|
التَــرَسْ... (قصة احتضار قرية)! (Re: عمر التاج)
|
(0) مدخل: ودَّاها فوق قُوز الرماد كان ظنُّو يوم يومين تلاتِة المُوية تنزِل والبحرْ يشرد شُراد يفضل تَرا يبراهُو بالسلُّوكة من ورا والخير يعم يرقد رقاد ويبقى الخراب دا رهاب رِهابْ عِبرة وحكاوى بتنحكي بلدك مِتلْ كمِّين بلادْ بدت الدقون فيها الخَتَا نجَّس تراها المُتْرَفين كِترتْ مواعين الفسادْ وكان كلمة الإسلام غُتـَا جاتْ الَلَتْ الله وشالتا كان ظنُّو يوم يومين تلاتِة مشى السِبُوع والتاني جا والمُوية كلما ليك تزيد ويقلْ رجا قوز الرمادْ الكان قِريْب فات بعيد بقى ماب تخُوجْ قوز الرمادْ يا الضوْ فِضِلْ جزيرِة ضاربْ فيها مُوجْ يا الضوْ بِيُوت الناسْ حياتا مَبشْتَنة الحِلّة كلَّها في البحَرْ كَسَر البحرْ ولاَّ انتَحَرْ قلبْ المياهْ واِنكبَّ قَبَلَكْ وحْدَكْ ضاضاك فِ بلدكْ شرَّدَكْ ما أعتى حربك يا بشرْ إنت الغريبْ والموج يشيل غادي ويجيبْ والباقي كلُّو مقابلاتْ ضِدْ القوانينْ البدِيلَة اليَسْوَى ما يسْوَى الرَزِيلة جهنمْ الجنَّة الفَضِيلة ولا خَتَرْ في بالُنْ الحالْ الكَدَرْ لا حِكمةْ البحرْ الكَسَرْ ما ليهُو مُسْلِمْ لا الكَفَرْ هَبَدْ الجوامع من طَرَفْ
-محمد الحسن حميد-
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التَــرَسْ... (قصة احتضار قرية)! (Re: عمر التاج)
|
(2) في ليلية خريفية ظلماء هبت على القرية عاصفة هوجاء متربة، قلعت الاشجار وجرفت أسقف الزنك وجريد النخل من حيطانها ، وكان مما زاد عتمة سمائها أنها حملت في جوفها أثقالا من تراب البطانة الخصيب، الناس في القرية اتفقوا على دفن الرؤوس ودسها في الثياب انحناءا للعاصفة، حتى إذا اقترب الفجر وهدأت الريح انقسم الناس فريقين، فريق استسلم أهله للفراش (أومستلزماته) ، ثم راحوا يغطون في نوم ثقيل يغسلون به تعب السواقي ورهق الحرث وأتربة العواصف ، وفريق خرج كباره للسواقي يتفقدون مزارعهم وبساتينهم ، ليجمعوا ما رمت به الريح من فواكه وخضر، أما نحن الصغار فقد درجنا على مناصرة الفريق الثاني، فما أن نشتم رائحة العاصفة حتى نرفع أكف الضراعة لله أن يجعلها (أم كبق) ، وأم كبق هذه ضرب من الريح الداكنة التي لا تكاد ترى فيها أصبع يدك إذا مددته أمام عينيك، وما ان تنقشع العاصفة حتى نخرج للمزراع والجنائن نحتطب من ثمارها وأطايب خضرها، ولا نعود إلا مع الاشراق وقد امتلأت جوالاتنا البلاستيكية الصغيرة بلحا وثمرا وتمني.
في الوقت الذي انقسم فيه أهل القريه في مرحلة ما بعد العاصفة ، اجتمعت تيارات الغضب داخل النهر على قلب موجة واحدة ، وأزمعت أمراً إدا ، فقد استغلت شلالات المياه المزودة برؤوس طينية متفجرة جنح الظلام ، وامتطت العواصف الهوجاء لتضرب الشواطئ بعنف، ونتيجة لهذا التمرد العنيف خرجت تجمعات كبيرة من المياه وعسكرت في بطن خور عريض كنا نعده مصبا لمياه الأمطار، وبفعل هذا التجمع تسللت المياه والتفت على جانبي الجدول الكبير تنتظر الاشارة بالهجوم ... (البلولة ود البتوله) كان أقرب رجال القرية للعدو، فقد كان على موعد مع سرابات عجور يحصدها ناضجها ليلحق به السوق باكرا، وما أن اقترب من مزرعته التي تجاور الجدول الكبير حتى بدت له تجمعات المياه من فوق رأس الجدول تندفع بشراسة نحو السواقي ، وقبل أن يستوعب عقله الموقف كان النهر قد ابتلع سرابات العجور وماجاورها، والمياه الغاضبة أحاطت به من كل جانب يعلوها زبد ويسبقها خرير وهدير، ود البتوله ألجمته المفاجأة وتبلدت أحساسيه وهو ينظر لرأس ماله يغرق، وما أن لامس الماء البارد أرجله حتى استفاق وارتد على عقبية جريا ، يلوح بيديه لمن لحق به من بعده، يصيح في الناس ويصرخ - كمن وجدها- بأعلى صوته: - ألحقوا يا ناس الحلااا ..البحر كســ(ااااا)ر.. التساب جاااااااكم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التَــرَسْ... (قصة احتضار قرية)! (Re: وضاحة)
|
مرحب بيك يا وضاحة ومرحب ب (منبرك) اللامع الوهيط
.. .. حبوباتنا زمان بقولولو بنبر ، إلا داك قصير ومربط بالحبال ، أسع بتاعك ده لو واحدة جربت تعوس بيه بتتفنقل في الصاج عشان كدة سميتو (منبر الأميرة ) ، مع تحياتي الودودة.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التَــرَسْ... (قصة احتضار قرية)! (Re: عمر التاج)
|
(3) (الطاهر ود عبيد) كعادته عقب كل عاصفة ليلية ، أدركه النعاس فنام عن (النباهـ) الأول ، إلا أنه هب نشطا عند وقت الصلاة فخرج ليؤذن في الناس للفجر ، في طريقه للمسجد شاهدته حاجة (التومة) من عند باب بيتها، والتومة امرأة صالحة نذرت نفسها للعناية بمسجد الحي طوال عمرها، كانت تقوم الثلث الأخير من الليل في بيتها، ولا تغادر مصلاها إلا عند سماع صوت الطاهر وهو يناجي ربه بصوته الرخيم قبيل الفجر:(ألف صلاة وسلام عليك يا رسول الله، ألف صلاة وسلام عليك يا حبيب الله) ، وعندما يصل لقوله :(ألف صلاة وسلام عليك يا خاااتم أنبياء الله) ، تطوي حاجة التومة مصلاها الذي أتت به من البقاع المقدسة، تحمله وتتجه للمسجد لتنظفه وتبخره قبل حضور المصليين.
وفي تلك الليلة التي كان فيها (ود البتولة) ينادي في الناس من السواقي، كانت حاجة التومة تشاهد - ولأول مرة في حياتها – (شيخ الطاهر) وهو يجري في الشوارع كمهر رشيق ، كانت تراقبه وهو قادم من بيته في طرف الحلة القريب من السواقي، وعندما اقترب من شارع بيتها عدل مشيته الوقورة فجاة، وانطلق يعدو نحو المسجد كمن مسه جان .. - اجي يا بنات أمي ، الليلة ود عبيد ده جنا ولا شنو؟ أوجست التومة في نفسها مصيبة وهي تتذكر حادثة والد الطاهر الذي أورثه صفة مؤذن المسجد، حاج عبيد يحكى انه وقف يوما أمام الصفوف قبل صلاة الفجر كمن يهم لإقامة الصلاة، وفي الوقت الذي استعد الناس للقيام فاجاهم بخلع ملابسه والجرى عاريا خارج المسجد وهو يصيح بأعلى صوته (ياساتر يا عبد الستار.. ياساتر يا عبد الستار )، ظل يرددها ويجري حتى لحقوه وأودعوه القيد عند مسيد شيخهم الحفيان. كانت تلك خواطر حاجة التومة وهي تنظر للطاهر وهو يجري ويهتز، أما ما حدث لشيخ الطاهر في تلك الليلة قد كان بعيدا من المس والجنون، و كان لعدوه السريع ذكريات أخرى مرتبطة بجده ود الصافي، وأحداث فيضان مدمر عاش أحداثه المؤسفة في بيت جده وهو صغير.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التَــرَسْ... (قصة احتضار قرية)! (Re: عمر التاج)
|
(5) بدأ شيخ الطاهر متفائلا وهو يلقي على الناس خطبته الاخيره ، أخرجها بصوته الغليظ الموبوء بـ (نخنخه) بائنة لايمر منها حرف النون إلا مثنى وثلاث ، رغم ذلك بعث حديثه بعض الاطمئنان في الناس ، وجعل من تلك اللحظة نقطة فارقة في حياتي، فها هو البحر الذي كنت أتحاشى الذهاب إليه ياتي إلي بنفسه ويسعى للقرب مني ، الآن فقط أشاهده يقف بجواري بكل عنفوانه ورهبته دون أن أشعر بالخوف منه ، انظر إليه متحديا هذ المرة وأتأمل أمواجه المكبوتة وهي تقاوم قيود الترس وتياره المعارض يسعى في يأس ليعيد تنظيم صفوف أمواجه تمهيدا لهجوم جديد، أدرت نظري في الناس وقد غلبهم التعب بعد أن قضوا ليلهم وصباحهم يكابدون غضب السماء وغضب البحر، الشباب بعد وجبة الشاي الصباحي بدأوا يتساقطون نياما على الشط الجديد، والكبار تراخوا في جلستهم ينعمون بهواء رطب من البحر ونسيم لم يألفوا مثله منذ أمد بعيد، الجميع تمددوا على الترس وأمنوا مكر البحر ومادروا ان السماء ما انتهت غضبتها ، وأن البحر مصدره الماء وفي السماء منه غيث كثير، فقد جاءهم الماء بغتة من بين أيديهم وخلفهم وهم لايشعرون، السحب الثقيلة قلبت عليهم موازين القوى من جديد فلم يستبينو الاستفاقة إلا ضحى ، ولم يعرفوا حجم الكارثة التي داهمتهم إلا بعد أن وصلهم صوت (حاج اللمين) وهو يصيح من وراء القرية: - يا ابو مرووووه ، ألحقوا الخور .. الخور الوراني نزل .. السيل جاااكم من الصعيد .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التَــرَسْ... (قصة احتضار قرية)! (Re: عمر التاج)
|
قمة في الابداع اخي الاستاذ عمر التاج فقد اجتررنا معك ذكريات زمنا كنا نعتقد انه زمن قاسي ولكن اتضح لنا جليا اننا نحن القساة فزمن اليوم اكثر قسوة وبشاعه ويا حليل ذاك الزمن الجميل ... فقد خطرت على بالي فورا قصيدة واغنية عمنا الجاغريو المشهورة ( البحر السطيت غيرك مافي ذكرى وكشفت العرايس العجوز البكره وهدمت البيوت ) وهي قصيده انشدها عمنا الجاغريو حينما اجتاح البحر ارض العيلفون في فيضان عام 46 المعروف ... واصل في هذا الشلال الابداعي ولي عودة .... حين ميسره ....
تحياتي : ياسر العيلفون .......
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التَــرَسْ... (قصة احتضار قرية)! (Re: ياسر السر)
|
مرحب بيك اخ ياسر واهلا وسهلا
Quote: قمة في الابداع اخي الاستاذ عمر التاج فقد اجتررنا معك ذكريات زمنا كنا نعتقد انه زمن قاسي ولكن اتضح لنا جليا اننا نحن القساة فزمن اليوم اكثر قسوة وبشاعه ويا حليل ذاك الزمن الجميل ... فقد خطرت على بالي فورا قصيدة واغنية عمنا الجاغريو المشهورة ( البحر السطيت غيرك مافي ذكرى وكشفت العرايس العجوز البكره وهدمت البيوت ) وهي قصيده انشدها عمنا الجاغريو حينما اجتاح البحر ارض العيلفون في فيضان عام 46 المعروف ...
|
وشكرا على مرورك وتعليقك وربطك لهذه الخواطر باغنية الجاغريو فهي وان جاءت بسيطة و مبعثرة ، إلا انها مجرد محاولة لتوثيق محطة بارزة من كوارث البلد ، ارجو ان تضيف بعض التفاصيل و تنال بعض القبول
| |
|
|
|
|
|
|
Re: التَــرَسْ... (قصة احتضار قرية)! (Re: عمر التاج)
|
(6) في اللحظة التي كانت فيها الأجساد المتعبة ملقاة على الترس بين نائم ومسترخ، عاد البعض بأواني الشاي الفارغة لبيوتهم ، وكان من بينهم حاج الأمين الذي ذهب بعد ذلك يتفقد زريبة بهائمه المطلة على الصعيد من طرف القرية ، وفي اللحظة التي فتح فيها الزريبة سمع صوت خرير عنيف يقترب منه، وعندما رفع رأسه في اتجاه الوادي البعيد رأى السيل يندفع بقوة نحو القرية ، فما كان منه إلا أن أطلق ساقيه للريح يسابق بهائمه نحو الحلة، ويصيح صيحته المدوية التي سمعتها كل خلائق القرية، حتى النائمين على الترس. أهل الترس عندما أفاقوا على الصيحة كانت جيوش المياة تدخل القرية من خلفها ، المشهد كان أشبه بجنود خالد ابن الوليد وهي تباغت المسلمين يوم أحد بعد أن ترك الرماة مواقعهم ، قبل الصيحة بلحظات كنت قد وصلت مع والدي أحمل ترمس الشاي للبيت، الوالد بعد وضع الصينية الكبيرة بما حملت أخذ مصلاته وذهب ليصلي الضحى، بينما انغمست أنا في لحافي مرهقا، وقبل ان أغمض عيني وصلت لمسامعي الجلبة العاليه والأصوات الصارخة ، التفتت تجاه مصلاة أبي فإذا به يقطع صلاته ويتسلق سور الحوش بخفة ومهارة ، تأملته عيناي الجزعتان وهو ينظر للشارع سريعا ثم يقفز نحونا وهو يردد مذعورا: - يلا قوموا أمرقوا سريع، الظاهر عليهو الترس كسر والموية حاتغرق الحلة. سرت في جسدي للحظات رجفة البحر من جديد ، أفقت منها سريعا فقفزت من سريري وانطلقت نحو باب الشارع، وعندما فتحته هالني منظر الماء وقد امتد لسان طويل منه على الشارع يحمل في أطرافه كل أوساخ القرية وبقايا فضلاتها، أغلقت الباب بسرعة وهرولت نحو الداخل أصيح في ناس البيت: - يمه البحر وصل بيتنا . الوالد لم يعير حديثي انتباها ، بل امتشق كوريقا ضخما وقفز من السور القريب من ناحية البحر ، اتجهت أنا للشارع مرة أخرى فوجدت الشارع وقد امتلا بجيوش من المياه الزاحفة نحو البحر ، في هذه اللحظة خطر لي أن البحر لا يأتي من الصعيد، ما هذه المياه إذن؟ قبل أن أجد جوابا جاءني صوت شيخ الطاهر وهو ينادي عبر مكبرات الصوت : - ياناس الحله عوووك ، يا أخونّا هوي ألحقو السيل، السيل نزل من الخور الوراني .
| |
|
|
|
|
|
|
|