حتى لا نكون عالقون في عفن الضرس ومستنقعه أكثر من ذلك. يجب أن نفيق على نحو ما حتى لا نصطدم مرة أخرى بطحالب الواقع اللزجة ونضحى رهن طقس يصنع مزاجه الطغاة وفقهاء السلطان ولصوص النصوص وملامتية صدر ومتن الصحف. الجلوس مع المجرمين في حد ذاته مقصلة أخرى تواجه الشعب. وتلك حالة مرعبة تزداد في الراهن كلما أشرقت شمس يوم جديد طالما الفساد يسيطر على كل شيء، وينخر بسرعة البرق على نحو مضطرد بدءً من حالة الضرس أعلاه الى أدنى ميعة في البلاد تتخطفها وسائل الإعلام الداجنة. بالطبع لن نتحدث عن كثير ونضيف إلى مردم القمامة شيء؛ فالناس تدري أكثر مما نتوقع حجم الإنهيار المريع. منذ صرختها الأولى الكاذبة – لا أحد يصدق محمود الكذاب - تحاول سلطة المشروع الحضاري الفاسدة أن تضفي مشروعية على وجودها بأولئك الذين كانوا في القطار ذات يوم وفشلوا في الحفاظ على نصاعة سيرهم في الطريق المستقيم؛ فأنحرف المسار، وأضاعوا البلاد وأنفسهم الموطنة على قبض أرواح الصولجان. وفي ذات الوقت، وفي كل منعطف حواري بائس وسمج، يجد المهرولون نحو النفق والهاوية أنفسهم في لهاث مارثوني ثقيل يمتد بهم لشوط إضافي حتى يصيبهم الإعياء والرهق من مجاراة ثعالب السلطة، ومن ثم يسقطوا في فخ المعارضة السلمية أو حمل البندقية من جديد لإكتناز مال آخر في دورة قادمة من الحوارات العبثية والتي لا طائل منها سوى النفاذ إلى القصر فقط لا غير. واهم من يظن أن عملية الحوار والاتفاق السياسي بإستطاعتها أن تحول مجرمو (الإنقاذ)، أيًا كان نوعهم؛ السياسيون الذين وزعوا القتل والظلم باسم الله أو اللصوص الذين سرقوا مال الشعب، إلى خصوم سياسيين يرضخون لحكم العدالة الذي ينصف الضحايا والناجيين، فوق ذلك يسلبهم الحق الإلهي الذي قتلوا به الناس جميعًا. أما الحديث الفضفاض عن أيهما أحق بالنقاش عدالة الضحايا أم عدالة الناجين أو غيرها من السفسطة المموّهة، هو نوع من حسن الظن الفطير الذي يرقى دومًا إلى مستوى نفسية من لم يتذوق بعد ثمار الشجرة المُرّة والقاتلة. إحسان الظن بالمشروع الذي بدأ يتأكل من داخله بالتشظي وانتهائه لعائلة واحدة وعصابة صغيرة، هي نقطة على القوى السياسية أن تنطلق منها عكسيًا حتى لا تجد نفسها بكل ثقل ميراثها مرة أخرى صوب الإجابة على السؤال بسؤال. فإقتسام السلطة بين الطرفين المحتملين (المعارضة والعائلة الحاكمة)، شرخ جديد يضاف إلى الخزي الوطني. فالمعارضة التقليدية التي فشلت في استقطاب الشارع وتعبئته لنضال طويل الأنفاس يجب أن تذهب بلا أسف؛ فطريق الحياة لا يوهب لمن خارت عزيمته واسترخى على حلم الجلوس فوق الكراسي الوثيرة بحثًا عن الأُبهة والرُّواء والمال الوفير. إي تنازلات ستكون وخيمة وكارثية ومدفوعة الثمن لجميع القوى التي تقبل بالمضي في مضمار الاتفاق السياسي الهش؛ فالإنقاذ: سيئة الذكر خبرها الجميع بحربائيتها ونزقها وتفلتها وتملصها في الوقت المناسب الذي تريد. ولا عزاء للذين لا يزالون يحاولون عديد المرات بالصعود إلى قطار الحوار، وكم من ماء وجه أُريق وسال وملأ البراحات بلا إستمرارية مفيدة من كل الأوجه. وهكذا نسوا وتناسوا، كما يفعلون عند كل مأدبة، حكمة لقمان الحكيم: "إياك والسؤال فإنه يذهب ماء الحياء من الوجه". ولكن هل تنسى ذاكرة الشعب وتمرر السؤال! ستظل السلطة بسلاحها الطائفي يقظة إلى حين من الوقت حتى تنشط قيادة وطنية جديدة تنطلق من قبوء النسيان ذات يوم ما يراه الجميع قريبًا، خوفًا من أن يغرق الوطن أكثر مما نشاهد الآن مُنحدرًا إلى الأسافل بسرعة ربما لا يمكن اللحاق بها. أنسنة شيطان (الإسلاميين) متاهة تغرق الآخر المتحالف معها في هُوة لا قرار لها. فالطرق عديدة وان ضاعت في هسيس الرمل والريح يمكن شق غيرها بين الأودية والمرتفعات والسهوب. فـ(الطريق يصنعه المشي)، كما قال صاحب المقولة. عندما نكف عن إطلاق إناملنا عن الولوج إلى جَيْب جلباب اخطبوط السلطة سنجد أنفسنا أكثر تنظيمًا وإحترافيةً في دحر عدو الشعب؛ سلالة (جلابة) المال. وحينها سنجد جيوب المقاومة تتشكل وتنمو من محراب العيش الحلال لا من تلك الخنادق التي يعمل عليها بعض المقاولون الذين ينتظرون فرصهتم في الحكم كلما هبت أعاصير بيان عسكري بليد وشقي، شقت صمت البلاد ونيلها الطيب. وستسقط الإنقاذ حينما نشعر أجمع بأن أمر البلاد يخصنا بعيدًا عن البيوت القبلية والطائفية والعشائرية والدوائر الضيقة التي لا يزال يتحصن بها البعض خوفًا من خيال المآتة البغيض الذي تلوح به سلطة المشروع الحضاري الخاسر. يجب أن نبدأ بإزالة الأصنام التي تسكننا، حيث ساهم في صنعها خوفنا الأبدي من المجهول حتى دفنا الوطن وإنصرفنا الى أهمية خلع الضرس في الوقت الراهن! إن خلع الضرس مسؤولية ليست جماعية منوطة بالشعب حتى ينهض بها الكثير من نظن فيهم الإستنارة والوعي بأهمية مسيرة النضال ضد الإختلال الناتج؛ يوم أن تخلينا عن أعباء القيام بدورنا وواجبنا تجاه بلادنا العليلة بداء يمكن معالجته بوصفة متوفرة على أطراف شوارعنا من خلال رؤية (عتال) ينوء ظهره بحمل ثقيل، وفي الحين نفسه يغرق في عرقه المنثال على جبينه الوضِيءٌ، أو امرأة مشرقة الوجه تجلس في قارعة الطريق بين قَيْظ الصيف وزمهريرٌ الشتاء تكافح لأجل بيع منتجاتها الوطنية لسد ثلمة الرزق الحلال أو طفل صغير يتوسد الأرض يرقع حذاء هذا ويخيط ذلك بهمة ونشاط وحبور من أجل فلوس لا تكفي حاجة اليوم، وغيرها من المشاهد الكافية لرسم خارطة طريق جديدة تنير عتمة الواقع وتزيل كل ما حاق بالوطن. فالخرط أضحت بأيدٍ الشعوب لا بين مطويات الأفندية وبسطار العسكر وأقلام المثقفين المنصوبة بأناقة. ولننظر من حولنا وننطلق بجياد التضحيات الحرة الطليقة، لا تكبلنا القيود الواهية والإنصرافية التي امتلكت نواصينا وأقعدتنا عن المسير في الطريق الصحيح. إن الذين يبحثون عن العدالة والحقوق الإنسانية والسياسية والتعليم والعلاج المجاني وغيرها من أشياء الدنيا البسيطة التي يتوطد عليها بنيانها، نحن المسؤولون عن شد خيوطها وتعميرها، وكذلك الباحثون عن بنية وعية خلاقة وثقافة مثالية وحياة اجتماعية راقية وترفيه متوازن وفق قيم الحق والخير والجمال حتى يستطعيون سماع ومشاهدة أفضل ما يذخر به منتوجنا الوطني من فيض عميم بدلا عن ندب الحظ في تدني اقتصادنا، وتدهور قيمنا وأخلاقنا، وتراجع ثقافتنا ورياضتنا وغيرها. على كاهلنا تقع مسوؤلية نهضة الوطن من كبوته وأسره المذل بيد طغمة تهم في كل لحظة بالتخلص من كل رقعة جغرافية تشكل هاجسًا مؤرقًا بالنسبة لها. ثٌلة مجرمة لا تتورع عن التراجع في تمزيق الوطن ما دام أنها مطمئنة بين حضن كرسيها الوثير. وبذلك تجد نفسها محصورة في ضاحية العائلة وأذان وقتها يتراخى على دمنة ديك يظن أن بيضته الوحيدة ستحمي سماء الوطن من السقوط في رمال التبعثر والسراب. فالذي يروم حياة كريمة يبتعد مقدار ساعات ضوئية عن موائد الذباب التي توفرها سلطة الإنقاذ في كل مكان حتى لا يغوص في وحل لا يشبه قيمنا وأخلاقنا. وجعنا الوطني (ضرسنا) أحق بإعلاء الصدح والصدع وصهيل الإنشاد.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة