتح التجاني (2002)، قائلاً: "وفي حقيقة الأمر فإن الميراث البريطاني الإداري لم يشفع للسودانيين لمواصلة الحكم بفاعلية، وكما حدث في الهند فلقد أرسوا دعائم حكم القانون، ولكن، ورغم المظهر الخارجي، كما قال نهرو (جمدوا حركة التغيير)".
    لقد خرج الاستعمار في الأول من يناير 1956 بينما ظل الإرث الاستعماري ماثلاً في واقع السودان السياسي والثقافي والاجتماعي، بل يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك، ونقول بأن المعرفة الاستعمارية لا تزال تسيطر على العقول، وبالتالي فهي لا تزال تتحكم في مسار السودان. كان الأستاذ محمود محمد طه قد تحدث عن هذا المعنى في كتابه: الدعوة الإسلامية الجديدة (1974)، قائلاً: "نحن حتى الآن مستقلون سياسياً، مستعمرون فكرياً"، وليس لدينا سوى الثقافة الغربية، وهي الثقافة التي تستعمرنا، فقد "أخرجنا مستعمرينا من أرضنا، وهي لا تزال تستعمر عقولنا" . يتجلى الإرث الاستعماري في العديد من المجالات في السودان، ولا يزال حاضراً وبقوة. كان عبد الرحمن عبد الله في كتابه، آنف الذكر، آثار الاستعمار وتمكنها من الحياة السودانية، فتحدث مشيراً لحديث بازل ديفيدسون (1910-2014)، الذي لمع اسمه منذ عام 1951 كمؤرخ بريطاني، وكان قد عمل إدارياً في المستعمرات البريطانية، ونشر العديد من الكتب عن أفريقيا. منها: Africa under new lights أفريقيا تحت أضواء جديدة (1958)، الذي عكف على ترجمته الدبلوماسي السوداني جمال محمد أحمد (1915-1986)، قال ديفيدسون: إنه في أغلب الحالات في المستعمرات "فإن التعليم كان من أجل تثبيت الأمر الواقع، والأمر الواقع الاستعماري على وجه التحديد" وأن نفوذ من احتلوا المواقع استمر "لأن المكاتب التي جلسوا عليها، هي نفسها المكاتب القديمة، وكذلك الملفات التي يعملون عليها، فقد تغيّر الحكام ولم تتغير مؤسسات الحكومة الكولونيالية". وتحدث محمد عمر بشير (1926-1993) في كتابه: تاريخ الحركة الوطنية في السودان (1900- 1969) عن مخلفات التعليم الاستعماري، قائلاً: "والتعليم الذي حظي به المتعلمون لم يستطع أن يطور ملكاتهم النقدية. إذ خَلَّفَ اتجاهاً عقلياً يبلغ في دركه الأسفل الحسد. وفي أحسن صوره إحساساً بالانحراف صوب السفسطة والرومانسية". وهذا ما عبَّر عنه جيمس روبرتسون، كما أورد عبد الرحمن عبد الله، حين كتب روبرتسون، قائلاً: "إن النظرة للسودانيين المتعلمين كانت ملأى بالشك، ولم يكن يسمح لهم بالتعبير عن أفكارهم، كما لم يهيئوا لمهام مستقبلية". وهذا ما أكده عثمان سيد أحمد إسماعيل البيلي (1930- 2011) عندما تحدث عن آثار التعليم الاستعماري وخطورة الجرعات المعرفية التي تشربها مثقفو الدول المستعمَرة، ولم يستثن بني جيله، حيث قال إنهم تشربوا معرفة "علمتهم الجدل ومنعتهم العمل". ولعل الشغف بالجدل وقلة العمل عند المثقفين السودانيين أمر واضح، ولا يزال حاضراً، وقد توارثته الأجيال منذ جيل طلائع المتعلمين الذي تعلم وتربى في مدارس الاستعمار.
    واليوم تشهد هذه المعرفة الاستعمارية، والإرث السياسي، أكبر عملية نقد عملي في لوحة ثورية مدهشة، تقدمها لجان المقاومة، وهي تقود أوسع عمليات التحرير والتغيير، وتبعث بالمواطن الجديد الأصيل. ويمكن تناول ذلك من خلال العديد من القيم الجديدة، والمفاهيم الجديدة، والروح الوطنية الجديدة، منها:

    *3- 1. حب الوطن عند لجان المقاومة يكتسب معناً وطعماً جديدين
    التضحية في سبيل الوطن تمنع الانتهازية في الممارسة السياسية*

    لقد تجلى النقد العملي للمعرفة الاستعمارية، والتجسيد للمعاني الجديدة في حب الوطن، في التضحية التي قدمها الشباب السوداني، نساءً ورجالاً، وفي مقدمتهم لجان المقاومة، خلال ثورة ديسمبر المجيدة. كان مستوى التضحية التي قدمها هؤلاء الشباب، من البنات والأولاد، أمراً مدهشاً وجديداً في تاريخ السودان منذ استقلاله. استعداد تام لمواجهة الموت، ليس رغبة في الموت، وإنما إيماناً بعدالة قضيتهم، وبأي سلاح؟ بسلاح السلمية، مع ثبات في سبيل المبادئ والأهداف الثورية، وهم يستقبلون الموت برباطة جأش متناهية. وهذا ما لم يتربى عليه القادة والسياسيين من طلائع المتعلمين ومن جاء بعدهم، كما وردت الإشارة. فخلو الإرث السياسي من التضحيات في سبيل مواجهة الاستعمار، وغياب التضحية في سجل القادة والسياسيين في سبيل الاستقلال، أوجد الانتهازية لدى قادة الحركة الوطنية، كما يرى محمود محمد طه. فغياب التضحية، عنده، يعني تفشي الانتهازية. فقد تحدث في ديسمبر 1968، قائلاً: "إن التضحية تمنع الانتهازية في الممارسة السياسية". بينما نشهد اليوم تضحية نادرة المثيل لدى لجان المقاومة. وبهذا المستوى من النبل والصدق في التضحية من أجل الوطن، فإننا أمام معنى جديد، وقيم جديدة، وروح وطنية جديدة، ساهمت وبقوة وبجلاء في التحرر من المعرفة الاستعمارية، ولا شك في أنها ستشكل ملامح مستقبل السودان في أفق جديدة.

    3- 2. من صفوية المزاج وعوف البيئات المحلية إلى الشراكة والالتصاق بالواقع

    تفصل بين النخبة السودانية وواقع شعوبها، فواصل وحواجز سميكة وكثيفة، يسهل تتبع مظاهرها وجرد مآلاتها وآثارها. كانت النخبة السودانية، ولا تزال، ذات مزاج صفوي نتيجة للمعرفة الاستعمارية، ومترفعة عن الواقع السوداني. لقد أشار الدكتور محمد سعيد القدال (1935-2008) إلى المزاج الصفوي لدى النخبة، وإلى عملها الفوقي. وتناول أثرهما في نشأة الحركة الوطنية السودانية في بواكير القرن العشرين، وإلى دورهما في علاقة المثقفين بالجماهير وحركة المجتمع. وقد تحدث عنها في أربع كتب من كتبه، هي: الانتماء والاغتراب، دراسات ومقالات في تاريخ السودان الحديث (1992)؛ والإسلام والسياسة في السودان (1651م-1985)، (1992)؛ ومعالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، (1999)؛ وتاريخ السودان الحديث 1820-1955، (2002). كما تحدث البروفسير محمد إبراهيم أبو سليم (1927-2004) في دراسته عن محمد أحمد المحجوب والتي ضمنها كتابه: أدباء وعلماء ومؤرخون في تاريخ السودان، (1991)، عن ضعف دور وأثر المتعلمين في المجتمع، وعن العوامل التي أدت لذلك الضعف. وقال واصفاً المحجوب: "كان مترفعاً على الناس لاحساسه القوي بتفوقه ومقدراته ومكانته، ولأنه لا يؤمن إلا بالخاصة، وهم المثقفون عموماً والعلماء خاصة...". أيضاً، وسم الدكتور عبد الله علي إبراهيم إحدى مقالاته بوسمٍ تضمن وصفاً لعلاقة النخبة بالواقع، حيث كان: "صفوتنا: ضيوف ثقلاء على الواقع" (12 فبراير 2010). وقال ضمن حوار تلفزيوني بقناة النيل الأزرق الفضائية: هناك الكثير من الشواهد التي تُبين أن هناك فجوة كبيرة بين الصفوة وبين مزاج غمار الناس (13 أبريل 2010). وقال الدكتور منصور خالد (1931- 2020) في شأن النخبة السودانية الكثير والكثير.
    نلتقي مع الحلقة الرابعة.
    ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين وهي متوفر فيديو على هذا الرابط:
    https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLkhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk
    4
                  

07-25-2022, 06:19 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    Quote: نحو قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة:
    لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل
    (البحث عن النسب الفكري والسياسي) - (4- 7)

    بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
    خبير سياسي وباحث أكاديمي
    [email protected]
    صحيفة التيار، الأربعاء 20 يوليو 2022
    تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياس ية السودانية. وتزعم الورقة بأن هذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأنه الطود الأشم والعيلم المسجور".

    3. تجليات استكمال الاستقلال والنقد العملي للإرث الاستعماري

    وقفنا في الحلقة الماضية، وهي الثالثة، على طرف من تجليات استكمال الاستقلال والنقد العملي للإرث الاستعماري الذي ظلت تقدمه لجان المقاومة، وقلنا إن السودان ومنذ استقلاله وحتى اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، لم يشهد عملاً جماعياً في سبيل نقد الإرث الاستعماري واستكمال الاستقلال، مثلما كان عمل لجان المقاومة. لقد كان عمل لجان المقاومة في كل مراحله وبمختلف وسائله وشعاراته، بمثابة نقد عملي للإرث الاستعماري، ونقد عملي كذلك لمسار السودان السياسي. وجددنا القول بأن لجان المقاومة ليست هيئة أو جسم يسعى لإسقاط النظام السياسي، وإنما هي تعبير وتوق لبعث السودان بتاريخه التليد ومبادراته الحضارية الضخمة، في أفق جديد. ويتجلى ذلك في لجان المقاومة باعتبارها حالة يقظة تعيشها شعوب السودان، وحالة تحرر من المعرفة الاستعمارية، وتجاوز لمبادئ الأحزاب السودانية ورؤاها المنحازة والركيكة، وهي أيضاً في حالة تبرأ من الإرث السياسي للدولة السودانية. وقفنا عند القيم الجديدة والروح الوطنية الجديدة، منها التضحية في سبيل الوطن، باعتبارها فعل يمنع الانتهازية في الممارسة السياسية، وتناولنا طرفاً من محور جاء بعنوان: من صفوية المزاج وعوف البيئات المحلية، الموروث، إلى الشراكة والالتصاق بالواقع ففعل جماعي للجان المقاومة. واليوم إلى الحلقة الرابعة.

    أشار البروفسير محمد عمر بشير (1926-1993) في كتابه: تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900-1969، إلى ملاحظة أحد الدارسين الغربيين؛ إذ لاحظ أن المتعلمين السودانيين أتوا إلى مؤسسات التعليم الحديث من مجتمعات بسيطة، ومن بيئات فقيرة وقاحلة، وبعد نيلهم للتعليم الحديث، أصبحوا بعيدين عن مجتمعاتهم، محتقرين لبيئاتهم التي أتوا منها. وقد وصف البروفيسور عبد السلام نورالدين المتعلمين بأنهم كانوا يعافون بيئاتهم التي جاءوا منها. وأيضاً تحدث الشاعر الكبير محمد المهدي المجذوب (1918-1982)، في مقدمة ديوانه: الشرافة والهجرة، (1982)، عن مدى احتفاء الناس بالأفندي واكرامهم له، وكيف كان يقابل الأفندي هذا الاحتفاء والاكرام قائلاً: "وكان لقب الأفندي شيئاً عظيماً، يمر صاحب اللقب فيقف له الناس ويتصايحون: فلان أفندي! مرحبْ.. حبَابَك.. اتْفَضّل، ولا يتفضل الأفندي، فهو ذاهب إلى نادي الموظفين يتذوق مثله العليا.. الطمع الثقافي.. الترقية والكيد وخدمة الطائفية والأنس بالحاكم، وثبت لي أن الفتى المهاجر لم يكن ذا ولاء لزيه الأفرنجي، وعرفتُ في وقت مبكر أنه كان يتنكر ويمر بجواز غير دقيق التزييف".
    الشاهد، أن تعالي النخبة عن الواقع، وصفوية مزاجها، واقع ماثل ومسلك ظاهر. أدى التعالي عن الواقع والمزاج الصفوي لدى النخبة، إلى هامشية علاقتها بالواقع، وتجلى ذلك بوضوح في ضعف المساهمات والمعالجات لقضايا السودان ومشكلاته، وقلة الرسوم للمخارج النيرة لأزماته. أيضاً، جردت هامشية العلاقة، الواقع من فرص الاتصال بالقوة الإبداعية القادرة على وضع السيناريوهات للبدائل والخيارات عبر الكشف الحقيقي لأسباب القضايا ومركباتها. فانتهى الاتصال بالواقع إلى سطحية الفهم وضعف التحليل وتبسيط الأمور وردود الأفعال في المواقف والمسارات. أرجع الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد (1942- 2004) سطحية معالجة القضايا، وتبسيط الأمور، والضعف في الكشف الحقيقي عن أبعادها، إلى هامشية علاقة المثقفين بالواقع. وكتب في قراءته لمسار الحركة السياسية السودانية ضمن كتابه: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل، (جدلية التركيب)، مج 1، (1996)، قائلاً: "بقيت الحركة السياسية السودانية –ضمن كتاباتها- خارج هذا التراث الضخم (تراث السودان الحضاري)، فافتقرت بالتالي إلى معاناة الأصول المعرفية في تركيب الواقع السوداني، تاريخياً وحضارياً واجتماعياً وفكرياً. بقيت على السطح وفي حدود المقالة السياسية الظرفية. أي تبسيط الأمور كما هي بساطة السوداني الريفي ودون نفاذ إلى عناصر تكوين السودان في حقائقها وتفاعلاتها".
    اليوم ومع حراك ثورة ديسمبر المجيدة الذي تقوده لجان المقاومة، وعلى مدى أربع سنوات، نشهد النقد العملي لصفوية المزاج هذه، ونعايش لحظات التحرر والانتقال من وضعية صفوية المزاج وعوف البيئات المحلية إلى الشراكة والالتصاق بالواقع. وهنا علينا، أن ندرك بأننا أمام واقع جديد كلية.

    3-3. من الانقسامات والثنائية الموروثة والثأرات السياسية إلى البناء الجماعي للوطن

    رُزئت النخبة السودانية بالعديد من العلل، فإلى جانب المزاج الصفوي، كان الصراع العنيف والعقيم فيما بينها منذ ظهور طلائع المتعلمين في الشارع السوداني وحتى اليوم. خسر السودان كثيراً من هذا الصراع العميق، وأكبر الخسائر وأكثرها فداحة هو غياب ثقافة البناء الجماعي للوطن. وكان الدكتور فرانسيس دينق قد أشار في كتاباته إلى غياب البناء الجماعي للوطن. كتب محمود محمد طه ضمن بيان أصدره عام 1958، وقدم فيه استقراء لطابع الحركة الوطنية، فتناول الانقسامات وآثارها، قائلاً: "كانت الحركة الوطنية بين هؤلاء (دعاة التحالف مع بريطانيا) وهؤلاء (دعاة الاتحاد مع مصر) لا تجد فرصة للدرس والتفكير والنضوج، بل لا تجد فرصة حتى لإشاعة روح الزمالة والثقة المتبادلة والشعور بوحدة المصير".
    لقد اتسم تفاعل النخبة مع الواقع وتعاطيها مع مشكلاته، وسُبل تغييره بالصراع العنيف والعقيم فيما بينها. فالنخبة بحكم التعليم، والمعرفة وعمق بعضها، معنية بالإنتاج المعرفي، والمساهمة في مجمل الحركة الاجتماعية، وإحداث التغيير في المجتمع وتحديد مساراته. كان دور النخبة منذ طلائع المتعلمين، قياساً لقضايا السودان ومشكلاته، ضعيفاً. فالتغيير - وهو مطلب القوى الحديثة - الهادف إلى تحقيق التعايش والاستقرار والسلام والتنمية في السودان، لم يتحقق. كانت طبيعة العلاقة بين النخبة، وطبيعة تعاطيها مع مدارسها الفكرية والمعرفية التي ترسمتها في التفاعل مع الواقع، قد اعاقتا قيام النخبة بدورها المنوط بها. لقد شاب العلاقة بين أفراد النخبة، وتنظيماتهم المدنية والحزبية، شوائب كثيرة متداخلة ومركبة، منذ ظهورها مع بداية التعليم الحديث في بداية القرن العشرين. فالجفوة الباكرة والمستمرة فيما بينها، والتنافس المحموم، والدسائس والمؤامرات، وعدم الاعتراف بحقوق الآخرين، وحسد بعضها البعض، والصراع العنيف، كانت من أبرز مظاهر تلك العلاقة. أشار البروفسير محمد عمر بشير (1926-1993) في كتابه: تاريخ الحركة الوطنية في السودان 1900م-1969م، إلى نشأة المشاجرات والنزاعات والخصومات بين طلائع المتعلمين. وأشار إلى اتجاه الحسد كأحد مخلفات نوع التعليم وضعف الملكات النقدية، قائلاً: "والتعليم الذي حظي به المتعلمون لم يستطع أن يطور ملكاتهم النقدية. إذ خَلَّفَ اتجاهاً عقلياً يبلغ في دركه الأسفل الحسد. وفي أحسن صوره إحساساً بالانحراف صوب السفسطة والرومانسية". كان التنافس المحموم قد صاحب مرحلة البدايات، بداية علاقة النخبة بالقوى التقليدية المؤثرة في المجتمع، وبداية مساهمات النخبة في الواقع السوداني.
    أرجع البروفسير محمد إبراهيم أبوسليم في كتابه آنف الذكر، إخفاق طلائع المتعلمين في قيادة السودان المستقل إلى: "ضعف أجهزته السياسية، وطغيان الطائفية، والتدخلات الخارجية، وفقدان الاتجاه، وأصبح العمل السياسي محصلة للشللية والطموحات الشخصية وعراك القوى والمناورات". أسس التنافس المحموم الذي تجلى بوضوح في مرحلة تكوين الأحزاب السودانية، إلى الصراع العنيف، وثقافة الثأرات في الممارسة السياسية السودانية. كتب الروائي الطيب صالح في كتابه: مختارات (7)، وطني السودان، قائلاً: "البغضاء وسوء الظن، هو الإرث الذي آل إلى السودانيين في الشمال والجنوب، من الماضي البعيد والقريب، فوقرت في قلوبهم أشياء، بعضها حق وبعضها باطل... الجنوبيون أيديهم ملطخة بدماء الشماليين، وأيضاً بدماء الجنوبيين، والشماليون أيديهم ملطخة بدماء الشماليين كما هي ملطخة بدماء الجنوبيين. كلهم قاتل مقتول. والأمة التي تمعن في جنون كهذا، ولا تدرك أنه جنون، أمة لا تستحق البقاء... كان حرياً بالسودانيين أن يدركوا ذلك من زمن، لما يظنونه في أنفسهم من فضايل الحكمة والعقل والتحضر...".
    حكى الصحفي يحيي محمد عبد القادر (1914- 2011) صاحب صحيفة أنباء السودان (1953-1969)، ومؤسس صحيفة المستقبل الأسبوعية، وصحيفة السوداني اليومية خلال الفترة (1949- 1952)، حكى في مذكراته: على هامش الأحداث في السودان، عن المؤامرات التي كان يحيكها المثقفون ضد بعضهم البعض. وكيف أنهم كانوا يصفون حساباتهم بالضرب، وأحياناً بتأجير آخرين "رباطة" لضرب من يختلفون معه، وذكر العديد من أسماء المثقفين الذين تم ضربهم، ولم يستثن نفسه. فقد ذكر بأنه أفلح في الإفلات مرتين من الضرب، عندما أطلق رجليه للريح، وفي مرة أخرى أنقذه عبد الله عبد الرحمن نقد الله في بداية الأربعينات من القرن الماضي. تعود علاقة يحيي بنقد الله، إلى أيام عمله في جريدة النيل، حيث تعمقت العلاقة بعد أن عُين نقد الله مساعداً لرئيس التحرير في بداية أربعينات القرن الماضي.
    وزاد عنف الصراع وحدته، مجئ النظريات العالمية والإقليمية (الشيوعية، والإخوان المسلمون، والبعثيون، والناصريون... إلخ) إلى السودان. لقد وجدت النظريات ذلك الإرث من الصراع السياسي، كما وجدت ترحيب النخبة بها، مع حماسها الوافر، والاطمئنان الكامل لأطروحاتها. كانت الانقسامات والثنائية حاضرة في السياسية السودانية، بدأت بين الختمية والأنصار، وتحولت إلى يسار ويمين وتطهير وتمكين، وهكذا. تبع ذلك تفشي الثأرات السياسية في الممارسة السياسية السودانية..
    نلتقي مع الحلقة الخامسة.
    ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين وهي متوفر فيديو على هذا الرابط:
    https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk[/QUOTEhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk[/QUOTE]
                      

07-25-2022, 06:25 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    Quote: نحو قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة:
    لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل
    (البحث عن النسب الفكري والسياسي)
    (5-7)
    بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
    خبير سياسي وباحث أكاديمي
    [email protected]

    تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياسة السودانية. وتزعم الورقة بأن هذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأنه الطود الأشم والعيلم المسجور".
    تناولنا في الحلقة الماضية، وهي الرابعة من هذه السلسلة، دور لجان المقاومة في استكمال الاستقلال من خلال النقد العملي للإرث الاستعماري في العقول والبنى الذهنية، وعبر النضال الجماعي في سبيل تحرير السودان بقيم البناء الجماعي للوطن، فتعرضنا إلى تجليات المعرفة الاستعمارية في الإرث السياسي، فوقفنا عند صفوية المزاج، وكذلك الانقسامات والثنائية الموروثة والثأرات السياسية. واليوم نستكمل.
    أشار البروفيسور أحمد أبوشوك في عرضه وتحليله لكتاب الدكتورة عفاف عبد الماجد أبو حسبو، الموسوم بـ: النزاعات الانقسامية في الحركة الوطنية السُّودانية، 1918-1948م، وهو كتاب مهم، إلى تلك الثنائية مشيراً إلى آثارها الخطيرة والسيئة في الإرث السياسي. وفي تقديري أن إشارة أبوشوك كانت مهمة وضرورية للكشف عن أهمية الكتاب، من جهة، ولتسليط الضوء على موضوع الثنائية، من جهة أخرى. كذلك ذكر أبو شوك بأن الدكتور التجاني عبد القادر وصف تلك الثنائية بـ "الثنائية المدمرة". وقال أبو شوك: حسب المؤلفة إن الثنائية التي تجلت في صراع الشوقية - الفيلية (الشوقية نسبة إلى محمد علي شوقي، المؤيد للاستقلال والمدعوم من طائفة الأنصار، بينما ترجع نسبة الفيلية إلى السيد أحمد الفيل، الموالي لمصر والمدعوم من طائفة الختمية)، قد أُعيد تشكيلها في إطار النزاع الختمي- الأنصاري من طرفٍ، والصراع البريطاني-المصري من طرفٍ آخر. وأضاف أبوشوك بأن المؤلفة نظرت بعد ذلك بعين فاحصة لتطور هذه النزاعات الانقسامية أثناء إضراب طلبة كلية غردون التذكارية عام 1931م، وداخل أروقة نادي الخريجين، وفي استجابات الخريجين الموجبة والسالبة لتأسيس المجلس الاستشاري لشمال السُّودان عام 1944، والجمعية التشريعية عام 1948، وكيف انتقلت هذه الثنائية إلى شعارات الأحزاب وأجندتها السياسية. ولا جدال في أن هذا الوضع برمته قد أفرز رؤيةً وطنيةً ضامرةً في مواجهة التحدي الاستعماري، الأمر، كما بيَّن أبوشوك، الذي دفع عفاف أبوحسبو إلى القول في خاتمة دراستها: "ربما كان المرء يتوقع أن تنشأ الانقسامية بعد نيل الاستقلال، عندما يكون حدوث الانقسام شيئاً مرجحاً خلال عملية اتخاذ القرار حول الأولويات؛ لكن ليس قبل ذلك عندما يتوجب أن تكون المنصَّة الشاملة لنيل الاستقلال عاملاً موحداً". ولهذا، فإن المؤلفة، كما ذكر أبوشوك، ترفض "القول بأن السياسة الحزبية كانت إرثاً استعمارياً دون تسليط الضوء على عناصر النزاع الانقسامي التي كانت سلفاً مجسدة" في التركيبة البنيوية للدولة والمجتمع في السُّودان. والدليل على أن النزاعات الانقسامية اللاحقة التي أدت إلى انفصال جنوب السُّودان عام 2011م، والتشظي الذي أصاب الأحزاب السياسية التي تجاوز عددها ثلاثة وثمانين حزباً، فضلاً عن غياب الرؤية الاستراتيجية لحل مشكلات السُّودان الآنية. ولذلك أطلق التيجاني عبد القادر حامد على الثنائيات الماثلة الآن في الساحة السياسية، وتحديداً صراع اليسار (الشيوعيين) واليمين (الإخوان المسلمين)، صفة/ وسم الثنائيات المدمرة.
    لا جدال في أن الثنائية ظلت ماثلة في تاريخ وواقع السودان السياسي. وتعود أسبابها وجذورها، في تقديري، إلى المعرفة الاستعمارية والسياسات الاستعمارية، فهي إرث استعماري بامتياز، لم يجد الاهتمام والعمل من أجل التحرر منه، واليوم يخضع هذا الإرث الاستعماري للنقد العملي من خلال الأداء الثوري للجان المقاومة. وما يؤكد أن ثقافة الثنائية ترجع إلى المعرفة الاستعمارية، وهي سياسة غرسها الاستعمار، الكثير من الشواهد والبراهين التي نجدها في إرث السودان السياسي، وفي مذكرات قادة الحقبة الاستعمارية، ومذكرات القادة السودانيين. ومن أنصع البراهين، على سبيل المثال، لا الحصر، ذلك الاعتراف الذي قدمه جيمس روبرتسون (1899- 1989)، آخر سكرتير إداري في السودان، وكان قد بدأ عمله في السودان عام 1922، ثم عمل في العام 1944 في وظيفة السكرتير الإداري حتى مغادرته السودان عام 1953 ليكون حاكماً عاماً في نيجيريا. قال روبرتسون في مذكراته، التي أعدها الأكاديمي البريطاني بيتر ودوارد وقد جاءت بعنوان: التحول في إفريقيا: من الحكم المباشر إلى الاستقلال، ثم استل منها الأستاذ مصطفى عابدين الخانجي الجزء المتعلق بالسودان وترجمه ونشره عام 1996 تحت عنوان: السودان من الحكم البريطاني المباشر إلى فجر الاستقلال، قال روبرتسون إنهم كحكام: "... شجعوا على التنافس المحموم بين الطائفتين الدينيتين وزعيميهما، وهي سياسة يعترف بآثارها ال سلبية على السياسة السودانية". وقد أشار إلى أن آثار سياسة التنافس التي غرسوها بين الطائفتين ظلت باقية في الممارسة السياسية حتى تاريخ اليوم، وكان يتحدث في العام 1989. وقد أشار إلى اعتراف روبرتسون هذا، أيضاً عبد الرحمن عبد الله، في كتابه: السودان: الوحدة أم التمزق، (2002). إن حديث روبرتسون هذا، مقرونا بالطبع مع معطيات أخرى، يعين على تفسير الثنائية التي اتسمت بها السياسية السودانية. غير أن هذه السياسة، سياسة الثنائية، التي غرسها الاستعمار تجد اليوم نقدها العملي من لجان المقاومة، وعلى مدى أربع سنوات، وهي تقود ثورة ديسمبر المجيدة. ولأول مرة، في تقديري، يشهد السودا ن العمل النضالي الجماعي من أجل الوطن، ولا ريب عندي في أنه سيتحول إلى عمل في البناء الجماعي للوطن.
    إن ما تقوم به لجان المقاومة من خلال العمل الجماعي اليوم يمثل نقداً عملياً لإرث الثنائية في الممارسة السياسية، وتجاوزاً للثأرات السياسية. كما أن العمل الجماعي من أجل الوطن يحرر السوح والعقول من الرؤى المنحازة، والتي كانت واحدة من أهم أسباب فشل السياسة السودانية. إن أسباب الفشل لا تعود "لعدم القدرة على تتبع الأسباب، وإنما ترجع إلى التشبث برؤية منحازة بوعي وبدون وعي". ولا سبيل للتحرير من الرؤى المنحازة، إلا عبر ثقافة البناء الجماعي للوطن، والوعي بوحدة المصير المشترك. وعلينا أن ندرك بأن هذا ما ظلت تقدمه لجان المقاومة بصورة عملية ويومية، وهي تعبر عن حالة وعي شامل تعيشها شعوب السودان، وليست هي جسم أو لافتة تغري للتفاوض والمساومات والمحاصصة. نحن أمام واقع جديد، وعلينا التأمل فيه والعمل على استيعاب هذا الواقع الجديد.

    3-4. النقد العملي لسير السودان في وجهة العروبية

    كان من بين تجليات استكمال الاستقلال، والنقد العملي للمسار السياسي والإرث الاستعماري، الذي قدمته لجان المقاومة، هو تحرير شعارات الثورة من الانتماءات الإقليمية، لا سيما الانتماء العروبي
    غني عن القول بأن فهم واقع السودان ومعطيات راهنه، وتشخيص حالة الفشل المستمرة للدولة السودانية منذ الاستقلال عام 1956، وما خلفته تلك الحالة من أوضاع تهميش وإقصاء وقمع وكبت لبعض الثقافات والجماعات والمجموعات، يتطلب دراسة مرحلة تأسيس الدولة الوطنية في السودان خلال فترة الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي. ولعل من بين أهم معطيات تلك المرحلة التأسيسية التي تحتاج للدراسة هي فكر ورؤية القادة والمثقفين ومواقفهم من هوية السودان "يبدأ فساد السمك من رأسه". ومن الملاحظ أن معظم السياسيين والقادة الذين حكموا السودان تحمسوا لعروبة السودان، وظلوا ينشطون داخلياً وخارجياً من أجل التأكيد والتسويق لعروبته، دون اعتبار للمكونات غير العربية. نتج عن ذلك النشاط، إلى جانب عوامل أخرى، الانحياز للمكون العروبي، سواء في رسم السياسات أو وضع التشريعات، ومن ثم تكييف الرأى العام والمسار السياسي للسودان في الوجهة العروبية، الأمر الذي أدى لتهميش الشعوب والثقافات الأصيلة في السودان. تبع ذلك أن ظل السودان يسير في وجهة تناقض إرثه الحضاري، وتصادم آركيو ليوجيته الثقافية، وتناطح تركيبة شعوبه الوجدانية. فأفضى ذلك المسار، إلى جانب عوامل أخرى بالطبع، لانفصال جنوب السودان 2011، وتفجير الانتماءات الإثنية والجهوية، واشتعال الحروب، وتفشي مناخ التشظي في سمائه. وللتدليل على ما ذهبنا إليه، يمكن تقديم ثلاثة نماذج من القادة والسياسيين، على سبيل المثال، لا الحصر، وهم: الشيخ علي عبدالرحمن الأمين (1906- 1983)، الذي كان رئيساً لحزب الشعب الديمقراطي، وعمل نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً، وخضر حمد (1910- 1970)، الذي عمل عضواً بمجلس السيادة، وقبل ذلك وزيراً، وبابكر كرار (1930-1981)، الأمين العام للحزب الاشتراكي الإسلامي.
    هذه النماذج تعبر بجلاء عن طبيعة نشاط قطاع كبير من القادة والساسة المتحمسين لعروبة السودان ولفكرة القومية العربية، والساعين لإلحاق السودان بركبها. أوضح الشيخ علي عبد الرحمن بأن السودان في مذكراته: الديمقراطية والاشتراكية في السودان، (1970)، بأن الاتجاه العروبي قد سيطر على كل نشاطاته وتصرفاته في الحركة الوطنية منذ قيام مؤتمر الخريجين. وأنه ظل يعمل على ترسيخ الاتجاه العروبي للسودان، فقد كتب في مذكراته، قائلاً: "عمدنا أنا وكثير من زملائي على تجسيد هذين المبدأين: الاتجاه العربي المتحرر والنظام الاشتراكي". وقد بيَّن في مذكراته رؤيته تجاه عروبة السودان، قائلاً: "السودان يدخل كله في نطاق القومية العربية على اختلاف عناصرهم وعلى اختلاف أديانهم"، وحسم مسألة هوية السودان، قائلاً: "السودان يدخل كله في نطاق القومية العربية سواء في ذلك النوبة والبجة والفور والعرب والحاميون والزنوج وسواء في ذلك المسلمون والمسيحيون والوثنيون". بل ذهب الشيخ على عبد الرحمن إلى أبعد من ذلك، فقد أعلن، قائلاً: السودان جزء لا يتجزأ من العالم العربي.. وكل من يحيد عن وجهة النظر هذه عليه أن يغادر البلد". يحمل هذا الإعلان تعبير فصيح عن الاستعلاء، وإصرار بلا حق على الإقصاء والتهميش، إلى جانب الهضم لحقوق أصحاب الحق والرفض لمبدأ الشراكة معهم في الوطن.
    نلتقي مع الحلقة السادسة.
    ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين وهي متوفر فيديو على هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk[/QUOTEhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk[/QUOTE]
                      

07-25-2022, 06:28 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    Quote: قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة:
    لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل (البحث عن النسب الفكري والسياسي)- (6-7)

    بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
    خبير سياسي وباحث أكاديمي
    [email protected]
    صحيفة التيار، السبت 22 يوليو 2022

    تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياسة السودانية. وتزعم الورقة بأن ه ذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأنه الطود الأشم والعيلم المسجور".
    ذكرنا في الحلقة الماضية، وهي السادسة من هذه السلسلة، ونحن نتناول دور لجان المقاومة في النقد العملي لسير السودان في وجهة العروبية، بأن أغلب القادة والحكام تحمسوا إلى عروبة السودان. وقدمنا ثلاثة نماذج، على سبيل المثال، لا الحصر، وهم: الشيخ علي عبدالرحمن الأمين، وخضر حمد، وبابكر كرار. ووقفنا عند الشيخ علي عبد الرحمن الذي يرى بأن: "السودان يدخل كله في نطاق القومية العربية سواء في ذلك النوبة والبجة والفور والعرب والحاميون والزنوج وسواء في ذلك المسلمون والمسيحيون والوثنيون". بل ذهب إلى أبعد من ذلك، فقد أعلن، قائلاً: "السودان جزء لا يتجزأ من العالم العربي.. وكل من يحيد عن وجهة النظر هذه عليه أن يغادر البلد". واليوم نستكمل.
    كذلك ظل خضر حمد متشبثاً بالتوجه العروبي وداعياً للقومية العربية التي امتلكت تفكيره كما أوضح ذلك في مذكراته: الحركة الوطنية السودانية: الاستقلال وما بعده (1980). فقد كتب، قائلاً: "إن فكرة القومية العربية وتعزيزها، والوحدة العربية والدعوة لها كانت تملك تفكيري". كما تحدث عن جهوده من أجل عروبة السودان، التي تمثلت في كتابة المقالات في الدوريات العربية، والمراسلات مع المسؤولين العرب، إلى جانب الزيارات التي قام بها للبلدان العربية، خلال الأربعينات من القرن الماضي، مبشراً بعروبة السودان، وداعياً العرب لدعم عروبة السودان، وعضوية السودان في جامعة الدول العربية. ويعلل السيد خضر الدوافع التي وجهتهم في وجهة الاتجاه العروبي للسودان، قائلاً: "لعل وجودنا في إفريقيا وشعورنا بأننا لا صلة تربطنا بالعرب والعروبة جعلتنا نسعى لربط أواصرنا بأواصر العرب ونحاول أن نقول لكل عربي (نحن هنا) عرب مثلكم تراثنا تراثكم وتاريخنا تاريخكم". ويذهب خضر حمد في تأكيده على عروبة السودان، إلى القول بأن العبرة في عروبته، ليست "بالوضع الجغرافي ولكنها بالتاريخ والتراث والدم". أيضاً كان بابكر كرار من المؤمنين بعروبة السودان وبالقومية العربية وبالثورة العربية الشاملة. تكشف عن ذلك كتبه، ومنها: حسم عروبة السودان (1975)، والأرضية التي تتحرك منها الثورة العربية، أو ما جاء في مقالاته الصحفية، منها، على سبيل المثال، لا الحصر: "القومية العربية.. ظهيرة الإسلام". وقد ظل بابكر كرار داعياً للقومية العربية وناقداً لطرح شعار "الانتماء الأفريقي" في السودان. وهو يرى بأنه لابد من حسم موقف السودان من القومية العربية المتحررة، والعمل على دعم استقلال السودان الوطني بتحقيق القومية العربية الواحدة المتحررة. (للمزيد أنظر: عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان، 2021).
    بالطبع هناك بعض القادة والمفكرين والسياسيين، الذين عبروا عن رفضهم لهذا التوجه، ومن أبرز هؤلاء وأولهم الأستاذ محمود محمد طه، الذي واجه الدعوة للانتماء لجامعة الدول العربية منذ العام 1946. فقد أصدر الحزب الجمهوري، الذي ترأسه، بياناً عام 1946 مناهضاً للعضوية في الجامعة العربية، وداعياً للوعي بالذاتية السودانية، قال فيه: "نحن سودانيون، والتفكير في أننا سودانيون يجب أن يسبق أي شيء آخر". وما أن انضم السودان لجامعة الدول العربية، إلا ودعا لانسحاب السودان فوراً منها. فقد كتب في بيان أصدره في أغسطس 1948، قائلاً: "الانسحاب فوراً من الجامعة العربية وذلك لسببين أولهما أننا أمة أفريقية وثانيهما أن الجامعة العربية أصبحت تابعة لوزارة الخارجية المصرية ولم تعد تمثل دولاً مستقلة". وهي العبارة التي كانت ضمن شعارات ثوار ثورة ديسمبر المجيدة، وكانت العبارة، كما حدثني الأستاذ مأمون التلب، مكتوبة في ساحة الاعتصام أمام قيادة القوات المسلحة. وجدد الأستاذ محمود محمد طه الدعوة في أكتوبر من نفس العام، كتب، قائلاً: رأي الحزب الجمهوري فيما يتعلق بعضوية السودان في الجامعة العربية واضح ومعروف ويتلخص في أنها مؤسسة اقليمية ضيقة لا تقوم على مذهبية فكرية تجعلها أداة خلاقة تخدم مصالح أعضائها وتسير في الوقت ذاته في اتجاه سليم يخدم قضية الإنسانية في السلام العالمي. إنما هي عنصرية ضيقة هذا وتسيطر عليها دولة واحدة تسيرها وفق أهوائها وتطوعها لخدمة أغراضها. ونحن كشعب أفريقي فتى له مكانته في القارة الأفريقية، ممكن أن نخدم أنفسنا ونخدم الشعوب المجاورة بل ويمكن أن نقدم خدمات أكبر لقضايا الأحرار وقضية السلام العالمي بأوسع وأيسر مما يمكن أن نفعل ونحن داخل إطار جامعة الدول العربية.
    كما دعا الأستاذ محمود محمد في العام 1964 إلى حسن إدارة التنوع الثقافي، والعمل على المحافظة عليه من أجل حيوية الأمة السودانية، فقد كتب وهو يتحدث عن مشكلة الجنوب، ومشكلة الشمال، قائلاً: "وكون السودان قطراً شاسعاً وفيه من اختلاف اللهجات والعنصريات والعادات ما فيه إنما هو من دواعي التفاؤل بمستقبل هذا البلد وليس من دواعي اليأس أو التخوف- هو من دواعي التفاؤل لأن خصائص كل عنصرية من هذه العنصريات إذا نمت وهذبت وتفتقت طاقاتها الأصلية فستزيد من حيوية الأمة السودانية في مجموعها وتخصب شخصيتها وتزيد من وزنها وزناً ومن قيمتها قيمة". وخلص في العام 1969، قائلاً: "السودان بلد أفريقي.. بل الحقيقة عمله كبلد أفريقي أعظم من عمله كبلد عربي". (للمزيد أنظر: عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان، دار باركود للنشر، الخرطوم، 2021).
    عبَّر ثوار ثورة ديسمبر المجيدة عن النقد العملي للتوجه العروبي من خلال سودنة الشعارات، وفي ذلك توق لسودنة المرتكز الحضاري للسودان. وهو ما عبر عنه القائد الدكتور جون قرنق، قائلاً: الإسلام لا يوحدنا، والمسيحية لا توحدنا، والعروبة لا توحدنا، والأفريقية لا توحدنا، ولكن السودان هو الذي يوحدنا، والسودانوية هي التي توحدنا. وهو ما عبَّر عنه الأستاذ محمود محمد طه، كما ورد آنفاً: "نحن سودانيون، والتفكير في أننا سودانيون يجب أن يسبق أي شيء آخر". حملت شعارات الثورة بعثاً للذاتية السودانية، ويمكن تقديم نماذج منها، من خلال المحور أدناه.

    1. سودنة المرتكز الحضاري والمسار السياسي السودان

    عبَّرت ثورة ديسمبر المجيدة، من خلال شعاراتها، عن أشواق السودنة لمختلف مناحي الحياة. وعلى الرغم من أن الثورة السودانية اندلعت في وقت شهدت فيه بعض دول المحيط العربي، مثل مصر، وسوريا، وليبيا، واليمن، ثورات شعبية، وتبادل فيما بينها للشعارات، إلا أن شعارات الثورة السودانية وأهازيجها كانت سودانية في مفرداتها وفي أشواقها. من تلك الشعارات، على سبيل المثال، لا الحصر "حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب"، و "الطلقة ما بتكتل بكتل سكات الزول"، و"البمبان بخور تيمان". كذلك كانت الشعارات ذات طبيعة ابداعية يتم إنتاجها من خلال الحراك اليومي. أحياناً تكون رداً فورياً على أحاديث قادة النظام. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، تحدث الرئيس السابق عمر البشير في إحدى كلماته أيام الثورة عما تعرض له من كسر لإحدى أسنانه، فما لبث أن فرغ من حديثه حتى كان الشعار في الميدان "تكسر سنك تكسر ضهرك ما عايزنك ما عايزنك". وظهر شعار آخر يتكىء على كسر السن، وهو يعبر عن نبذ العنصرية والرفض للحرب وللممارسات غير الأخلاقية التي ظل يمارسها النظام في جبال النوبة، يقول الشعار "تكسر سنة تقلب هوبة كل الشعب جبال النوبة". كذلك عبرت الشعارات عن اتحاد أشواق الثوار في المدن والقرى مع أشواق ثوار الهامش والثورات المسلحة، فعلى سبيل المثال، لا الحصر: "يا عنصري ومغرور كل البلد دارفور". وحملت الشعارات أشواقاً إلى وحدة السودان بين الشمال والجنوب، والتعبير عن مسؤولية انفصال جنوب السودان، من تلك الشعارات "يا عنصري وسفاح وين الجنوب وين راح".
    هذه الشعارات السودانية الإنسانية، وهذا التوق للحرية والوحدة والسلام والديمقراطية ونبذ العنصرية، والسعي العملي والصادق ليس لقبول الآخر، وإنما الخروج من الذات لملاقاة الآخر، كما شهدنا ذلك في ساحات الاعتصام والحراك، تقودنا إلى التفكير الصحيح الذي يسوقنا إلى التفسير السليم، وهو أن لجان المقاومة، ليست تنظيم أو جسم سياسي أو لافتة، وإنما هي تعبير عن لحظة ميلاد المواطن الجديد الأصيل، نواة سودان المستقبل.

    2. ملامح المواطن الجديد الأصيل الذي هو نواة سودان المستقبل (المواطن هو الأصل)

    أمام ما تقوم به لجان المقاومة قادة ثورة ديسمبر المجيدة، من تضحية في سبيل الوطن، وبناء جماعي للوطن، ووعي بالذاتية السودانية، وتوق للوحدة وبناء الأمة السودانية، وإيمان بوحدة المصير المشترك، عملاً لا قولاً، وفعلاً لا مجازاً، يجب علينا أن ندرك بأننا، أمام نموذج المواطن السوداني الجديد الأصيل، نموذج المثقف الجديد الأصيل، الذي لم يسبقه على حب السودان والعمل من أجله، والالتزام تجاهه، سوى الطلائع من أصحاب المبادرات الخلاقة، والطلائع من الوطنيين الشرفاء. وعلينا أن ندرك أيضاً بإن لجان المقاومة، وهي تمثل لحظة الميلاد للمواطن الجديد الأصيل، لا يمكن سجنها في التفسير السياسي القاصر، الذي يبرر التعاطي معها باعتبارها تنظيم أو جسم سياسي أو لافتة سياسية، وإنما هي حالة يقظة لشعب عملاق، وهي لحظة تجلي لبعث السودان القديم التليد، وهي استدعاء لطاقة السودان الضخمة، وهي تجسيد لحلم الشرفاء من الذين فدوا الشعب السوداني وأعدموا وسجنوا في سبيل الوطن. ولهذا فنحن أمام المواطن السوداني الجديد الأصيل، الذي جاء حاملاً لملامح كل الجماعات والثقافات، ومتشرباً لمحطات نضال الشرفاء في مراحل تاريخية مختلفة، ومتدثراً بثوب تاريخ السودان العامر والمتنوع والتليد، منذ عهد كوش، ومرصعاً بلحظات الانتصار والمبادرات الخلاقة.
    نلتقي مع الحلقة السابعة.
    ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين وهي متوفر فيديو على هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk[/QUOTEhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk[/QUOTE]
                      

07-25-2022, 06:32 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    Quote: نحو قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة:
    لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل (البحث عن النسب الفكري والسياسي)- (7- أ)

    بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
    خبير سياسي وباحث أكاديمي
    [email protected]
    صحيفة التيار، 24 يوليو 2022

    تسعى هذه الورقة عبر سلسلة
    مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياسة السودانية. وتزعم الورقة بأن ه ذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأنه الطود الأشم والعيلم المسجور".

    لجان المقاومة: استعادة للسودان وليس استرداد للسلطة: نحو إعادة تكييف الوطن عبر بعث الذاتية السودانية

    5. ملامح المواطن الجديد الأصيل الذي هو نواة سودان المستقبل (المواطن هو الأصل)

    إن لجان المقاومة، كما ذكرنا آنفاً، ليست هي تنظيم أو جسم أو لافتة، وإنما هي لحظة يقظة لشعوب السودان، وحالة بعث للسودان بطاقته الضخمة، وبقصته ذات الجذور الضاربة في جوف التاريخ. لجان المقاومة تعبر عن حالة وعي شامل لشعوب السودان، وظهور المواطن الجديد الأصيل والحر والمسؤول. كما أن هذه الثورة، من خلال عطاء لجان المقاومة القائم على العمل والتضحية، أسهمت في تنمية هذا الوعي، الأمر الذي تقوم عليه الديمقراطية، وبهذا يكون قد تم التمهيد للانتقال الديمقراطي، عبر ميلاد المواطن الأصيل والمسؤول والمتحرر من الإرث السياسي. والديمقراطية، كما يقول الأستاذ محمود محمد طه هي "وسيلة لإنجاب الأحرار من العبيد والفوضويين وهي صنو الاشتراكية ولا خير في أيهما من غير الأخرى فإن الاشتراكية إذا طبقت تحت حكم دكتاتوري لا تربى غير العبيد والديمقراطية إذا حاولنا تطبيقها تحت نظام اقتصادي متخلف- وهو النظام الرأسمالي في أي صورة شئت فإنها تكون قبض الريح ومجرد لعب على العقول". (ديسمبر 1964). ولابد من تعريف العبد والفوضوي والحر عند الأستاذ محمود محمد طه، حتى يتضح المعنى. إن العبد عند الأستاذ محمود محمد طه هو الذي يترك حرية عمل ما يريد خوف المسؤولية التي تترتب على الخطأ، وأما الفوضوي فهو الذي يحب أن يعمل ما يريد ولكنه عند الخطأ يحاول جاهداً أن يخدع القانون ويتهرب من تحمل مسؤولية عمله، بينما الحر هو الذي يعمل ما يريد ويتحمل مسؤولية عمله". (ديسمبر 1964). وفي تقديري أن شابات لجان المقاومة وشبابه يقدمون نموذجاً جديداً للمواطن الجديد الأصيل، الذي يحمل سمات الفرد الحر المسؤول.

    1. أفكار قديمة وتاريخ جديد يكتبه ويمليه صانعوه

    إن مجتمعات التعدد الثقافي، كحال السودان، عصية على الإدارة والبناء والتعايش، في ظل غياب الحقوق المستحقة: الديمقراطية والحرية وكرامة الإنسان. كما أن تحقيق التسوية الوطنية فيها، عبر منهج توقيع الاتفاقيات، الذي تبع اختطاف ثورة أكتوبر 1964، ولا يزال مستمراً، ما هو إلا ترميم لبناء متهالك، في ظل غياب الحقوق المكتسبة. ولا سبيل لتلك المجتمعات لانتزاع تلك الحقوق سوى الثورة الشعبية. وقد ظل الشرفاء يعملون على الدوام من أجل التحرير والتغيير الجذري والشامل. ورثت شعوب السودان إرثًا ثوريًا مشرفاً، ومبادرات خلاقة، وسجلًا نضاليًا عامرًا بمواقف الشرفاء والعظماء. واليوم يشهد السودان البعث لتلك المبادرات الخلاقة والمواقف النضالية المشرفة، عبر ثورة ديسمبر المجيدة بقيادة لجان المقاومة، ليكتب التاريخ اليوم بواسطة رجل الشارع والكنداكة. لم يعد التاريخ يكتب بعد مرور الوقت، كما هي العادة في الماضي، وكما يرى بعض المثقفين اليوم. وقد كتب وتحدث البعض مشيراً إلى أن تاريخ لجان المقاومة سيكتب فيما بعد، استناداً على ما تعارف عليه المثقفون من رؤى ومناهج في كتابة التاريخ، غير أن الزمن قد تجاوز تلك المناهج والرؤى، وظهر حالياً ما يعرف بالتاريخ الآني.
    التاريخ الآني هو كتابة التاريخ أثناء صنع الحدث التاريخي ذاته، وقبل انقضائه. ومع التاريخ الآني تبرز أهمية أن من يسجل الحدث هو صانعه نفسه، وفي حالة الثورة السودانية هو لجان المقاومة، أي هو المُنتج الحي للتاريخ، وهو الذي يقدم بنفسه تاريخه الذي صنعه إلى قارئه أو مستهلكه. إن ما يميز التاريخ الآني يكمن في بُعدين للاقتراب: يتجلى الأول في القرب الزمني لعملية كتابته، ويتجلى الثاني في القرب الميداني بين المؤرخ الباحث، والحدث موضوع التسجيل. ويندرج التاريخ الآني ضمن ما يُعرف بعلم التاريخ الجديد، وقد طرحه بعض المفكرين والمؤرخين أول مرة عام 1979 بقيادة المفكر الفرنسي جاك لوغوف (1924- 2014). وقد أعتمد علم التاريخ الجديد أنواعًا جديدة من المصادر، مثل دفاتر العدل والتاريخ الشفوي والتراث المادي، وسلط عليها الضوء من زوايا جديدة بنوعية التساؤلات المطروحة ونوعية القضايا المتناولة، فلم يعد تاريخ الأمة الذي يمثله تاريخ الجنرالات والشخصيات الذائعة الصيت هو الذي يهم المؤرخين، بل أقحم التاريخ الجديد كل المغيبين والهامشيين والمبعدين والمظلومين والمستضعفين من خلال دراسة (المتروك) من المصادر والمغيب من الفئات الاجتماعية. كما دعا إلى بناء تاريخ للشأن السياسي، والمقصود بالتاريخ السياسي هو تاريخ السلطة في جميع تجلياتها، ولو أنها ليست دائماً سياسية، وإنما تاريخ يأخذ بعين الاعتبار رمزية السلطة وتمثلها في المتخيل، واقترح أن يطلق عليها الأنثروبولوجيا السياسية التاريخية. يقول لوغوف "لقد أزاح التاريخ الجديد النقاب، عبر دراسات عالمة ودقيقة، عن مظاهر التعبير عن السلطة في مواطن لم يتفطن إليها التاريخ التقليدي، ولم يفكر حتى في وجودها (وذلك في الرموز وفي المتخيل مثلاً)". كما أعطى التاريخ الجديد قيمة علمية لحقول كانت مجهولة أو متروكة، وجعل منها جزءاً من التاريخ، إن لم تكن محركة له، وهي "مسألة الوعي واللاوعي، فالناس يصنعون التاريخ، ولكنهم لا يشعرون بذلك، كما عبر عن ذلك كارل ماركس. وهي كل ما شمل المتخيل الاجتماعي".
    إن القول بأن تاريخ لجان المقاومة سيكتب فيما بعد، قول ينطوي على عدم مواكبة للتطورات العلمية، وتخلف عما بلغته العلوم من تحرر من الصفوية والهيمنة الفوقية في مسيرة البشرية. وهو قول يشتمل كذلك على عدم وعي بعظمة وقيمة صانع التاريخ، الذي يجب أن يَكُتب التاريخ، فهو صاحب حق، بل وقادر على كتابته كونه هو الصانع للتاريخ. لقد تحرر مجال التاريخ من احتكار الكتابة، وتحرر من الكتابة الفوقية، حيث إملاء الملوك والسلاطين والسياسيين، وأصبحت الجماهير، رجل الشارع المغمور والمرأة الثورية المغمورة، هم الذين يصنعون التاريخ ويكتبونه. كتب الأستاذ محمود محمد طه في كتابه: مُشكلة الشَّرق الأوسط: تحليل سياسي- استقراء تاريخي- حل علمي، (1967)، قائلاً: "إن العبرة البالغة التي انفرجت عنها أذيال الحرب العالمية الثانية تجد تعبيرها في الحقيقة الكبرى وهي أن القافلة البشرية، في كل صُقْع من أصقاع هذا الكوكب، قد اقتلعت خيامها، وأخذت في السير، وهي، في كل خطوة من خطوات هذا السير، تصنع التاريخ وتصنعه على هديٍ جديد، وبعد أن كان التاريخ يمليه في أغلب الأحيان على تلاميذه ومسجليه، الملوك، والسلاطين، وقواد الجيوش، ودهاقنة السياسة، وأرباب الثروة، وهم يتصرفون في مصير الإنسان، أصبح يمليه عليهم الآن رجل الشارع العادي، المغمور، وهو يبحث عن كرامة الإنسان حيث وجد الإنسان". (انتهى).
    ما يجب أن ندركه، أن كتابة التاريخ بواسطة صانع التاريخ، هو فعل مقاومة، يجب علينا الوعي بهذه الحقيقة، حقيقة أن كتابة التاريخ بواسطة صانع تاريخ هو فعل مقاومة، ولهذا يجب تأكيد ذلك، والدعوة له بغرض تعميمه، وفوق كل ذلك ممارسته، لا الدعوة ضده، والتسليم للرؤى القديمة الموروثة في كتابة التاريخ.

    مرجعيات ومغذيات المناخ الثوري: استدعاء المبادرات الخلاقة والنماذج الإرشادية في النضال والسلمية واللاعنف

    من بين ما يميز ثورة ديسمبر المجيدة، والتي تقودها لجان المقاومة، أن مغذيات الثورة، والتي تجلت في شعاراتها وأهازيجها وأغانيها وتعابيرها الفنية، كانت تمثل لحظة عناق بين جميع الثقافات والجماعات السودانية، وهي تستدعي إرثها التاريخي المشترك، الذي غاب بسبب الاستعمار والأنظمة السياسية الظالمة، والمؤرخ الركيك المنحاز، والأكاديمي الذي ظل يعمل بلا ورع علمي أو بلا وازع أخلاقي. رأت كل شعوب السودان ملامحها في ثورة ديسمبر، وتبدت بطولاتها المشتركة، فتدافعت في نضالها الثوري وهي تباهي بنماذجها الإرشادية، وتحتفي بشهدائها، وتعظم عظمائها، في ساحات الاعتصام والحراك الثوري. لقد استدعت الثورة محطات الإشراق الوطني منذ عهد كوش حيث الكنداكة، وحتى يوم الناس هذا، وهي تبعث مواقف التجسيد للبطولات، فكانت النماذج الإرشادية، حاضرة وبقوة، منها من تم إعدامه في سبيل الوطن والحرية وإحداث التغيير، ومنها من ظل يعمل حتى آخر لحظة في حياته. وكان من تلك النماذج، على سبيل المثال، لا الحصر: وليام دينق (؟؟؟ - 1968)، وعبد الخالق محجوب (1927- 1971)، وجوزيف قرنق (1926- 1971)، والشفيع أحمد الشيخ (1924- 1971)، والأستاذ محمود محمد طه (1909- 1985)، والقائد يوسف كوة (1945- 2001)، والقائد الدكتور جون قرنق (1945- 2005)، وغيرهم كثير، وكذلك شهداء الحروب السودانية السودانية، وشهداء حركات الكفاح المسلح. كما استدعت الثورة أصحاب المواقف المشرفة، والشعراء الذين كتبوا عن وللسودان والإنسان، منهم على سبيل المثال، لا الحصر: الشاعر عبد المنعم عبد الحي (1922- 1975)، والشاعر محجوب شريف (1948- 2014)، والشاعر محمد طه القدال (1951- 2021)، والشاعر محمد الحسن سالم حميد (1956- 2012)، والشاعر محمد المكي إبراهيم، والشاعر أزهري محمد علي، والشاعر عاطف خيري، وغيرهم. واستدعت كذلك الفنانين، منهم على سبيل المثال، لا الحصر: مثل الفنان الكبير محمد وردي (1932- 2012)، والفنان الكبير محمد الأمين، وغيرهما. أيضاً كانت هناك إسهامات كبيرة في تنمية الوعي الثوري وخدمة التنوير من خلال مشاريع قامت بها مراكز بحثية ومنتديات حوارية، وكذلك إسهامات ضخمة للأفراد. بالطبع يصعب رصد وحصر كل هذه الجهود والإسهامات، ولكن منها على سبيل المثال، لا الحصر، مشروع الفكر الديمقراطي/ سلسلة قراءة من أجل التغيير، ومركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، ومركز الدراسات السودانية، وطيبة برس، ومنتدى شروق الثقافي، مدينة القضارف، والمنبر العام بموقع سودانيزأونلاين، ومنتدى مجموعة حتى نعود الثقافية بغرب أستراليا، مدينة بيرث. وبالطبع هناك عدد مهول من مغذيات الثورة، لا يمكن حصره في هذه المساحة الضيقة، ولكن هذه النماذج تعبر عن أمثالها ومثيلاتها. وفوق كل ذلك كان المُغذي الأكبر هو الإرث الثوري المتراكم في سجل شعوب السودان.
    مثلت السلمية هُوية الثورة وشعارها منذ اندلاعها في ديسمبر 2019 وحتى اليوم، وقد استدعتها الجماهير من سجل شعوب السودان. لقد ظلت السلمية حاضرة وبقوة في مخيلة شعوب السودان، وقد تجلت في فولكلورها وتاريخها، كما كانت ماثلة في واقعها. لقد تم تجسيد السلمية في أشرف المحطات السودانية الإنسانية، ذلك عندما أودعها الأستاذ محمود محمد طه في مجلد البشرية، مع ابتسامة آبدة، وهو على منصة الإعدام في 18 يناير 1985. وقد وصف الشاعر صلاح أحمد إبراهيم (1933م-1993م) ذلك المشهد، في مقالة له نُشرت في صحيفة الصحافة، بتاريخ 25 يونيو 1985، فكتب، قائلاً: "حينما صعد محمود محمد طه المشنقة؛ كنا نحن الذين عليها؛ وكان هو نحن.. لو لم يستقبل الأستاذ الشهيد الموت بتلك الابتسامة الخالدة، وبرباطة الجأش المتناهية، التي أبداها، لخذل فينا اعتزازاً يضرب عمقاً، ورسوخاً في كياننا القومي، ولسخرت منا تربيتنا التليدة (حقي المشنقة والمدفع أب ثكلي)". كذلك أحتفى الأستاذ عبد الله محمد عبدالله بذلك الموقف وتلك السلمية واللاعنف، في تقديمه لمجموعة شعرية للشاعر والمناضل الثوري الملتزم عفيف إسماعيل، كانت بعنوان: هناك حيث تنام العاصفة بلا غطاء (2021)، كتب عبدالله محمد عبدالله في تقديمه، قائلاً: "تختصُّ هذه المجموعة الشهيد الأستاذ «محمود محمد طه» بقصيدتين، وليس هناك ما يمكن أن يقف دليلاً على تقديره لذلك الشيخ الجليل، الذي اعتلى منصَّة الخلود متسامياً عن الهوس، مبتسماً ومتسامحاً حدَّ الشموخ والجسارة المبهرة، فتناسلت فكرته حول اللا عنف لتصبَّ في نهر شعوب السودان السلمية وهي تصنع ثورة ديسمبر المجيدة التي اقتلعت هوس المتأسلمين".
    لقد استطاعت السلمية في السودان أن تهزم العنف في أعنف صوره وأعتى حالاته. يقول الأستاذ محمود محمد طه: العنف يهزم صاحبه، ولا يمكن هزيمة الوحدة بالعنف.. والعنف خوف، ولا يحتاجه إلا المُفلس والخوَّاف، فالعنيف خوَّاف.. وبقدر استخدام العنف يكون العجز في الوصول لنهاية الطريق.. والعنف يهزم فكرة الوصول للغايات النبيلة. ويقول: "من يستخدم العنف سيكون هو ضحية لاستخدامه للعنف". والمفكر هو من يستطيع ان يصل لنهاية الطريق حيث الهدف بلا عنف. وظل الأستاذ محمود محمد طه يدعو للسلام وتجنب العنف، فالعنف والسيطرة بالقوة، عنده، هو قانون الغابة، بينما المدنية هي قانون العدل، والحق، والمرحمة. وقد كتب في كتابه: الرسالة الثانية من الإسلام، (1967)، قائلاً: "إن العنف لا يبعث إلا إحدى خصلتين: إما العنف ممن يطيقون المقاومة، أو النفاق من العاجزين عنها، وليس في أيهما خير".
    نلتقي مع الحلقة القادمة (7- ب).
    ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين وهي متوفر فيديو على هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk[/QUOTEhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk[/QUOTE]
                      

08-07-2022, 07:26 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    Quote: قراءة جديدة في ثورة ديسمبر المجيدة:
    لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل (البحث عن النسب الفكري والسياسي)- (7- ب)
    بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
    خبير سياسي وباحث أكاديمي
    [email protected]
    صحيفة التيار ، الاثنين 25 يوليو 2022
    تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياسة السودانية. وتزعم الورقة بأن ه ذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأنه الطود الأشم والعيلم المسجور".
    تناولنا في الحلقة الماضية، وهي (7- أ) من هذه السلسلة، مرجعيات ومغذيات المناخ الثوري: استدعاء المبادرات الخلاقة والنماذج الإرشادية في النضال والسلمية واللاعنف، وقلنا بأن السلمية مثلت هُوية الثورة وشعارها منذ اندلاعها في ديسمبر 2019 وحتى اليوم، وقد استدعتها الجماهير من سجل شعوب السودان. وأن شعوب السودان استطاعت بسلاح السلمية أن تهزم العنف في أعنف صوره وأعتى حالاته، سواء في ثورة أكتوبر 1964، أو في ثورة ديسمبر 2019، واليوم نستكمل.
    ثورتا ديسمبر 2019 وأكتوبر 1964 السودانيتين وإلغاء العنف من معادلة التغيير الماركسي
    من أكبر وأبلغ رسائل ودروس ثورة ديسمبر المجيدة، بقيادة لجان المقاومة، "إلغاء العنف من معادلة التغيير الماركسي". وهذا الدرس، درس إلغاء العنف في إحداث التغيير، قد بدأه الشعب السوداني في ثورة أكتوبر 1964، واليوم نشهد استمراره وتأكيده بقوة. كان الأستاذ محمود محمد طه، قد تحدث عن أكبر قيمة لثورة أكتوبر 1964، في كتابه: لا إله إلا الله (1969)، وفي كتاب الثورة الثقافية (1972)، وفي عدد من بياناته ومقالاته، قائلاً: إن أكبر قيمة لثورة أكتوبر هي أن الشعب السوداني استطاع بها أن يدلل على خطأ أساسي في التفكير الماركسي، مما ورد في عبارة من أهم عبارات كارل ماركس (1818- 1883)، في فلسفته، فيما عرف (بالمادية التاريخية) .. وتلك العبارة هي قوله: "العنف، والقوة هما الوسيلتان، الوحيدتان، لتحقيق أي تغيير أساسي في المجتمع"، فما برهنت عليه ثورة أكتوبر، واليوم تؤكده ثورة ديسمبر، هو أن القوة ضرورية للتغيير، ولكن العنف ليس ضرورياً.. ويقول الأستاذ محمود محمد طه: "بل أن القوة المستحصدة، التامة، تلغي العنف تماما.. فصاحبها في غنى عن استخدام العنف، وخصمها مصروف عن استخدام العنف بما يظهر له من عدم جدواه، وحين تنفصل القوة عن العنف يفتح الباب للبشرية لتفهم معنى جديدا من معاني القوة، وتلك هي القوة التي تقوم على وحدة الفكر، ووحدة الشعور، بين الناس، بعد أن لبثت البشرية في طوال الحقب لا تعرف من القوة إلا ما يقوم على قوة الساعد، وقوة البأس". وهو يرى بأن مفهوم القوة، بهذا المعنى الأخير، "هو الذي ضلل كارل ماركس، فاعتقد أن مستقبل البشرية سيكون صورة لامتداد ماضيها، وغاب عنه أن العنف سيفارق القوة، بالضرورة، في مستقبل تطور الإنسان، حين يصبح الحق هو القوة". وأضاف الأستاذ محمود محمد طه، قائلاً: "ومهما يكن من الأمر، فان شعب السودان، في ثورة أكتوبر، قد كان قويا بوحدته العاطفية الرائعة، قوة أغنته هو عن استخدام العنف، وشلت يد خصومه عن استخدام العنف.. وتم بذلك إلغاء العنف من معادلة التغيير الماركسي.. إذ قد تم التغيير بالقوة بغير عنف.. وهذا، في حد ذاته، عمل عظيم وجليل". واليوم فإن الشعب السوداني في ثورة ديسمبر بقيادة لجان المقاومة كان قوياً بصورة مدهشة، وهو يؤكد "إلغاء العنف من معادلة التغيير الماركسي"، وكأنه يقدم معادلة جديدة وبديلة، تقول: إن السلمية والقوة/ الوحدة، وليس العنف، هما الوسيلتان، الوحيدتان، لتحقيق أي تغيير أساسي في المجتمع.
    الهمس بتأثير بعض الأحزاب في لجان المقاومة والخطر على لجان المقاومة
    ظل الكثير من الناس يردد بأن لجان المقاومة التي تقود ثورة ديسمبر، يسيطر عليها الشيوعيون، أو لهم تأثير عليها، وهذا قول فج، ورأي خديج، ويكشف عن جهل بتاريخ الأحزاب، خاصة تاريخ الحزب الشيوعي، كما سيرد الحديث لاحقاً، كما أنه تحليل ضعيف، وحيلة بالية، مثلما أنه قول ساذج لا يجوز إلا على "صغار الأحلام". والحق أن مثل هذه الحيل والأساليب البالية تم تشييعها وممارستها في محطات عديدة في تاريخ السودان. فعندما اندلعت ثورة أكتوبر 1964، وتشكلت الجبهة الوطنية للهيئات (33 هيئة)، بدأت الأحزاب السودانية تشيع بأن الجبهة خاضعة لسيطرة الشيوعيين، الأمر الذي يكشف عن خطر النفوذ الشيوعي على البلاد، فأصدر الأستاذ محمود محمد طه عدة بيانات منها بيان جاء بعنوان: "الحزب الجمهوري يقول رأيه في الموقف الحالي: لا أهداف لقادة الأحزاب إلا كراسي الحكم"، (22 فبراير 1965)، قال فيه: "لم تبدأ الازمة بالموقف الذي اختار رئيس الوزراء ان يقفه حين تقدم بتلك الاستقالة المفاجئة وانما بدأت حين اخذت الهيئات المختلفة تنسحب من الجبهة الوطنية للهيئات بحجة ان الجبهة اصبحت خاضعة لسيطرة الشيوعيين عليها ومن رأينا ان انسحاب الهيئات التي انسحبت خطأ شنيع لانه قوض الجبهة ووضع مفتاح الموقف السياسي في يد الاحزاب وفتح الطريق امام هذا الصراع على الكراسي الذي لا تراعي فيه". وأضاف: "لقد نجحت الأحزاب في تجسيم الخطر الشيوعي على هذه البلاد في أذهان الناس"..
    وأوضح الأستاذ محمود محمد طه في بيان أصدره في 2 مارس 1965، قائلاً: ما هو عذر الأحزاب المتآمرة في كل ذلك؟ إن خطر النفوذ الشيوعي على البلاد- إن هذا قول لا يجوز إلا على صغار الأحلام... والطائفية تشعر بأن الشيوعية تشكل خطراً ماثلاً ولكنه عليها هي وليس على هذه البلاد". وأضاف وهو يتحدث عن ثورة أكتوبر بحديث يخاطب الراهن، وكأنه يتحدث عن ثورة ديسمبر، فقد كتب، قائلاً: "إن ثورة اكتوبر لم تلد زعيما حتى الآن ولا يزال الشعب العملاق يتقدمه الاقزام ونحن لا نظن ان هذه الثورة العظيمة عقيم بل نظن ان قلق الشعب الحاضر وفورة عناصره بمثابة اتعاب الولادة للنظام الجديد والزعيم الجديد وعلى المثقفين في جميع الصفوف حتى في جماهير الاحزاب ان يقوموا بدور القابلة في جعل هذه الولادة سريعة ومأمونة العواقب بدل ان يقفوا وراء زعماء جهلاء أو أن ينعزلوا عن مشاكل الشعب.. طلبة الجامعات واساتذة الجامعات في مقدمة من نعني". (أنتهى). وهنا نجدد الدعوة للالتفاف حول لجان المقاومة، ودعمها وتمهيد السُبل لها لتولي قيادة السودان. وليكن الشعار لجان المقاومة لقيادة المرحلة الانتقالية، والأحزاب لإعداد رؤاها وبرامجها العلمية وتهيئة بيوتها الداخلية استعداداً للانتخابات.
    الأمر الآخر الذي يجب توضيحه وهو يتصل بتاريخ الأحزاب السودانية، لا سيما أكبر حزبين، ظل كل منهما منذ أربعينات القرن الماضي، يدعو إلى إشراك الجماهير في العمل النضالي والوطني، وفي مواجهة ورفض للعمل الفوقي الذي ظلت تنتهجه الأحزاب، هما الحزب الجمهوري والحزب الشيوعي السوداني الذي ظل حزباً جماهيرياً وبامتياز. لقد ظل الحزب الجمهوري منذ تأسيسه في أكتوبر 1945 يدعو إلى إشراك الجماهير في النضال ضد الاستعمار، ويدعو إلى الخروج إلى الشوارع. وقد تناولت تفاصيل ذلك في العديد من كتاباتي، منها، على سبيل المثال، لا الحصر: (عبد الله الفكي البشير، صاحب الفهم الجديد للإسلام محمود محمد طه والمثقفون: قراءة في المواقف وتزوير التاريخ 2013؛ محمود محمد طه وقضايا التهميش في السودان، 2021). ويمكن في هذه السانحة الضيقة أن أقدم برهانين على الحرص على إشراك الجماهير في العمل الوطني. كان الأستاذ محمود محمد طه قد كتب في العام 1952، مقالاً بعنوان: "الحركة الوطنية كما أريدها"، قال فيه: "ثلاث فئات من المواطنين يجب أن تشترك في الحركة الوطنية اشتراك العمل المنتج. النساء وسكان القرى (الأقاليم) والأغنياء. ولإشراك هؤلاء اشتراك العمل المنتج يجب أن تكون الحركة الوطنية نفسها حركة عمل منتج لا حركة تهريج وهتاف بسقوط الاستعمار ليس إلا".
    ​كذلك كان الحزب الشيوعي السوداني منذ اربعينات القرن الماضي ومنذ أيام الحلقات الماركسية نواة الجبهة المعادية للاستعمار، والتي أصبحت الحزب الشيوعي السوداني، يدعو إلى إشراك الجماهير في العمل الوطني وفي النضال ضد الاستعمار، وكان رافضاً للعمل الفوقي الذي انتهجته الأحزاب السودانية. هذه حقائق لا مغالطة فيها، ولهذا فإذا كان الحزب الشيوعي حاضراً وداعماً لعمل لجان المقاومة، فهذا نشاط يتسق مع رؤيته، ويجسد أحلامه، وهو يعبر من تاريخية. كان البروفيسور أحمد خوجلي، عضو الحلقات الماركسية، وأستاذ الفيزياء الذي أصبح نائباً لمدير جامعة الخرطوم، فيما بعد، قد شهد، قائلاً: "وقد كنا من الجهة الأخرى على اتصال بالحزب الجمهوري وكان حزباً ثورياً. والجمهوريون هم أول من أصطنع المطبعة السرية لطبع المنشورات ويوزعونها في المقاهي وغيرها. واذكر لما تظاهرنا في الوادي في 1946م، جاؤونا بمنشورات وزعناها وسط الطلاب. فأزعجت المنشورات مفتش مركز أم درمان وتحروا في كيفية وصولها للوادي من أم درمان. ولم ينتهوا إلى شيء". ولهذا، فإن حضور الحزب الشيوعي في النشاط الجماهيري، والعمل الميداني في سبيل الوطن، ليس غريباً، إلا على الأحزاب التي ليس لها رؤية أو تاريخ في الدعوة لإشراك الجماهير في العمل النضالي والوطني.
    لجان المقاومة وسودان المستقبل: من القاعدة إلى القمة (مهدوا لهم السُبل لتولي قيادة السودان)
    أنني من الداعين لأن تؤول قيادة السودان إلى شباب وشابات لجان المقاومة على جميع مستويات الحكم الانتقالي في الدولة السودانية. واقترح أن تكون النسبة الأكبر للمرأة، إن لم تكن مناصفة على أقل تقدير. الذي يدعونا ويحضنا على ذلك، أمران: الأمر الأول هو إن التضحية والبطولات التي ظللنا نشهدها مع كل صباح كل يوم جديد، وعلى مدى أربع سنوات، تضع القادة والأحزاب والسياسيين في موضع غير لائق وظالم، إن تآمروا على لجان المقاومة، وحالوا بينها وبين قيادة سودان المستقبل. إن شباب لجان المقاومة، هم أصحاب الحق والمصلحة في الراهن والمستقبل، والمرحلة الانتقالية ستحدد ملامح سودان المستقبل وستسفلت مساره، وفي تقديري ليس هناك من هو مؤهل أكثر من لجان المقاومة. والحق أنهم وبما قدموه من تضحية ومعاني جديدة في التعاطي مع شأن الوطن، كما ورد ذكرها آنفاً، أكسبوا متطلبات قيادة الوطن، شروطاً جديدة، وليس هناك من يستوفي تلك الشروط سوى شباب وشابات لجان المقاومة. والأمر الثاني يتصل بالعلل الموروثة في الممارسة السياسية، وهي علل مزمنة ومتمكنة في البيئة السياسية السودانية، ظلت معها الأمور، كما صورها الروائي الطيب صالح (1929- 2009)، قائلاً: "وتمضي الأمور من جهالة إلى جهالة، حتى يغدو الفكاك من ربقتها مستحيلاً، إلا بقفزات هائلة في الخيال، أو بثورات هائلة في الروح". وقد تناولنا تصوير الطيب صالح لهذا الواقع، وأرودنا نصه هذا، في صدر سلسلة مقالات لنا نُشرت في العام 2010 بعنوان: "النخبة السودانية: المزاج الصفوي والصراع العقيم (1-11)"، صحيفة الأحداث، 19 أغسطس 2010.
    والحق إننا اليوم وأمام شابات السودان وشبابه نشهد قفزات هائلة في الخيال، وثورات هائلة في الروح. قولاً واحداً إن قيادة الوطن، في ظل الوباء السياسي الذي لازم أداء الأحزاب والممارسة السياسية منذ قبل الاستقلال، يجب أن تؤول إلى الشباب، وقد صدحنا بهذا الرأي منذ العام 2011، بناءً على دراسات، وفحص علمي، وتقصي دقيق في مسار السودان السياسي.
    نلتقي مع الحلقة القادمة (7- ج)، وهي الأخيرة.
    ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين وهي متوفر فيديو على هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk[/QUOTEhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk[/QUOTE]
                      

08-07-2022, 07:29 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48839

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)

    Quote: نحو قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة:
    لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل (البحث عن النسب الفكري والسياسي)- (7- ج، وهي الأخيرة)
    بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير
    خبير سياسي وباحث أكاديمي
    [email protected]
    صحيفة التيار- 25 يوليو 2022
    تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياسة السودانية. وتزعم الورقة بأن هذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأنه الطود الأشم والعيلم المسجور".
    وقفنا في الحلقة الماضية عند محور: "لجان المقاومة وسودان المستقبل: من القاعدة إلى القمة (مهدوا لهم السُبل لتولي قيادة السودان)". وقلت إنني من الداعين لأن تؤول قيادة السودان إلى شباب وشابات لجان المقاومة على جميع مستويات الحكم الانتقالي في الدولة السودانية. وذلك نسبة لأمرين: الأول يعود للتضحية والبطولات التي ظللنا نشهدها مع كل صباح كل يوم جديد، وعلى مدى أربع سنوات، والأمر الثاني يرجع إلى العلل الموروثة في الممارسة السياسية، وهي علل مزمنة ومتمكنة في البيئة السياسية السودانية وظلت تصاحبها الجهالة، وقد اشترط الروائي الطيب صالح (1929- 2009) الفكاك منها "بقفزات هائلة في الخيال، أو بثورات هائلة في الروح". واليوم نستكمل.
    والحق إننا اليوم في ظل ثورة ديسمبر نشهد من شابات السودان وشبابه خطوات كبيرة في القفزات الهائلة في الخيال، وفي الثورات الهائلة في الروح. قولاً واحداً إن قيادة الوطن، في ظل الوباء السياسي الذي لازم أداء الأحزاب والممارسة السياسية منذ قبل الاستقلال، يجب أن تؤول إلى الشباب، وقد صدحنا بهذا الرأي منذ العام 2011، بناءً على دراسات، وفحص علمي، وتقصي دقيق في مسار السودان السياسي. وهنا أستميح القراء عذراً بأن أستدعي ما كتبته في فبراير 2011 في خاتمة ورقة علمية صدرت ضمن كتاب: انفصال جنوب السودان: المخاطر والفرص، (2012)، ومن ثم صدرت الورقة لحالها في كتاب بعنوان: الفشل في إدارة التنوع: حالة السودان، (2014)، ضمن سلسلة قراءة من أجل التغيير. كنت قد كتبت في خاتمة الورقة التي أصبحت كتاباً، النص الآتي (أنقل بالنص دون تغيير أو تعديل):
    "خاتمة: سودان المستقبل
    إن القيادات التي تسير دفة الحكم اليوم، والتي تعارضه، وتلك التي تقود المطالب بالحقوق في أقاليم السودان المختلفة، تحمل كل هذه القيادات تلك العلل الموروثة، مضافاً إليها ضعف حاضناتهم الحزبية، وثارات صراعاتهم السياسية، هذا إلى جانب انخفاض سقوفهم المعرفية، والتي تجلت بوضوح في كيفية تعاطيهم مع مشاكل السودان ومدى استجابتهم لمتطلبات الواقع. ولهذا لا يتوقع من هؤلاء جميعاً أن يخرجوا بالسودان إلى سودان المستقبل المستقر الموحد المتعايش. إن سودان المستقبل في ظل إرث الصراعات، وأزمة القيادات، وتهالك الحضانات الحزبية، وفي ظل تجدد مصالح القوى الدولية وتوسعها، ودخول حقبة ما بعد الحداثة بما لها من آثار، لا سيما، سؤال الإخلال الذي أغفلته حقبة الحداثة، ويعيد طرح نفسه الآن في مستوى جديد، فإن سودان المستقبل يتطلب قيادات ذات عقول جديدة. إن أهم سمات هذه القيادات هو امتلاك الرؤية والقدرة على التحدي والتفاعل مع العصر، والمعرفة بتاريخ السودان، والإدراك لأبعاد آركيوليوجيته الثقافية، والوعي بإرثه الحضاري، والعمل انطلاقاً من الواقع لا من فوقه، والرغبة القوية في البناء الجماعي، والزهد الحقيقي في الثأرات السياسية، والإدراك الذكي لمطامع القوى الدولية. إن القوى الدولية تحرص على تبني القضايا الداخلية كضامن لمصالحها وشرط أساس لاستمرار هيمنتها. لا بد لهذه القيادات أن تكون في تكوينها الفكري والمعرفي عابرة للمدارس الحزبية ونظريات عصر الحداثة، لتستطيع تحقيق الإنجازات الاستراتيجية والانتصارات للشعوب، وليس إنجازات ترقيعية آنية وانتصارات جهوية أو حزبية ضيقة. مثل هذه القيادات لا تتوفر إلا في الأجيال الشبابية القادمة، فهي بأحقيتها في المستقبل، وبحكم العصر وتجارب الشعوب المبذولة في الفضاء المعرفي الكوكبي، تمتلك القدرة على التفاعل مع الواقع ومعطياته، وبحكم الفطرة وفرص التعلُم الذاتي، تمتلك الشجاعة العقلية وقوة الحاسة النقدية، وستكون هي الأقدر على القيام بالمراجعة الشاملة، ومن ثم تصحيح مسار السودان". (انتهى).
    إن هذا الرأي القائل بأن تؤول قيادة السودان للشباب ليس بالرأي الجديد، فقد قال به بعض المفكرين السودانيين، وكان الأستاذ محمود محمد طه قد كتب في العام 1945، ضمن كتابه: السفر الأول، قائلاً: "يستطيع السودان أن يقوم على سند من شباب قوي الأسر، قوي الأخلاق، قوي العزم على القيام بمناصرة الحق، في ثقة، وثبات، حتى لكأنه الطَود الأشم.. أو لكأنه العيلم المسجور". (أنتهى).
    إن الشباب الذي يقود هذه الثورة، لهو أحق بقيادة السودان، كونه جاء من القاعدة، وظل يعيش واقع السودان، وليس لديه سودان آخر من صنعه، كما هو حال قيادات السودان منذ استقلال السودان. وقد خاطب الأستاذ محمود محمد طه هذا الواقع وعن التغيير وإصلاح الوضع، عام 1969 في محاضرة جاءت بعنوان: "الحقوق الأساسية في الدستور الدائم"، تحدث، قائلاً: أنا متأكد أنه هذه المسألة لا تجيء، إلا بثورة من القاعدة.. الشعب لا يصلحه إلا قيادة تنبع منه.. لذلك لا يمكن أن يكون هناك صلاح لهذا الوضع، إلا إذا كانت الثورة من القاعدة نبعت منها القيادات. وأضاف، قائلاً: "القيادات التي تتولى الأمر في الوقت الحاضر ليست قيادات الشعب، ولا تعيش في سودان الشعب.. عندها سودان من صنعها لوحده.."
    نحن في حاجة إلى نظر جديد لتأمل وفحص الشؤون السودانية، وفي حاجة لقيادات جديدة، أهم ما يميزها التضحية في سبيل الوطن، والتحرر من المعرفة الاستعمارية والإرث السياسي، والتجاوز للثأرات السياسية، والعمل بقيم البناء الجماعي للوطن، والإيمان بوحدة المصير المشترك، ويقيني بأن هذه الشروط تنطبق على شابات السودان وشبابه، وقد ترجموها عملياً أمام أعيننا، ولهذا يجب علينا الاحتفاء بهم، وتكريمهم، بالانتقال من وضعية القاعدة إلى وضعية القمة، وعلينا كذلك أن نمهد لهم السُبل لتولي قيادة السودان. وتكون خلاصة الرأي لجان المقاومة لقيادة المرحلة الانتقالية، وعلى الأحزاب وقياداتها أن تبدأ العمل في إعادة بناء بيوتها وقواعدها، وإعداد برامجها العلمية استعداداً للانتخابات. أما الحديث عن قلة الخبرة وحداثة السن، فسيأتي الحديث عنه في محور لاحقًا بعنوان: "معلم الشعوب وسجل لجان المقاومة: نحو درس جديد للشعوب في القيادة الشبابية للدولة".
    معلم الشعوب وسجل لجان المقاومة: نحو درس جديد للشعوب في القيادة الشبابية للدولة
    تعبير الشعب السوداني معلم الشعوب، لم يقل به السودانيون في وصف أنفسهم، وإنما قاله بعض المثقفين اللبنانيين واصفين به الشعب السوداني عندما فجر ثورة أكتوبر 1964. لقد استطاعت الثورة أن تتخلص من حكم عسكري بدأ في 17 نوفمبر 1958، بقيادة الفريق إبراهيم عبود (1897/ 1900- 1983)، في وقت شاعت فيه الانقلابات العسكرية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ولم تسلم منها في أوروبا حتى اليونان، موطن الديمقراطية. فما من حكم عسكري، إذا حدث له تغيير وقتئذ، إلا وتغير بحكم عسكري آخر، مثلما حدث في سوريا والعراق. لقد استطاع الشعب السوداني بثورة أكتوبر السلمية أن يسن سنة جديدة تفرد بها، وعبَّر من خلالها عن انسجامه مع مكونات السودان وتركيبته المتنوعة، وانحاز بها إلى دعوات التحرر الوطني في أفريقيا، واتصل عبرها بمشهد انتصار حركة الحقوق المدنية في أمريكا، وبلحظات الاعتراف العالمي بالتعدد الثقافي، واستيعابه في الدساتير القومية في كندا. وقد جاء وصف ثورة أكتوبر في ملاحظات وتقييم بعض المراقبين والمثقفين من غير السودانيين. لقد أورد الأستاذ محمود محمد طه في محاضرة له كانت بعنوان "ثورة التغيير من أجل الحكم الصالح" في 5 نوفمبر 1968، وصف المراقبين والمثقفين اللبنانيين للشعب السوداني، وذكر بأنهم قالوا: "بثورة أكتوبر، الشعب السوداني سن سنة جديدة، ونرجو أن تتابع الشعوب الأخرى في هذه السنة الجديدة... وبعد المراقبين الذين تكلموا عن [الشعب السوداني] في ثورة أكتوبر قالوا إنه معلم للشعوب". فهذا الوصف، وصف الشعب السوداني بأنه معلم الشعوب، لم يكن وصفاً سودانياً شوفينياً، وإنما وصفاً أطلقه غير السودانيين على الشعب السوداني.
    إن أرض معلم الشعوب، هي أرض الثورات، لا جدال في ذلك، كون الوقائع والشواهد عبر التاريخ، تدل على ذلك، وهي كثيرة. واليوم فإن معلم الشعوب يمكنه أن يقدم درساً جديداً للعالم، بأن يتيح الفرصة كاملة للجان المقاومة، شباباً وكنداكات، لتخوض تجربة قيادة الفترة الانتقالية، وتنصرف الأحزاب إلى إعداد نفسها للانتخابات. وتزداد أهمية هذا الطرح عندما نُدرك كما قال محمد عشري الصديق (1908-1972)، بأننا في حاجة لنظر جديد للتعاطي مع شؤون السودان. وسيتحقق هذا، إذا ما نجح العناد الثوري، الهادف إلى إحداث التغيير الجذري، إلى الوصول لتقديم هذه التجربة الشبابية الخالصة في الحكم بواسطة لجان المقاومة، يكون السودان، معلم الشعوب، قد أودع درساً جديداً في مجلد الحضارة الإنسانية. فهذا الجيل الجديد الذي قدم تضحيات كبيرة وجديدة على العقل السياسي السوداني، في سبيل الوطن، لهو جدير بأن يدير شأن الوطن. وقد يرى البعض بأن هناك عقبات تحول دون ذلك، منها حداثة السن، وقلة الخبرة، وبعض مظاهر الانقسامات، وعدم وجود هيكل واضح للجان المقاومة، وصعوبة اختيار طاقم حكم، في ظل غياب آلية الاختيار، وغيرها.
    وهذه العقبات مردود عليها، فحداثة السن ليست عائقاً أبداً، فكثير من الذين قادوا التغيير في العديد من أنحاء العام كانوا شباباً من حديثي السن. فعلى سبيل المثال، لا الحصر، كان مارتن لوثر كنج (1929- 1968)، القائد العظيم في حركة الحقوق المدنية Civil Rights Movement، ابن الـ (26) عاماً حينما بدأت الحكومة الأمريكية اعتقالاته. ولما بلغ عمره (27) كان أصغر شخص وأول قسيس يحصل على ميدالية "سينجارن" التي تعطى سنوياً للشخص الذي يقدم مساهمات فعالة في مواجهة العنصرية. وبعد انتصار حركة الحقوق المدنية، فاز بجائزة نوبل للسلام عام1964 تكريماً لجهوده في مكافحة العنصرية والفصل العنصري، وعمره 35 عاماً، ليكون أصغر رجل في التاريخ يفوز بهذه الجائزة. كذلك دخل پاتريس لومومبا (1925- 1961) سوح النضال وعمره أقل من (26) عاماً، وقاد حركة التحرر من الاستعمار البلجيكي، ثم كُلف بتشكيل أول حكومة عام 1960 وعمره 35 عاماً، ليصبح أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ الكونغو. والنماذج على ذلك كثيرة في مختلف أنحاء العالم. كان الثائر السوداني علي عبد اللطيف (1896-1948) ابن 28 عاماً حينما قاد ثورة 1924. كذلك كان معظم الذين كوَّنوا مؤتمر الخريجين في السودان عام 1938، تتراوح أعمارهم ما بين 23- 30 عاماً، وعندما أسسوا الأحزاب السودانية في عامي 1944 و1945 ومنهم من ترأس بعضها، كانت أعمارهم تتراوح ما بين 29- 42 عاماً. أيضاً ترأس السيد الصادق المهدي (1935- 2020) مجلس الوزراء، وكان عمره (30) عاماً، وغيرهم كثير. فالسن ليست عائقاً. أما بالنسبة للخبرة فيمكن التغلب عليها بالأخذ باللجان الاستشارية، خاصة وأن هناك جهود تمت في ذلك، خلال هذه الثورة. ويمكن أن يكون مع كل وزير أو رئيس مؤسسة، لجنة استشارية تتكون من (3- 5) أشخاص من المهنيين الداعمين للثورة، والمؤمنين بقيمها ومبادئها وشعاراتها. وبالطبع سيتم وضع معايير لذلك، ومن أهمها المهنية وليس الحزبية. أما مسألة الهيكل التنظيمي للجان المقاومة، ففي تقديري أنهم في تطور مستمر، سواء من حيث الهيكل التنظيمي أو عمليات انتخاب بعضهم البعض. ولا جدال في أن القادة القادمون من القاعدة الثورية (شباب وكنداكات)، يمثلون العقل السياسي الجديد الملتصق بالجماهير، والمحمي ضد الانتهازية بما قدمه وشهده من تضحيات. ويعبرون كذلك عن القادة المستقبل الجدد، سواء في مناهج التفكير أو طرق العمل، أو في القدرة على التعاطي مع معطيات الحياة الرقمية ومظاهر الثورة التكنولوجية. ولا ريب في أن من حمل زميله شهيداً أو زميلته شهيدة بين يديه أثناء الحراك الثوري، فهو قادر على حمل الوطن في حدقات العيون، وقادر على العمل والقيام بالواجب الوطني والأخلاقي وفاءً لتلك التضحيات.
    ختاماً أتقدم بخالص الشكر وفائق التقدير إلى أسرة صحيفة التيار، وللأستاذ بهاء الدين عيسى عطا المنان، مدير التحرير، على جهوده وتفاعله وحسن تعاونه بروح شراكة ومهنية نادرة المثيل. والشكر الجزيل لكل الذين عبروا عن احتفائهم بهذه المقالات، أو أبدوا ملاحظاتهم وتعليقاتهم، وهم كثر، وقد استفدت من ملاحظاتهم، وسأستفيد منها بشكل أوسع، مع الإشارة إليهم بالطبع، خاصة وأنني بصدد الترتيب لإصدار هذه المقالات، مع بعض الإضافات والتفصيل، في كتاب قريباً. وذلك في سبيل الإسهام في إثراء الحوار عبر فكرنة ثورة ديسمبر المجيدة وعقلنة مسارها.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de