يوم الأمس عندنا طول بلا نهاية، واليوم الحاضر قصير لدرجة تجعلنا لا نشعر به، أما يوم غدً فهو غير موجود في أجندتنا. رُفِعت الأقلام وجفّت الصُحف حيث لن يجدي النقد ولن تنفع الإعتذارات والمبررات والمقولات والتحديات السلطوية الجوفاء، من رعناء النظام، والإساءآت للشعب وتعييره وتحقيره. وأيضاً إنتهى عهد فضح الممارسات والإخفاقات. ويجب أن ينتهي عهد القمع والمداهمات والإعتقالات، فقد نفذ زمن المرافعات، فليسكت ممثلي الدفاع والإتهام والتحري والشهود. فقد آن أوان النطق بالحكم والقول الفصل وهو للشعب وحده ولا لفئة غيره. فليسمح للشعب بالخروج، وإن كان {أمرهم شورى بينهم} فتلك هي الشورى الكبرى، فقد أقسمت الحكومة وحزبها ومريدها، واللذين قبلوا الجلوس معها، للحوار، أن الأخلاقية وحُسن وصفاء النيّة هي الميثاق الغليظ فيما بينها وبين شعب السودان. فإن كانت كذلك فلتسمح السلطة بحرية التظاهر في كل إنحاء السودان لتعرف حقيقة شعبيتها. ولتحرس الأجهزة الأمنية والعسكرية تلك المسيرات ويُصرح لها بإعتقال، بل قتل، كل من يخرج عن الخط المُصرح به للتجمعات والمسيرات ليخرب أو يهدد السلم المجتمعي
لن يجدي الحديث عن الإقتصاد في ظل هذه المنظومة الفاشلة، وحتى لو تكرمت وزارة المالية بالطواف على كل الأسُر المحتاجة، كل صباح، وأعطتها ١٠٠جنيه سوداني لكل يوم، فهذا لن يجدي ولن ينفع. فمشكلة إقتصادنا ليست أوراق مالية، عديمة القيمة، تجود بها الدولة على العاملين والفقراء والمعدمين، بل هي بنية تحتية إنتاجية أصبحت هي والعدم سواء. نحن قد فشلنا في الحفاظ على ما تركه لنا الإستعمار البريطاني. وقد لن تكفينا ميزانيات دول الخليج، لمدة عام، ولو تبرعت بها لنا، لإعادة ما تركه الإنجليز من بنية تحتية إنتاجية وعلى رأسها مشروع الجزيرة والسكك الحديدية وخطوط جوية وبحرية ومجمعات إسكان حكومي وخدمة مدنية ومؤسسات تعليمية وعدلية وصحية وغيره، وبالرغم من قلتها فقد كانت قمة النموذجية التي كان يجب إحتذائها وتطويرها وليس تدميرها. ترك لنا الإنجليز مشروع الجزيرة العملاق عملاقاً حقيقياً والمورد الأساسي لميزانية الدولة .. بل سلمونا مفاتيح سياراته الفاخرة، المرسيدس لمدراء الأقسام والاندروڤر للباشمفتش الزراعي، والعربية الموريس للمفتش الزراعي .. وللمعلومية تلك الأنواع من السيارات لا زالت هي الأغلي في العالم وحتى اليوم ليست سهلة المنال للمواطن الغربي المتوسط الحال والذي بمقدوره شراء السيارة الأمريكية أو اليابانية .. ثم ماذا بعد هذا؟
فالإقتصاد هو روح الحياة للناس وهو المنظومة التي يجب مراعاتها لحظة بلحظة وليس يوم بيوم، فما بال ذلك الخلل الدهري والتخبط والقرارات الجزافية المريعة والصادمة؟ ففي العام ٢٠١٣ يتم إقرار زيادات في أسعار ضروريات الحياة بأضعاف ما كانت عليه، وفي الإسبوع الفائت تتكرر نفس الضربة القاصمة. ليت كان رفع الدعم وزيادة الأسعار يتم بطريقة تدريجية وبطيئة وحتى لو كانت يومياً، ولكن غياب التخطيط والنظم الإدارية الدقيقة والكفآءآت هو الذي أدي لتلك العشوائية. والأنكاء من ذلك محاولات صياغة المبررات والأعذار لتك الإخفاقات وهي أصلاً كان لا بد من حدوثها بسبب غياب الشفافية وسوء إدارة الدولة وتمكين الشريحة الموالية على حساب كل الشعب، وتفشي الفساد، وغض البصر عن النهب والتبذير في موارد الخزينة العامة، وخراب المنظومة المصرفية وإحتكارها لعدد معروف من الرأسمالية الغير داعمة للإنتاج وكان المفترض فيها خلق المشاريع القومية لتوظيف القوة العاملة وتشغيل وتوطين الخريجين والشباب، ولكنها، وبعكس ذلك، نجدها نشاطة في السمسرة والمضاربة في سوق العملات الصعبة والصفقات التجارية سريعة الربح. فتلك هي السلطة التي لم تضع أي إعتبارات أو تحسبات لتك الهوة السحيقة التي نحن فيها الآن
فحتى لو تم إعادة دعم الخبز والأساسيات من السلع التموينية والمواصلات والغاز والكهرباء فكل ذلك لن يجدي وليس ذلك هو الإقتصاد المنشود. فالإقتصاد ليس وريقات مالية تطبع وتحصد كجبايات ثم توزع كمرتبات أو دعومات. فالإقتصاد هو دولة المؤسسات والمهنية والكفآءات وليس الولاءآت. الإقتصاد هو الدولة المنتجة، الناشط شعبها، دولة الشفافية المحروسة بالقانون الصارم الذي لا تُقعده حصانات دستورية أو إعفاءات رئاسية وحماية سلطوية للفاسدين والمفسدين واللصوص
حقيقة لا يجب أن يشغلنا الفشل المتراكم والفساد، وهذا لا يعني العفو عمّا سلف، فلكل إخفاق وجُرم محاسبة وعدل ينتظر، ولكن الذي يجب أن يشغلنا هو كيفية التخلص من هؤلاء الحاكمين ومما نحن فيه، وذلك يتوجب معرفة ما يدور في عقولهم تجاه هذا الوطن ورؤيتهم لمصيره المظلم تحت قبضتهم. من حق السلطة أن ترتكب الملايين من الإخفاقات والمخالفات ولكن ليس من حقها إرغام أي فرد من الشعب، أو الشعب كله، على قبول عُذر واحد أو مُبرر واحد لتلك الإخفاقات. رُفِعتْ الأقلام وجفّت الصُحُف
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة