كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
|
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)
|
سلام د ياسر يا ريت لو يلقي تغطية ا علامية حقيقية في اعلام السودان وقناة الحوش الحرة لانه عمليا دول العالم العربي والخليج لا تقبل سوي مهرجين القوميين العرب والاخوان المسلمين خصوصا الجزيرة مباشر والعربية الحدث لانها فضائيات فتنة وتستخف بذكاء ووعي السودانيين العرب والمصريين لا يعرفون شئيا عن السودان والسودانيين بالاصالة يعرفون السياسيين الحثالة فقط جهد مقدر من الشاب عبدالله الفكي فعلا الثورة حامل فكري ومسار https://www.0zz0.com
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: *نحو قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة:* *لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل* *(البحث عن النسب الفكري والسياسي)* (1-7) بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير خبير سياسي وباحث أكاديمي [email protected] صحيفة التيار، الأحد 17 يوليو 2022
تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياس ية السودانية. وتزعم الورقة بأن هذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأن الطود الأشم والعيلم المسجور".
الواقع الجديد والتعاطي بالأساليب البالية
لقد تعاطي جل السياسيين والمثقفين والوسطاء الإقليميين والدوليين مع لجان المقاومة بما ألفه الناس في السودان ومحيطه، بأنها لجان تقود احتجاجات تسعى لاسترداد السلطة، وبمجرد سقوط النظام، يمكن الجلوس للتفاوض، ومن ثم الوصول لتسوية سياسية. وبناءً على هذا التفسير ذهب هؤلاء السياسيين والمثقفين والوسطاء إلى وضع المقترحات وتصميم المبادرات على ضوء إرث الدولة السودانية وتجاربها مع الحراك الثوري منذ استقلال السودان "الشكلي" عام 1956. تزعم هذه الورقة بأن مثل هذا التعاطي يُعبر عن تفكير فج، قوامه الجهل بتاريخ السودان ومكوناته، والضعف في الوعي بالذاتية السودانية، وينطلق من رؤية متواضعة وساذجة، ويُنبئ عن قصر نظر. وترى الورقة بأن التفكير السليم الذي يقود إلى التفسير الصحيح للجان المقاومة وفعلها الثوري الفريد والجديد، حسب علمي وتقديري، على أفريقيا والمحيط العربي، والعالم أجمع، حيث التضحية، والالتزام بالسلمية منذ اندلاع الثورة في 19 ديسمبر 2018 وحتى اليوم، والتمسك بوحدة السودان، والهتاف بشعار الثورة الأساسي: حرية، سلام وعدالة والثورة خيار الشعب، والوعي بوحدة المصير المشترك لشعوب السودان، وتجسيد قيم البناء الجماعي للوطن، والانضباط في توقيت المواكب، هو أننا أمام استعادة ال سودان وليس استرداد السلطة. استعادة السودان المُغيب والمُختطف والذي تم تكييف مساره عبر محطات استعمارية مختلفة، وبموجب سياسات ورؤى وطنية ظلت منحازة منذ الاستقلال ضد بعض الثقافات والجماعات. نحن أمام لحظة تحرير عظمى، نشهد فيها عبر لجان المقاومة الكشف عن طاقة السودان الضخمة، منذ قبل كوش، وتجسيد ال ذاتية السودانية، قبل تشويهها من قبل الاستعمار. لقد استدعت المرأة السودانية الكنداكة من جوف التاريخ السوداني، لتسعفها في النضال من أجل استرداد السودان، وبعث الذاتية السودانية. كذلك نحن لسنا أمام ثورة شعبية اندلعت لاجتثاث نظام سياسي، وإنما أمام بعث جديد للسودان الضخم العظيم بتجاربه التاريخية منذ قبل مينا، موحد الوجهين القبلي والبحري ومؤسس الأسرة الأولى من الممالك القديمة (2925 ق.م.-2775 ق.م.) تقريباً، وحتى اليوم. نحن أمام السودان الضخم، بمبادراته الخلاقة، عبر تاريخ طويل وحتى يوم الناس هذا. كذلك نحن أمام نقد عملي تقوده لجان المقاومة لإرث الدولة السودانية منذ قبل الاستقلال، وأمام نقد عملي، كذلك للمعرفة الاستعمارية في حقبة تاريخ السودان الحديث، والتي جمدت حركة التغيير فيه، وعلَّمت المثقفين الجدل ومنعتهم العمل، وغرست صفوية المزاج، وأفرغت النضال الوطني من شراكة الجماهير وحبسته العطاء في العمل الفوقي، وفصلت الطاقات الإبداعية عن الواقع. كما غيبت روح التضحية والاحتفاء بالخدمة الوطنية، وزرعت الانقسامات وسياسية الثنائية مثلاً، وغير ذلك، كما سيرد التفصيل والتأسيس العلمي لاحقاً. كل هذا يجد النقد العملي اليوم من لجان المقاومة. إن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، لا ينتهي عند الأحزاب السودانية، ولا ينتهي كذلك في إرث الدولة السودانية السياسي ومسارها منذ الاستقلال، وإنما ينتهي في محطات أبعد ذلك، ويجد جذره في نضال الشرفاء من الذين قتلوا، أو سجنوا، أو عذبوا في سبيل الحرية وإحداث التغيير الجذري والشامل. أولئك الشرفاء الأعزاء الذين استشهدوا في سبيل حب السودان، يقول الأستاذ محمود محمد طه "حب السودان من حب الله". ويقول القائد جون قرنق: "السودان هو الذي يوحدنا". إن الوفاء للشهداء والاحتفاء ببعث السودان عبر نضال لجان المقاومة، والحب للسودان يتطلب منا العمل، والعمل، ثم العمل، بتقديم الخدمة العلمية للثورة، ودعم مسارها، بترفيع مستوى الحوار الوطني.. وعبر هذه الخدمة العلمية تتم محاصرة الجهل والقديم، ويتم كذلك تراجع أنصاف المثقفين من أدعياء السياسة وأدعياء الوطنية، عن الصفوف الأمامية. كما تفرض الخدمة العلمية على القادمين بمؤهلات "الجربندية"، وأصحاب التكوين المعرفي الساذج والبسيط أن ينسحبوا من المشهد السياسي، بل قطعاً مع الحصار العلمي سيتبخروا وستتبخر أحلامهم ناحية السماء. ستعالج هذه الورقة موضوعها من خلال التشخيص والتحليل باستدعاء التاريخ، واستصحاب الراهن وآمال المستقبل، حتى نفهم، ولأجل ذلك تهيكلت في المحاور الآتية:
1. فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من التفسير القاصر وتصورات الإرث السياسي. 2. استعادة السودان وليس استرداد السلطة: نحو إعادة تكييف الوطن عبر بعث الذاتية السودانية. 3. تجليات استكمال الاستقلال والنقد العملي للإرث الاستعماري. 4. ملامح المواطن الجديد الذي هو نواة السودان الجديد (المواطن هو الأصل). 5. سودنة المرتكز الحضاري والمسار السياسي. 6. أفكار قديمة وتاريخ جديد يكتبه ويمليه صانعوه. 7. مرجعيات ومغذيات المناخ الثوري: استدعاء المبادرات الخلاقة والنماذج الإرشادية في النضال والسلمية واللا عنف. 8. الهمس بتأثير بعض الأحزاب في لجان المقاومة. 9. نحو علاقة صحيحة وصحية مع لجان المقاومة. 10. اقتراح بحلين حل عاجل وحل آجل (بعث لبيان أصدره الأستاذ محمود محمد طه في 24 فبراير 1965). 11. لجان المقاومة وسودان المستقبل: من القاعدة إلى القمة (مهدوا لهم السُبل لتولي قيادة السودان). 12. معلم الشعوب وأرض الثورات: نحو درس جديد لشعوب العالم في نموذج القيادة الشبابية للدولة.
سيتم التناول لكل محور من هذه المحاور بصورة مجملة مع الإيجاز بما أمكن لذلك.
1. فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من التفسير القاصر وتصورات الإرث السياسي
غنى عن القول إن ثورة ديسمبر المجيدة هي نتاج لتراكم أعمال ثورية عديدة ومتنوعة، وخلاصة لتضحيات كبيرة قدمها طلائع الشرفاء من السودانيين، في محطات مختلفة، وبأشكال متنوعة، عبر تاريخ السودان وحتى يوم الناس هذا. شارك في هذه الثورة الشباب والشيوخ والكهول ومختلف الأعمار والفئات الاجتماعية والخدمية. ولكن الحقيقة التي يجب علينا إدراكها هي أن لجان المقاومة تمثل نموذجاً جديداً في معاني الوطنية وفي الفعل الثوري والسياسي، لنقف جميعاً أمام فاعل سياسي جديد كلية على السودان، بل وعلى العالم أجمع. إن ما تقوم به لجان المقاومة لهو فوق طاقة الأحزاب السودانية، ولا يسعفنا الإرث السياسي السوداني في تفسيره، ولابد من نظر جديد، كما دعا لذلك محمد عشري الصديق (1908-1972)، منذ قبل الاستقلال، وهو يتأمل ويتحدث عن شؤون السودان، ومتطلبات بناء الأمة السودانية. نلتقي مع الحلقة الثانية. ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين بمنتدى الفكرة الجمهورية، وأدار الجلسة الأخ محمود الأمين عبد الغفار، والمحاضرة تتوفر فيديو على هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLkhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk ويسعدني أن أتقدم بخالص الشكر لكل المتداخلين يوم تقديم المحاضرة، وللذين تواصلوا معي بعد ذلك وقدموا ملاحظاتهم وانطباعاتهم عن المحاضرة، وأخص بالشكر الأخت الأستاذة حنان الأمين عبد الغفار، والصديقين الشاعر عفيف إسماعيل، والأستاذ ياسر عبيدي، فلقد عبَّروا كتابة عن شراكتهم في الاحتفاء بالمحاضرة، فبعثوا بانطباعاتهم وملاحظاتهم واقتراحاتهم القيمة، وقد استفدت منها، كما سيرد التفصيل لاحقاً. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: نحو قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة: لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل (البحث عن النسب الفكري والسياسي) (2-7)
بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير خبير سياسي وباحث أكاديمي [email protected] صحيفة التيار، الاثنين 18 يوليو 2022
تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياس ية السودانية. وتزعم الورقة بأن هذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأن الطود الأشم والعيلم المسجور". قدمنا في الحلقة الماضية لمحة عن الواقع الجديد والتعاطي بالأساليب البالية، إلى جانب محاولة لفكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من التفسير القاصر وتصورات الإرث السياسي. وأوضحنا بأنه على الرغم من أن ثورة ديسمبر المجيدة هي نتاج لتراكم أعمال ثورية عديدة ومتنوعة، وخلاصة لتضحيات كبيرة قدمها طلائع الشرفاء من السودانيين، من الشباب والشيوخ والكهول. ولكن الحقيقة التي يجب علينا إدراكها هي أن لجان المقاومة تمثل نموذجاً جديداً في معاني الوطنية وفي الفعل الثوري والسياسي، لنقف جميعاً أمام فاعل سياسي جديد كلية على السودان، بل وعلى العالم أجمع. إن ما تقوم به لجان المقاومة لهو فوق طاقة الأحزاب السودانية، ولا يسعفنا الإرث السياسي السوداني في تفسيره، ولابد من نظر جديد. إن النظر الجديد يتطلب منا العمل على عقلنة الثورة ومسارها، وفكرنة سردية لجان المقاومة، بإخراجها عبر العقل وقراءة التاريخ، من العاطفة السياسية والتحليل الساذج للراهن، حتى نلج المستقبل بالعلم وأداته، وهي العقل. يقول أرسطو إن الماضي لا يمكن أن يغيره أحد، لكن المستقبل حق لنا أن نبنيه، ويمكن أن يتحقق هذا بأن نقيم اختياراتنا على أساس العقل. ويقول الأستاذ محمود محمد طه: "العقل هو القوة الدراكة فينا". وكتب في كتابه: تعلموا كيف تصلون، (1972)، قائلاً: "العلمُ أداتُه العقلُ، والعملُ أداتُه الجسدُ"، ويقول كذلك: "كل مشوار لا يكمله العقل يتمه الجسد تعباً". وحتى يكتمل فهمنا للجان المقاومة وتفسيرها كفاعل سياسي جديد، لابد من إزالة حجاب الجهل عن التاريخ، وقراءة تاريخ السودان حتى نفهم ويكتمل نضج نظرنا الجديد. يقول سيسرو Marcus Tullius Cicero (106 – 43 ق.م)، الخطيب الروماني المفوّه والفيلسوف، كما أورد حسني عايش: “أن تبقى جاهلاً بما حدث قبل ولادتك (أي بالتاريخ) يعني أن تبقى طفلاً في باقي الأيام بعدها". وقراءة التاريخ لا تعني التعاطي مع التاريخ باعتباره دراسة الماضي، وإنما باعتباره أداة من أدوات التغيير. وإذا ما استصحبنا كل ذلك في نظرنا الجديد، فإننا ندرك بأن لجان المقاومة، ليست هي لافتة أو جسم ليتدافع الناس على التفاوض معه واسترضائه، وإنما هي تجسيد لحلم كل ثائر أعدم أو سجن أو تأذى في سبيل التحرير والتغيير، وهي تعبير جماعي عن التوق للحرية والديمقراطية، وهي أمل التحرر من الإرث الاستعماري، وهي انعتاق عن الماضي والقديم. وهي خلاصة الدعوات لإحداث التغيير الشامل والجذري. ولهذا فإن الوعي بلجان المقاومة هو وعي بتاريخ السودان ومساره السياسي ووعي بمتطلبات سودان مستقبل. لقد استدعت لجان المقاومة الذاكرة الثورية السودانية، وهي تبعث السودان بطاقته الحقيقية. ولهذا فإن لجان المقاومة لا تجد تأصيل نسبها الفكري والسياسي في الأحزاب السودانية ومسار الدولة السودانية منذ الاستقلال، وإنما في الذاتية السودانية التي تم تَكْييفُها وَاخْتِطافُها وَتَغْييبُها منذ قبل الاستقلال، في وجهة مناقضة لإرث السودان الحضاري ومصادمة لتكوينه الثقافي، ومناطحة لوجدانه وشعوره وسيرته التاريخية. إن لجان المقاومة ليست نضالاً من أجل استرداد السلطة وإنما حالة وعي شامل، وشراكة نضالية، تداعت لها شعوب السودان بمختلف ثقافاتها، وأديانها، وأعراقها، وألوانها، من أجل استعادة السودان.
1. استعادة السودان وليس استرداد السلطة: نحو إعادة تكييف الوطن عبر بعث الذاتية السودانية
إن المراقب والمتابع لأداء لجان المقاومة في نضالها الثوري، يدرك، خلافاً لما خلصت إليه الأحزاب السودانية والوسطاء والمثقفين، بأن هذا النضال ليس من أجل استرداد السلطة، وإنما من أجل استعادة السودان. إن نضال لجان المقاومة يجب أن يُفهم ويُفسر بأنه نضال من أجل استعادة السودان المُغيب والمُختطف. وبهذا التفسير والفهم نستطيع التعاطي مع لجان المقاومة باعتبارها وعياً بالذاتية السودانية، كما عمل من أجل ذلك، وعبر عن ذلك الكثير من المفكرين السودانيين، لاسيما عبد الخالق محجوب (1927- 1971) الذي قال حينما سأله جعفر النميري (1930- 2009)، رئيس السودان الأسبق (1969- 1985)، والذي أعدمه بعد ذلك، سأل النميري عبد الخالق، قائلاً: "ماذا فعلت للسودان؟"، رد عبد الخالق، قائلاً: "قليلاً من الوعي". إن لجان المقاومة هي تجليات ذلك الوعي الذي قدمه عبد الخالق والكثير من المفكرين والمثقفين السودانيين. وعلينا كذلك أن ننظر إلى لجان المقاومة باعتبارها تجسيداً للذاتية السودانية، حيث أصايل الطبائع التي تحدث عنها الأستاذ محمود محمد طه في الكثير من كتاباته ومحاضراته. تجلت أصايل الطبايع لدى لجان المقاومة في ميادين الاعتصام وفي كل عملهم الثوري، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، عندما طرحوا فكرة جمع الأموال، كان الشعار والمبدأ: "عندك خت/ ضع، ما عندك شيل/ خذ"، وهكذا. كتب الأستاذ محمود محمد طه في أكتوبر عام 1958، قائلاً: "الشعب السوداني شعب أصيل، وأريد بذلك أن الشعب السوداني سليم المعدن، فإذا أحسن صِقالَهُ ظَهَرَتْ نَفَاسته". وكان محمود محمد طه قبل ذلك، وأثناء فترة اعتكافه بمدينة رفاعة (سبتمبر 1948- أكتوبر 1951)، بوسط السودان، قد كتب في صحيفة الشعب، في 27 يناير 1951، قائلاً: "أنا زعيمٌ بأنّ الإسلامَ هو قِبلةُ العالمِ منذُ اليوم وأنَّ القُرآنَ هو قانُونُه وأنَّ السُّودان إذ يُقدّم ذلك القانون في صورتِهِ العمليّة المُحقِّقَة للتّوفيقِ بينَ حاجةِ الجّماعةِ إلى الأمنِ وحاجةِ الفردِ إلى الحرّيّة الفرديّة المُطلقة هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب.. ولا يَهُولَنَّ أحداً هذا القول لكونِ السّودانِ جاهلاً خاملاً صغيراً فإنّ عنايةَ الله قد حفظِتْ على أهلِهِ من أصايِلِ الطّبائعِ ما سيجعلُهُم نقطةَ إلتقاءِ أسبابِ الأرضِ بأسبابِ السّماء". وتجلت الذاتية السودانية في بعث الكنداكة. لقد ظلت المرأة عنواناً لثورة ديسمبر المجيدة، بل يمكننا، من دون مبالغة، أن نطلق على هذه الثورة "ثورة المرأة"، باعتبار ما قدمته من عطاء وتضحية وحضور مستمر. فقد قدمت المرأة السودانية، في شراكة وطنية رائعة ضمن لجان المقاومة، أعظم نموذج إرشادي للثورة من أجل التغيير. تقدمت صفوف الحراك الثوري، وظلت مقيمة في الميادين العامة من أجل استمرار الثورة، وهي تستنهض الشباب والرجال. نتيجة لهذا الحضور القوي استطاعت المرأة السودانية، ليس استدعاء الإرث الثوري في أكتوبر 1964، وانتفاضة أبريل 1985، وطاقة التعدد الثقافي الذي ينعم به السودان، فحسب؛ وإنما استدعت إرثاً حضارياً يعود إلى آلاف السنين، حيث بعثت اسم الكنداكة وجسدته في أفق جديد. أخرجت المرأة السودانية بقوة عزيمتها واصرارها على الانتصار مفردة الكنداكة من جوف تاريخ السودان. إذ لم يكن هناك ما يضاهي ما قدمته المرأة السودانية من بذل وتضحية في الثورة، سوى دور الكنداكة ودلالاتها في معنى الصمود والاستعداد للمواجهة، وتحقيق الانتصار، في حقبة كوش Kush (750ق.م.- 350م). فالكنداكة هو لقب ملوكي يشير إلى "المرأة القوية" أو "الملكة العظيمة"، وأطلق على عدد من الملكات اثنتان منهن كانتا من أعظم ملكات كوش اللائي تميزن بالقوة والحنكة والصلابة والانتصار، وهما الملكة أماني ريناس (40 ق. م- 10 ق. م)، والملكة والحاكمة أماني شاخيتي (شاخيتو) (10 ق.م – 1م). أستطاعت المرأة السودانية من خلال دورها في الثورة أن تحقق بعثاً حضارياً وثقافياً حرمت منه شعوب السودان وظلت منبتة عنه حتى اندلاع الثورة، فاستدعت فيما استدعت الكنداكة. وبهذا يمكن القول بأن المرأة السودانية نجحت في سودنة ثورة ديسمبر المجيدة، وتجذيرها في أعماق التاريخ السوداني. شاعت مفردة الكنداكة، بعد الثورة، في العالم، فاحتفى بها العالم أيما احتفاء، وهو احتفاء لا ينفصل عن الاحتفاء بثورة ديسمبر، الأمر الذي أعاد للمواطن السوداني بعضاً من كرامته في الشارع العالمي. ولهذا علينا التواضع سياسياً أمام لجان المقاومة، وعلينا التعاطي معها ليس بإطلاق الأحكام، والتقييم الظالم، وإنما باعتبارها منجماً للإلهام، ومنبعاً للوعي بالذاتية السودانية، وتجسيداً لأصايل الطبايع السودانية، وهي الميدان لصياغة رؤية سودان المستقبل، حيث استكمال الاستقلال، والتحرر من الإرث الاستعماري، ومن الإرث السياسي للدولة السودانية، الذي هو نتيجة للمعرفة الاستعمارية. ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين وهي متوفر فيديو على هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLkhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk نلتقي مع الحلقة الثالثة. |
| |
|
|
|
|
|
|
Re: عبدالله الفكي البشير،لجان المقاومة:استكم (Re: Yasir Elsharif)
|
Quote: *نحو قراءة جديدة لثورة ديسمبر المجيدة: لجان المقاومة: تجليات استكمال الاستقلال وميلاد المواطن الجديد الأصيل (البحث عن النسب الفكري والسياسي)_ (3-7)*
بقلم الدكتور عبد الله الفكي البشير خبير سياسي وباحث أكاديمي [email protected] صحيفة التيار، 18 يوليو 2022
تسعى هذه الورقة عبر سلسلة مقالات، وهي طرف من كتاب قادم، تقديم رؤية جديدة للتعاطي مع لجان المقاومة، شوكة الثورة وقادتها، وحملة مشعل التحرير والتغيير، وقادة سودان المستقبل. وتأتي الورقة وفاءً لشهيدات وشهداء ثورة ديسمبر السودانية المجيدة، ومؤازرة لكل اللائي تأذين، والذين تأذوا في سبيل الحرية وكرامة الإنسان، من أعداء التغيير؛ من أصحاب الامتيازات والمستبدين والمقيمين في الماضي. وتصب كذلك في الواجب الثقافي والوطني والأخلاقي الذي يستدعي أرواح الشهداء، ويستحضر قيم الثورة. وتسعى إلى الإسهام في الوعي بالراهن، عبر العمل على عقلنة الثورة، من خلال البحث عن النسب الفكري والسياسي للجان المقاومة، ما هي لجان المقاومة؟ وماذا تمثل؟ كما تسعى إلى فكرنة سردية لجان المقاومة وتحريرها من تصورات الإرث السياسي وتأصيل نسبها في الذاتية السودانية، فضلاً عن موضعتها في الخارطة الفكرية والسياسية، باعتبارها فاعلاً جديداً في السياس ية السودانية. وتزعم الورقة بأن هذا الفاعل الجديد "المارد العنيد"، أنتج واقعاً فاق تصورات الأحزاب السودانية، وتجاوز السقف المعرفي للسياسيين السودانيين، وظل مُهمِلاً للمبادرات القادمة من الإرث السياسي البالي، وعصياً على الاحتواء المحلي والإقليمي، ورافضاً للمساومات والتعاطي بالأساليب القديمة. ومع هذا أصبحت حيرة الجميع، من أصحاب المصلحة والمصالح، محلياً وإقليمياً، تتسع وتتفاقم مع صباح كل يوم جديد، أمام مارد صعب المراس، قوي الشَّكيمة، "كأنه الطود الأشم والعيلم المسجور".
3. تجليات استكمال الاستقلال والنقد العملي للإرث الاستعماري منذ استقلاله وحتى اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة، لم يشهد السودان عملاً جماعياً في سبيل نقد الإرث الاستعماري واستكمال الاستقلال، مثلما كان عمل لجان المقاومة. لقد كان عمل لجان المقاومة في كل مراحله وبمختلف وسائله وشعاراته، بمثابة نقد عملي للإرث الاستعماري، ونقد عملي كذلك لمسار السودان السياسي. ولهذا نجدد القول بأن لجان المقاومة ليست هيئة أو جسم يسعى لإسقاط النظام السياسي، وإنما هي تعبير وتوق لبعث السودان بتاريخه التليد ومبادراته الحضارية الضخمة، في أفق جديد. ويتجلى ذلك في لجان المقاومة باعتبارها حالة يقظة تعيشها شعوب السودان، وهي في تحرر من المعرفة الاستعمارية، وتجاوز لمبادئ الأحزاب السودانية ورؤاها المنحازة والركيكة، وهي أيضاً في حالة تبرأ من الإرث السياسي للدولة السودانية. لقد ظهرت كل تلك المعاني عند لجان المقاومة في قيم جديدة، ومفاهيم جديدة، وروح وطنية جديدة، وأساليب جديدة في التعاطي مع الوطن. وكل هذه المعاني كان الاستعمار قد زيفها وأفسدها في الجرعات التعليمية التي تناولها طلائع المتعلمين الذين قادوا الدولة السودانية بعد الاستقلال. تحدث الأستاذ محمود محمد طه في أكتوبر 1958 في مقال له بعنوان: "نظرات في السياسة الداخلية والخارجية"، وتحت محور بعنوان: "نحن شعب بلا سياسة"، قائلاً: إن ساسة الشعب السوداني منه "وهم بذلك يشاركونه أصالته، إلا أن سادتهم [الإنجليز]، قد زيفوهم وأوسعوهم تزييفاً.. علموهم فأفسدوا تعليمهم وربوهم فأساءوا تربيتهم ولم تكن روح الخدمة العامة ولا روح التضحية ولا روح الوطنية الحقة عنصراً من عناصر تعليمنا ولا عاملاً من عوامل تربيتنا على يد مستعمرينا.. وما يمكن لها أن تكون ثم أن حركتنا الوطنية لم تمتحن بما يعمق هذه المعاني عندنا ويعيد تعليمنا على هداها". لقد ساهم الاستعمار في تعطيل الطاقات وتجميد حركة التغيير كما أشار لذلك عبد الرحمن عبد الله، فقد كتب في كتابه: السودان: الوحدة أم التمزق، ترجمة الفاتح التجاني (2002)، قائلاً: "وفي حقيقة الأمر فإن الميراث البريطاني الإداري لم يشفع للسودانيين لمواصلة الحكم بفاعلية، وكما حدث في الهند فلقد أرسوا دعائم حكم القانون، ولكن، ورغم المظهر الخارجي، كما قال نهرو (جمدوا حركة التغيير)". لقد خرج الاستعمار في الأول من يناير 1956 بينما ظل الإرث الاستعماري ماثلاً في واقع السودان السياسي والثقافي والاجتماعي، بل يمكننا أن نذهب أبعد من ذلك، ونقول بأن المعرفة الاستعمارية لا تزال تسيطر على العقول، وبالتالي فهي لا تزال تتحكم في مسار السودان. كان الأستاذ محمود محمد طه قد تحدث عن هذا المعنى في كتابه: الدعوة الإسلامية الجديدة (1974)، قائلاً: "نحن حتى الآن مستقلون سياسياً، مستعمرون فكرياً"، وليس لدينا سوى الثقافة الغربية، وهي الثقافة التي تستعمرنا، فقد "أخرجنا مستعمرينا من أرضنا، وهي لا تزال تستعمر عقولنا" . يتجلى الإرث الاستعماري في العديد من المجالات في السودان، ولا يزال حاضراً وبقوة. كان عبد الرحمن عبد الله في كتابه، آنف الذكر، آثار الاستعمار وتمكنها من الحياة السودانية، فتحدث مشيراً لحديث بازل ديفيدسون (1910-2014)، الذي لمع اسمه منذ عام 1951 كمؤرخ بريطاني، وكان قد عمل إدارياً في المستعمرات البريطانية، ونشر العديد من الكتب عن أفريقيا. منها: Africa under new lights أفريقيا تحت أضواء جديدة (1958)، الذي عكف على ترجمته الدبلوماسي السوداني جمال محمد أحمد (1915-1986)، قال ديفيدسون: إنه في أغلب الحالات في المستعمرات "فإن التعليم كان من أجل تثبيت الأمر الواقع، والأمر الواقع الاستعماري على وجه التحديد" وأن نفوذ من احتلوا المواقع استمر "لأن المكاتب التي جلسوا عليها، هي نفسها المكاتب القديمة، وكذلك الملفات التي يعملون عليها، فقد تغيّر الحكام ولم تتغير مؤسسات الحكومة الكولونيالية". وتحدث محمد عمر بشير (1926-1993) في كتابه: تاريخ الحركة الوطنية في السودان (1900- 1969) عن مخلفات التعليم الاستعماري، قائلاً: "والتعليم الذي حظي به المتعلمون لم يستطع أن يطور ملكاتهم النقدية. إذ خَلَّفَ اتجاهاً عقلياً يبلغ في دركه الأسفل الحسد. وفي أحسن صوره إحساساً بالانحراف صوب السفسطة والرومانسية". وهذا ما عبَّر عنه جيمس روبرتسون، كما أورد عبد الرحمن عبد الله، حين كتب روبرتسون، قائلاً: "إن النظرة للسودانيين المتعلمين كانت ملأى بالشك، ولم يكن يسمح لهم بالتعبير عن أفكارهم، كما لم يهيئوا لمهام مستقبلية". وهذا ما أكده عثمان سيد أحمد إسماعيل البيلي (1930- 2011) عندما تحدث عن آثار التعليم الاستعماري وخطورة الجرعات المعرفية التي تشربها مثقفو الدول المستعمَرة، ولم يستثن بني جيله، حيث قال إنهم تشربوا معرفة "علمتهم الجدل ومنعتهم العمل". ولعل الشغف بالجدل وقلة العمل عند المثقفين السودانيين أمر واضح، ولا يزال حاضراً، وقد توارثته الأجيال منذ جيل طلائع المتعلمين الذي تعلم وتربى في مدارس الاستعمار. واليوم تشهد هذه المعرفة الاستعمارية، والإرث السياسي، أكبر عملية نقد عملي في لوحة ثورية مدهشة، تقدمها لجان المقاومة، وهي تقود أوسع عمليات التحرير والتغيير، وتبعث بالمواطن الجديد الأصيل. ويمكن تناول ذلك من خلال العديد من القيم الجديدة، والمفاهيم الجديدة، والروح الوطنية الجديدة، منها: *3- 1. حب الوطن عند لجان المقاومة يكتسب معناً وطعماً جديدين التضحية في سبيل الوطن تمنع الانتهازية في الممارسة السياسية* لقد تجلى النقد العملي للمعرفة الاستعمارية، والتجسيد للمعاني الجديدة في حب الوطن، في التضحية التي قدمها الشباب السوداني، نساءً ورجالاً، وفي مقدمتهم لجان المقاومة، خلال ثورة ديسمبر المجيدة. كان مستوى التضحية التي قدمها هؤلاء الشباب، من البنات والأولاد، أمراً مدهشاً وجديداً في تاريخ السودان منذ استقلاله. استعداد تام لمواجهة الموت، ليس رغبة في الموت، وإنما إيماناً بعدالة قضيتهم، وبأي سلاح؟ بسلاح السلمية، مع ثبات في سبيل المبادئ والأهداف الثورية، وهم يستقبلون الموت برباطة جأش متناهية. وهذا ما لم يتربى عليه القادة والسياسيين من طلائع المتعلمين ومن جاء بعدهم، كما وردت الإشارة. فخلو الإرث السياسي من التضحيات في سبيل مواجهة الاستعمار، وغياب التضحية في سجل القادة والسياسيين في سبيل الاستقلال، أوجد الانتهازية لدى قادة الحركة الوطنية، كما يرى محمود محمد طه. فغياب التضحية، عنده، يعني تفشي الانتهازية. فقد تحدث في ديسمبر 1968، قائلاً: "إن التضحية تمنع الانتهازية في الممارسة السياسية". بينما نشهد اليوم تضحية نادرة المثيل لدى لجان المقاومة. وبهذا المستوى من النبل والصدق في التضحية من أجل الوطن، فإننا أمام معنى جديد، وقيم جديدة، وروح وطنية جديدة، ساهمت وبقوة وبجلاء في التحرر من المعرفة الاستعمارية، ولا شك في أنها ستشكل ملامح مستقبل السودان في أفق جديدة. 3- 2. من صفوية المزاج وعوف البيئات المحلية إلى الشراكة والالتصاق بالواقع تفصل بين النخبة السودانية وواقع شعوبها، فواصل وحواجز سميكة وكثيفة، يسهل تتبع مظاهرها وجرد مآلاتها وآثارها. كانت النخبة السودانية، ولا تزال، ذات مزاج صفوي نتيجة للمعرفة الاستعمارية، ومترفعة عن الواقع السوداني. لقد أشار الدكتور محمد سعيد القدال (1935-2008) إلى المزاج الصفوي لدى النخبة، وإلى عملها الفوقي. وتناول أثرهما في نشأة الحركة الوطنية السودانية في بواكير القرن العشرين، وإلى دورهما في علاقة المثقفين بالجماهير وحركة المجتمع. وقد تحدث عنها في أربع كتب من كتبه، هي: الانتماء والاغتراب، دراسات ومقالات في تاريخ السودان الحديث (1992)؛ والإسلام والسياسة في السودان (1651م-1985)، (1992)؛ ومعالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، (1999)؛ وتاريخ السودان الحديث 1820-1955، (2002). كما تحدث البروفسير محمد إبراهيم أبو سليم (1927-2004) في دراسته عن محمد أحمد المحجوب والتي ضمنها كتابه: أدباء وعلماء ومؤرخون في تاريخ السودان، (1991)، عن ضعف دور وأثر المتعلمين في المجتمع، وعن العوامل التي أدت لذلك الضعف. وقال واصفاً المحجوب: "كان مترفعاً على الناس لاحساسه القوي بتفوقه ومقدراته ومكانته، ولأنه لا يؤمن إلا بالخاصة، وهم المثقفون عموماً والعلماء خاصة...". أيضاً، وسم الدكتور عبد الله علي إبراهيم إحدى مقالاته بوسمٍ تضمن وصفاً لعلاقة النخبة بالواقع، حيث كان: "صفوتنا: ضيوف ثقلاء على الواقع" (12 فبراير 2010). وقال ضمن حوار تلفزيوني بقناة النيل الأزرق الفضائية: هناك الكثير من الشواهد التي تُبين أن هناك فجوة كبيرة بين الصفوة وبين مزاج غمار الناس (13 أبريل 2010). وقال الدكتور منصور خالد (1931- 2020) في شأن النخبة السودانية الكثير والكثير. نلتقي مع الحلقة الرابعة. ملاحظة: كانت نواة هذه المقالات محاضرة قدمتها بنفس العنوان مرتين وهي متوفر فيديو على هذا الرابط: https://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLkhttps://www.youtube.com/watch؟v=CgmifWpwVLk 4 |
| |
|
|
|
|
|
| |