هل تَذكرون القصة الشهيرة عن الرجل الذي وجد الأمة مُجتمعةً تبحث عن هلال رمضان، فقاده نظره الحَاد لرؤية الهلال فأشار إليه، فصفّقوا له وكافأوه بالمال، فأعجبه الحال فأشَار إليهم "داك كمان واحد تاني". بنك السودان فعل نفس ما فعله الرجل، ولأنّ بنك السودان لا يُفكِّر وحده، وإنّما المُفترض أنّه يعمل في إطار خُطة اقتصاديّة وضعها قادة المؤتمر الوطني، إذاً فإنّ كل عباقرة الاقتصاد في المؤتمر الوطني مثل ذلك الرجل. فَقد أفَادَ خَبرٌ نُشِرَ قبل يومين أنّ بنك السودان وجّه البنوك بإضافة حافز ثانٍ للحافز الأول المُعلن الذي بلغت قيمته 130% من السعر الرسمي للعُملة الحرة. وأصل الحكاية أنّ بنك السودان قرّر تخفيض سعر العُملة، فأشار إلى أنّه اعتمد سياسة جديدة تسمح للبنوك بشراء العُملة الحُرة بالسعر الرسمي (6.5 جنيهات في حالة الدولار) بالسعر الرسمي زائداً 130% حافز، فبلغ سعر الدولار 15.8 جنيهاً. وأمطرنا وزير المالية ومحافظ بنك السودان ومساعدوهم بالتصريحات عن هذه السياسة الجديدة وكيف أنّها ستجمع ستة مليارات دولار في البنوك والصرافات وستجتذب كل مُدخرات المُغتربين ...إلخ. الذي حَدَثَ أنّ سعر الدولار ارتفع في السوق المُوازي "الأسود" بالمُقابل، فلم يجد أحدٌ من أصحاب العُملات الحُرة، من المُغتربين وغيرهم، معنى للذهاب إلى البنوك والصرافات لبيع ما لديهم من عُملات، طالما أنّ هناك سعراً أعلى في السوق، ففشلت السياسة التي قيل إنّها نتاج دراسات وخُطة اقتصادية مُحكمة وقرارات رشيدة ستُصب في صالح الاقتصاد السُّوداني. اتضح أنّها رمية عشوائية من غير رَامٍ، وأن لا أحدٌ نَاقشَها وتَوَصّلَ إلى النتائج المُتوقّعة منها، لأنّه لو كان هناك من فعل ذلك، وفق دراسات وأبحاث، لعرف أنّ السعر في السوق الأسود سيرتفع، ولن يكون هناك عمليات بيع للبنوك والصرافات. مثل هذه القرارات كان يُمكن أن تأتي بثمار في حَالتين فقط، أن يضخ بنك السودان كميات كافية من الدولار في البنوك والصرافات، بحيث يجد كل مُشترٍ حاجته، فلا يلجأ للسوق الأسود، فتنخفض أسعار العُملات الأجنبية، لكننا نعلم أنّ بنك السودان ليست لديه أرصدة واحتياطيات كافية. الحَالة الثانية أن تكون هناك حوافز حقيقية للمُغتربين مُقابل تحويل أموالهم عبر البنوك والصرافات الرسمية، مثل التّخفيضات الجُمركية المُتصاعدة مُقابل كل مبلغ يتم تحويله، فيقبلون بالخسارة البَسيطة عن سعر السوق الأسود مُقابل الحوافز. لكن في حَالة عدم الأخذ بالحَالتين فلا يجب توقُّع استقطاب البنوك للعُملات الحُرة ببساطة لأنّها غير قادرة على مُنافسة السوق الأسود. لهذا لجأ بنك السودان لما أسماه بالحافز الإضافي اليومي، وهو شيءٌ غير مفهوم إطلاقاً، إلاّ إذا كان يقصد بتحريك الحافز اليومي مُجاراة سعر السوق الأسود، وهذا يُسمى بالعربي الفصيح تعويم سعر العُملة كما حدث في مصر، وترك تحديد الأسعار لحركة السوق. هذه سياسة رزق اليوم باليوم، وتكشف ببساطة أنّه ليست هناك خُطة ولا دراسات ولا قرارات مُعدّة بعناية، فلا يُمكن مُراجعة قرار لم يمض عليه أسبوعٌ واحدٌ بعد أن اتضح فشله، إلاّ إذا كان البنك يعتمد على الارصاد الجوي أو ضاربات الرمل. altayar
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة