:: قبل أسبوع، وبعد أن كشفت الصحف بعض مصادر الفوضى والعبث، أصدر مجلس الوزراء قراراً تحذيرياً صائباً بعدم اعتماد شهادات الصيدلة لغير الصيادلة .. وكانت هناك شهادات صيدلة صادرة عن بعض مراكز التدريب، بحيث يتحصل عليها الدارس بعد فترة دراسة لا تتجاوز ثلاثة أشهر فقط لاغير..ولم تكن المراكز - التي تم التأكيد على عدم الاعتراف بشهاداتها - تستهدف الصيادلة الذين تخرجوا في كليات الصيدلة، بل كانت تستهدف كل مواطن (يفك الحرف) ويدفع الرسوم..!! :: نعم، في بلادنا فقط، بعد ثلاثة أشهر فقط لا غير - وهي فترة الدراسة المسماة بالكورسات ببعض مراكز التدريب - كان يتم تخريج البعض، ليتسربوا إلى الصيدليات والمشافي، ثم يحترفوا مهنة الصيدلة ويعرِّضوا صحة وحياة الناس الى المخاطر .. هذا ما كان يحدث رغم أنف قانون الصيدلة الذي يمنع أي شخص غير الصيدلاني المسجل قانوناً عن مزاولة مهنة الصيدلة، بيعاً وتركيباً.. ولقد أحسن مجلس الوزراء عملاً بهذا القرار التحذيري لحماية المرضى ومهنة الصيدلة..!! :: ولكن يبدو أن تجفيف كل مصادر الفوضى في القطاع الصحي بحاجة إلى (إعلان طوارئ)، وليس محض قرار يصدره مجلس الوزراء بعدم الاعتراف بشهادات تلك المراكز أو غيرها.. وعلى سبيل المثال للعبث -المعترف به حكومياً- نقرأ هذا الإعلان الغريب كأنموذج لعشرات الإعلانات التي تُنشر تحت سمع وبصر السلطات المسماة بالرقابية، إذ يقول نص الإعلان : ( الاتحاد السوداني للعشَّابين بالتنسيق مع مركز .. للتدريب الاحترافي، يعلنان عن دبلوم النباتات الطبية ودبلوم الحجامة وماجستير الطب التكميلي و دكتوراه الطب التكميلي..!! :: بهذه التخصصات النادرة ، والتي لا وجود لها إلا في السودان، حيث موطن تغييب القانون ، يستهدف المركز ممارسو الطب التقليدي و ممارسو الحجامة وغيرهم من أصحاب (مهنة من لا مهنة له) .. ومدة الدراسة في هذا المرافق المسماة بالتعليمية حسب الرغبات الآتية : ( الدبلوم المهني ثلاثة أشهر، والماجستير المهني أربعة أشهر للتمهيدي وستة أشهر للبحث، والدكتوراه المهنية أربعة أشهر للتمهيدي و ستة أشهر للبحث).. و لم يرد في الإعلان شروط نيْل درجة (الأستاذية)، أو ربما يصبح صاحب الدكتوراه في الحجامة (بروفيسور) بعد أن يتخصص في تحويل المرضى إلى (المقابر)..!! :: والمؤسف أن مصادر هذه الإعلانات هي مراكز تدريب معترف بها رسمياً، بدليل رسوم التصديق التي يدفعها أصحابها للسلطات الحكومية (سنوياً).. ومن المدهش أن الوزارة المسؤولة عن هذه المراكز اسمها وزارة (التنمية البشرية) .. وهذا يعني أن من التنمية البشرية تشجيع المواطن لدراسة الدكتوراه في الحجامة ، أو ماجستير في الكي بهذه المراكز.. ثم يتخرج بعد أشهر دجالاً أو (مستهبل).. وفي مناخ العبث قد يفتح هذا المواطن عيادة عليها لافتة (الدكتور حسين جابر أبوشامة، استشاري كل الأمراض وماجستير الحجامة بمركز الوهم السوداني ..!! :: وعليه، يبقى السؤال لوزارة التنمية البشرية والسلطات الولائية، لماذا تكاثرت هذه المراكز ونشط أصحابها بحيث يكاد يكون في كل شارع مركزاً لتدريب العشابين أو مركزاً لتوزيع الدكتوراه والماجستير أو عيادة أو شركة تعلن عبر الفضائيات والصحف ثم تبيع الوهم والمرض للناس بعلم السلطات الرقابية وغفلة القوانين؟.. وهل بلادنا، لينهض شعبها، بحاجة إلى مراكز للتعليم والتدريب المهني في مجالات الكهرباء والحدادة والميكانيكا وغيرها من (المهن الحيوية)، أم بحاجة إلى أوكار العبث المسماة بمراكز لتدريب وتعليم ( علوم الحجامة وفنون الدجل) ..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة