والله أنّي لمندهش لحال الإمام الصادق المهدي الذي يضطرك خلقه الرفيع ، مهما تباعدت موافقكما السياسية ، إلى احترامه والذي لم يعان في حياته الطويلة من عجز تام عن رؤية ما يحيط به وبالوطن من أخطار كالذي يعاني منه الآن ربما لأنه لا يعلم أن الأرض تميد تحت قدميه وتهتز وأن الظرف السياسي يمور بأحداث جسام كان بمقدوره ، إن أراد أن يكون المركز الناظم لخيوطها يحركها حيث يشاء، ولكنه للأسف اختار أن يشل حركته ويرهن نفسه لأعدائه الإستراتيجيين. نسي الرجل أن الطبيعة لا تقبل الفراغ فقد نهض البلدوزر مبارك الفاضل بالدور الخطير فهو ، على العكس من الإمام ، رجل يعرف من أين تؤكل الكتف وكيف يملأ الفراغ ويا له من فراغ ذلك الذي تركه الإمام بغيابه الطويل. لو كان غياب الإمام لشهر أو أشهر قليلة لاحتملته الساحة السياسية المتخمة بالأحداث أما أن يغيب السنوات ذات العدد عن مشهد يضج بالأحداث ظانا أن بمقدوره أن يتحرك ويحرز الأهداف من خارج الملعب المحتشد بالنجوم فإن ذلك لا يعني شيئاً سوى أنه اختار الانتحار السياسي. ها هو البلدوزر نهّاز الفرص بخبرته وقدراته الكبيرة يوشك أن يقتلع المهدي من أهم مؤسسات الحزب مُوظِفاً أخطاء كارثية ارتكبها الإمام الذي لم يتخلص من عيوب مركوزة في شخصيته التي كثيراً ما تعجز عن اتخاذ القرار الملائم في الوقت المناسب وعن الحسم الناجز حين تشتد الحاجة إلى ذلك. لم ندع معرفة بالغيب حين كنا نتحدث عن أجندة عرمان وما يضمره من كيد لهذه البلاد ولهويتها مما ظل يتنزل بتفاصيله وحيثياته على المشهد السياسي، فقد كنا على علم تام بمشروعه العنصري القديم الذي لم يتغيّر ولم يتبدّل منذ أيام الوحدة الملعونة مع جنوب السودان بقيادة زعيمه قرنق الأمر الذي يسّر لنا التنبؤ بكل ما يفكر فيه من شر مستطير. لا نزال نحكي عن ذلك الشريط السري (الفضيحة) الذي أخزى الله به الحركة الشعبية كما أخزى أردول تابع عرمان والناطق باسمه حين كشفه للملأ والذي قال فيه لمحدثه في الهاتف الآخر إن من يتحالفون معهم من قوى نداء السودان لا يعتد بهم وسيغيّرونهم ويبقون على حلفائهم الحقيقيين من الشيوعيين فقد كانت عبارته كما يلي : (ديل احتمال كلهم يمشوا ويفضل لينا ناس أبوعيسى)، ثم أضاف إلى حلفائه الاستراتيجيين عبدالواحد محمد نور رفيقه الشيوعي الآخر الرافض للسلام. لم يتخل عرمان في يوم من الأايام عن الحزب الشيوعي مذ كان طالباً في جامعة القاهرة فرع الخرطوم التي غادرها هرباً بعد فعلته الشنعاء وهو لما يزل طالباً ليلتحق بتمرد قرنق في منتصف ثمانينات القرن الماضي والذي كان وقتها يتبنى مانيفستو ماركسياً بالتناغم مع الرئيس الإثيوبي مانغستو هيلي مريام الذي كان وقتها داعماً لقرنق. لم يكتف عرمان بكشف تحالفه الاستراتيجي مع رفاق الفكرة والمرجعية إنما كشف كذلك أن تحالفه مع قوى نداء السودان ممثلاً في الصادق المهدي وحركتي دارفور جبريل ومناوي لا يعدو أن يكون أمراً تكتيكياً مؤقتاً يستخدمهم فيه (كمناديل ورق) لتحقيق أهداف مرحلية ومن ثم يرمي بهم في سلة المهملات تماماً كما فعل زعيمه قرنق حين امتطى التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة السيد محمد عثمان الميرغني قبل نيفاشا حماراً ذلولا منحه الشرعية لخوض معاركه في الشمال بل في مناطق نفوذه في شرق السودان ولاحتلال همشكوريب التي أطفأ فيها نار القرآن الكريم ثم ربط قرنق حمار التجمع في العراء خارج بوابة نيفاشا ليدخل لوحده ويحصد ثمار تلك الاتفاقية المشؤومة. لم يستفز الإمام ، ويا للعجب ، شريط أردول الذي ما كان محتاجاً إليه ليعرف توجهات عرمان واستراتيجيته فهو يعلم تماماً ما يضمره الرجل وزعيمه قرنق وقد خاض معهما معاركه السياسية من قديم بل تبادل مع قرنق الخطابات الملتهبة وكتب وحاضر عن مشروعهم العنصري البغيض ولكن ماذا نقول غير (المكتولة ما بتسمع الصايحة). ثم جاءت تلك الإهانة الصادمة التي تلقتها (المنصورة) من عرمان حين رفض أن تتولى مهمة التنسيق مع الآلية الأفريقية برئاسة امبيكي بالنيابة عن تحالف نداء السودان بحجة أنها ليست أهلاً لثقته في وقت عين فيه عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني رئيساً للتفاوض عن نداء السودان. (البلدوزر) الذي يجيد الضرب فوق الحزام وتحت الحزام لم يفوّت الفرصة ليثأر لكرامة حزب الأمة الذي رضي له الإمام الدنية (والمرمطة) على يد عرمان فقد كان ذلك مما أغضب حتى غير المنتمين لحزب الأمة من أمثالنا فكيف بجماهير وقيادة حزب الأمة التي ظلت تتلقى الطعنات واللطمات من عرمان ولا تفهم منطلقات الإمام البعيد عن الساحة ولا ما يمسكه عليه عرمان ويلجمه به عن الانتصار لكرامته المهدرة. إنّي لأنصح الإمام الصادق المهدي أن يعود إلى وطنه فوالله إنّه الخاسر الأكبر من غيابه الطويل ولن يستطيع أن يقنع جماهيره بالتحالف مع عرمان حتى لو لم يكن متناقضاً معه فكرياً وسياسياً، أما أن يرهن نفسه وحزبه ووطنه لهذا (الرويبضة) فإنه سيزري بتاريخه ومستقبله السياسي وبحزب الأمة ذي المرجعية الإسلامية التي ما قام مشروع قرنق وعرمان إلا للقضاء عليها. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة