بعد التوقيع على خارطة الطريق، تعود القفاطين الى سابق عهدها .الميرغني كان حاضراً في أديس رغم غيابه في لندن ، والمهدي فرغ من مهامه الخارجية التي انتدبه إليها حزبه. وبقية الخواطر سيتم التباحث بشأنها لاحقاً، لأن ما تم التوقيع عليه، ليس اتفاقاً ، وإنما هو خارطة طريق نحو الاتفاق..
الحكاية واضحة، ولا تحتاج إلى درِس عصُر، والجماعة هناك في القصر، أذكياء بما يكفي، لذلك يتلمّسونَ خُطاهم بحذر، فما أكثر المتربصين لملء الفراغ الذي أحدثته نكبة البرامكة. النظام يريد ملء الفراغ الذي نتج عن تحرره من قبضة التنظيم.. ليس غريباً أن ترصد العيون الساهِرة، حقيقة التّقارب الذي وقع- فعلاً لا قولاً - بين السلطة وملوك الطوائف، على خلفية ألاَّ تبايُن أو خِلاف قاطع ، بين ما يبتغيه الميرغني أبو جلابية، أو المهدي أبو جِبّة، وأهل القصر.
الحزب الاتحادي الأصل، مع كافة فروعه الأخرى، يدعو إلى ما يسمى بـالوفاق الوطني، وهي دعوة تُقال في المناسبات الجزيلة، هكذا سمبلة.. تلك الدعوة، التي تم تعضيدها، بتضمين بعض الهواشم داخل التنظيم الحاكم، تأكيداً واسناداً، لدور الأمير أحمد سعد عمر هناك. وبدون تفاصيل مُمِلّة أو كثيرة،هاهي أجنحة حزب الأُمّة جميعها، تُشارك في السُّلطة، من نهار إلى مسار، إلى حسن إسماعيل ، وجميعهم انضوى من قبل تحت لواء مبارك الفاضل.
كل هذه الأجنحة ترفض إسقاط النظام، بحجة الحفاظ على اللُّحمة الوطنية. ومن أجل تلك "اللُّحمة" كان للحِزب ذراعاً في القصر، وآخرَ في الأمن، بينما ظلّ الإمام "يشرِّك ويحاحي" مِنْ بعيد، مِنْ هُناك ،حتى وَقَعَ التوقيع. أما التوأم السيامي، المؤتمر الشعبي، فإن شيخه الجديد ــ السنوسي ــ الذي خاطب الجلسة الأخيرة لحوار الوثبة، يريد الخروج بأقل الخسائر باعتباره أبو العيلة..يريد أن يتسلى بالمصالحة، من أجل العودة الى حصد زرعٍ سقاه الأُخوان سنينا. لأجل ذلك، لوّح دون تشدد، باختراع النّظام الخالِف، لمؤلفه المذكور أعلاه..وما يخالِف..! فكم من سانحةٍ انتهزها الشعبيون ،حتى يدخلوا القصور، حيث الدِّعة والحبور، ولطائف الأمور.
لا يفعل الشعبيون ذلك دون غيرهم. كل المؤتمرين الآن في أديس أبابا، يحاولون التسطيح فوق قطار الوثبة، لعل وعسى يعود بهم الحوار، إلى "الجمّام". ولا ترفع حاجب الدهشة عزيزي المواطن، فكل هذا "العمل الوطني" يتم باسمك، وباسم الإسلام، وبعبارة أدق، باسمكم جميعاً كـ "أهل قِبْلة".
رضيتم أم أبيتم، فالحاصل هو الحاصل.
ملوك الطوائف يريدون الوصل والمواصلة. هذه رغبة لا تحتاج الى مُحقّقين فدراليين، فملوك الطوائف،على علم بأن التلميذ النّجيب قد غادر شارعي النيل والجامعة إلى الأبد. ويعلمون ايضاً أن عجائب الزمان، لن تنقضي لمجرّد أنّ تقاعد، أو تمّ تقعيده. ويعلمون أيضاً أن النظام بحوجة ماسة إليهم ككيانات، يفترض أن تشكل الثقل السياسي ، الذي يفترض أن تتكئ عليه الحكومة التي سيقودها الرئيس البشير.
التوقيع على خارطة الطريق بين الحكومة والمعارضة، يعطي النظام دفقة حياة، وفي الجهة الأخري ربما يحقق الحد الأدنى من الحياة لمن يعيشون تحت القصف.
كل المقادير باحتمالاتها المريرة، وقعت وقد تقع، في هذا البلد.
جيوش المفصولين وفاقدي الذاكرة، والمجانين، والهائمين على وجوههم في الغربة.جميع المفجوعين والمنشولين والنّشالين، وحتى المتدعشنين وأرباب المعاشات..جميعهم جميعهم، قد يشاهدون اليوم وغداً ، أمين حسن عُمر ،آمراً بالمعروف وناهياً عن المنكر، فهذا هو ما تبقّى من المشروع الحضاري.
لنفترض أن هذه الخارطة ليست نيفاشا أخرى، ولا هي مصالحة وطنية كتلك التي حدثت مع مايو..كل هذه شكليّات..ما يهُم الآن هو، أن يتأكد صاحبكم، من تغيُّر الظرف الذي أودَعه السجن، قبل لجوءه..!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة