الفساد هو ادماج الذمة المالية للدولة بالذمة المالية للأفراد .ولكن هل يمكن القول بأن هذا الادماج مخالف للقانون ام لا ؟ في ظل الأنظمة الدكتاتورية لا يمكننا التعويل على القانون لأن القانون بيد النظام نفسه ؛ فالقوانين إما ناقصة بحيث لا تشمل صورا من الأفعال المشكلة للفساد كالقانون الجنائي السوداني الذي به نقص كبير في هذا الصدد ، أو تسن التشريعات بحيث تتيح الافلات من العقاب كما هو قانون الثراء الحرام الذي يتيح للفاسدين التحلل من جريمتهم عبر مصالحة مالية. ولذا لا يمكننا في هذا الموقف الذي تنتقص فيه المحاصرة الجنائية أن نعول في تعريف الفساد على مخالفة القانون ؛ فالقانون إما ناقص أو موضوع بحيث يؤدي الى إفلات الجناة من العقاب. ولذلك فما علينا سوى الاكتفاء بأن دمج الذمم المالية يخالف الضمير العام أو إذا جاز لنا التعبير القانون الطبيعي وفق خصائص دولة القانون والمؤسسات. لقد تعالت الدعوات لمكافحة الفساد ولكن بالتأكيد كانت الإستجابة لا ترقى الى الجدية المعقولة ؛ بل أن هناك من طالب الشعب بأن يقدم دليله على الفساد إلى المحكمة!!! ولي في هذا الزعم وقفة ؛ فمن المعروف أن هناك مبدأ قانوني وهو أن المتهم بريئ حتى تثبت إدانته ؛ يترتب على هذا المبدأ أن المتهم ليس عليه إثبات عدم ارتكابه للجريمة بل على النيابة العامة أن تبادر هي لتقديم الدليل ضد المتهم وبعدها يتحول عبء الاثبات إلى المتهم الذي عليه إثبات عدم اقترافه للجريمة وكلما قدمت النيابة دليلا كان على المتهم نقضه بدليل آخر ، إلا أن هذ القاعدة لها استثناء وهي مايسمى بجرائم الإشتباه حيث يضع الشخص نتيجة لسلوكه نفسه موضع الشبهة فيخلق قرينة أولية على اقترافه الجريمة وبالتالي يكون عبء إثبات نفيه للجريمة عليه هو ؛ كما لو أن شرطيا لمح شخصا ما يحمل أسلحة عبارة عن سيوف وسواطير وخلافه وملابسه ملطخة بالدماء هنا يكون على هذا الشخص توضيح موقفه فإذا أثبت أنه جزار فقد نفى الشبهة عنه وهذا ما يجعل جرائم الفساد من جرائم الاشتباه حيث تمتلئ الذمة المالية فجأة أو عقب تولي الشخص لمنصب حكومي ؛ هنا يخلق الوضع الظاهر شبهة على هذا الشخص ويكون عبء اثبات المصادر الشرعية لماله عليه هو وليس على النيابة التي تمثل الشعب ؛ إذا ؛ فعندما نتحدث عن فساد يكون من نافل القول أن الشعب ليس عليه أن يقدم دليلا بل على المسؤول الذي تغيرت أحواله فجأة هو أن يقدم دليله . ولذلك فإن تقديم المسؤول منذ توليه منصبه لقائمة ممتلكاته يؤدي الى نفي الشبهة عنه أما تقديم قائمة بالممتلكات بعد أن يتولى المنصب بسنوات فلا ينفي الشبهة المعقولة عنه ؛ وهناك سببان لثبوت عبء الاثبات على المشتبه به الأول هو ماذكرناه من أن دخول مال غير معلوم المصدر يعد شبهة تنقل عبء الإثبات الى عاتق المشتبه به والسبب الثاني أن من يدعي مشروعية مصادر المال هو الأقدر على تتبع هذه المصادر . ولكن وبكل وضوح فإن مكافحة الفساد في الأنظمة الدكتاتورية يكون من الصعوبة بمكان ؛ ذلك لأن الفساد يكون هابطا من أعلى إلى أسفل وليس العكس وتكون محاولات تجميل النظام صورية ؛ وهي هابطة لأن أي نظام دكتاتوري يعمل على السيطرة على مقدرات الدولة وثرواتها ؛ ويكون الفساد جزء من سياسات الفرد أو الجماعة الحاكمة وبالتالي فإن المكافحة الوهمية الصورية تقع على المسؤولين الأقل شأنا داخل النظام . أما في الدول الديموقراطية فإن الرقابة الشعبية عبر منظمات المجتمع المدني والسلطة الرابعة أي الصحافة تكون قادرة على كشف شبهات الفساد . وتكون من ثم الارادة السياسية للمكافحة حقيقية لأنها نابعة من الرقابة الشعبية نفسها .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة