بقي الرئيس ترامب وفيّا ً لتقلبه وتخبطه المألوف في تقريبا ً كلّ قضيّة تواجهه عندما صرّح خلال مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلا ً: “إنني أتطلّع لحلّ الدولتين ولحلّ دولة واحدة، وأنا أرغب الحلّ الذي يرغبه الطرفان …وأستطيع أن أعيش مع أيّ منهما”. وبتصريحه هذا، أعطى ترامب نتنياهو ما كان يأمل في الحصول عليه، أي إسقاط حلّ الدولتين. ولتحقيق ذلك، فإن ترامب – كما يُقال – ينظر إلى خيارات أخرى قد تضمّ الدّول العربيّة التي تتشارك حاليّا ً مع إسرائيل بمصالح إستراتيجيّة متبادلة لتشكيل جبهة موحّدة ضدّ عدوّها المشترك، وهو إيران، وذلك لتقديم المساعدة في التوصّل إلى حلّ للقضيّة الفلسطينيّة.
وللتأكيد، كلا الزعيمان اللذان الآن في ورطة – فنتنياهو يخضع لتحقيقات جنائيّة متعددة تتعلّق بالفساد، وترامب يُهاجم من كلّ زاوية تقريبا ً لتصريحاته الشنيعة وتناقضاته وإطلاقه العنان لنزواته ورغباته – وجدا العزاء والسلوان مع بعضهما البعض.
عاد نتنياهو إلى بلده بشعور أنه منتصر حيث أنه استطاع كما يبدو أن يثني ترامب عن فكرة حلّ الدولتين، هذا في حين أنّ ترامب قدّم نفسه على أنه رجل دولة قادر على التفكير خارج حيّز ضيّق بالنطر إلى سلام ٍ عربي – إسرائيلي شامل يستطيع من خلاله صياغة حلّ للصراع الفلسطيني.
وبالرغم من أنّ مدير وكالة الإستخبارات الأمريكية (السي.آي.إيه) مايك بومبيو قد التقى بالرئيس الفلسطيني محمود عبّاس قبل يوم ٍ واحد من المؤتمر الصحفي، فقد تمّ إعلامي من طرف مسؤول أردني رفيع المستوى في عمّان بأن عبّاس كان واضحا ً تماما ً خلال الإجتماع بأنه ليس هناك أي بديل الآن وفي المستقبل لحلّ الدولتين على أساس مبادرة السّلام العربيّة. إضافة ً إلى ذلك، فقد أشار عبّاس بأن موقف حماس من حلّ الدولتين لا لبس فيه وأنّ قطاع غزة والضفة الغربيّة في أيّ حال من الأحوال يجب أن يشكلا دولة فلسطينيّة واحدة.
وفي حين إدّعى نتنياهو مرارا ً بأنه ما زال يؤمن بحلّ الدولتين، فإنه أثناء اللقاءات العديدة التي أجراها مع وزير الخارجيّة الأمريكي السابق جون كيري (بما فيها إجتماع مشترك مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبدالله الثاني في العقبة في شهر شباط / فبراير من العام الماضي 2016) والتي عرضت عليه من خلالها خطة سلام شامل، غيّر مرارا ً وتكرارا ً موقفه.
يدّعي نتنياهو عادة ً بأن شركاءه من الجناح اليميني المتطرّف يعارضون قيام دولة فلسطينيّة تحت أي حال ٍ من الأحوال وبأنّ حكومته ستنهار إذا سعى بحيوية ونشاط وراء هذه الفكرة، وكأنّ ليس باستطاعته تشكيل حكومة جديدة بأحزاب ٍ من اليسار والوسط التي تلتزم بحلّ الدّولتين. وبالرّغم من ذلك، فقد استمرّ في ترديد أغنية الدولتين للإستهلاك العامّ وللتخلّص من لوم إدارة الرئيس السابق أوباما.
وبصرف النّظر عن الأفكار التي “طبخها” نتنياهو وترامب معا ً، شيء واحد يبقى أكيدا ً: ليس هناك بكلّ بساطة حلّ واقعي آخر للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني غير حلّ دولتين مستقلتين، واحدة يهوديّة والأخرى فلسطينيّة.
وتطبيق هذا الحلّ لا يضمن فقط الحفاظ على إسرائيل كديمقراطية بهوية وطنيّة يهوديّة، بل يلبّي في نفس الوقت طموحات الفلسطينيين في إقامة دولة خاصّة بهم. وفحص دقيق لبدائل أخرى محتملة تحوم هنا وهناك أثبت أنّ ليس لها أيّ أساس على أرض الواقع. فالأردن ليس دولة فلسطينيّة ولن يكون يوما ً ما كذلك (على حدّ زعم بعض الإسرائيليين) لأنّ المملكة الهاشميّة ستقاوم ذلك بكلّ ما أوتيت من قوّة. ودولة ثنائيّة القوميّة هي قبلة الموت للحلم الصهيوني. وإقامة دولة فلسطينيّة في قطاع غزّة مع ضمّ معظم أراضي الضفة الغربيّة إلى إسرائيل فكرة غير قابلة للتطبيق أبدا ً وغير جديرة بالبحث، وإقامة إتحاد كونفدرالي ما بين إسرائيل والأردن وفلسطين هو أمل ٌ كاذب أو بالأحرى مشروع في الخيال. وأخيرا ً حشر الفلسطينيين في الضفّة الغربيّة في كانتونات لإدارة شؤونهم الداخليّة في حين تحتفظ إسرائيل لنفسها بالسيطرة الأمنيّة سيُقاوم بعنف من قبل الفلسطينيين إلى حين زوال الإحتلال.
صحيح أنّ الدول العربيّة تنظر لإسرائيل الآن على أنها حليف محتمل في وجه التهديد الإيراني، وقد يكون هناك فرصة تاريخيّة لحلّ الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني في سياق سلام ٍ عربي – إسرائيلي شامل، غير أنّ هذه الفرصة قابلة للتطبيق فقط في سياق مبادرة السلام العربيّة.
يتمثّل المطلب الرئيسي لمبادرة السّلام العربيّة في تسوية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس حلّ الدولتين، الأمر الذي قد يؤدي بعد ذلك لسلام ٍ إقليمي. وبالفعل، عند تبنّي إسرائيل أولا ً مبادرة السّلام العربيّة ستقوم الدول العربيّة بتقديم دعمها لحلّ الدولتين بممارسة ضغط ٍ على الفلسطينيين للقيام بالتنازلات اللازمة للتوصّل إلى اتفاقية سلام.
وأولئك الذين يدّعون بأن حلّ الدولتين قد تجاوز وقته وأنه ينبغي البحث الآن عن أفكار جديدة ومبدعة، يجب أن يعلموا بأنّ العديد من الأفكار الجديدة قد أخذت بعين الإعتبار، ولكن ولا واحدة منها، على أية حال، إستطاعت أن تقدّم حلاًّ يلبي مطالب الإسرائيليين والفلسطينيين في إقامة دولتين، مستقلّة وديمقراطيّة، تتمتعان بهويّات وطنية، يهوديّة وفلسطينيّة.
لقد وجد نتنياهو في ترامب شريكا ً في التآمر، فلدى كلاهما سجلّ حافل ومُثبت من الحديث بلسانين والتضليل وفي كثير ٍ من الأحيان الكذب المكشوف. كلاهما أعماه تعطشه للسلطة وهما مستعدان لقول أيّ شيء من أجل إرضاء دوائرهم الإنتخابيّة قصيرة النظر. ليس لأيّ منهما البصيرة أوالشجاعة لكي يسمو فوق التحيّز، ولا شيء قالاه معا ً يتفق مع الحقيقة الصلبة التي اختارا تجاهلها.
وما أظهراه الإثنان، نتنياهو وترامب، خلال مؤتمرهما الصحفي لا يعدو أن يكون سوى عربدة ً في الأوهام يجدان فيها حيّزا ً للعزاء أو الراحة لهما، هذا في حين يتركان الشعبين، الإسرائيلي والفلسطيني، لمستقبل ٍ غامض ومنذر ٍ بالسّوء.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة