لم أفعل شئ مُفِيد خلال الأيام العشرة الماضية بسبب الإنتخابات الأمريكية، نتابع الـ CNN ليل نهار، وطمأنتنا أنَّ السكرتير هيلارى قادمة قادمة. ولكنَّ شيئاً كان يجُرَّنِى إلى أسفل! هو شعورٌ ينتابُنِى ويُقعِدُنى عندما أكونُ مُقدِمَاً على فشلٍ أو خيبةٍ كبيرة. وبسببِ هيمنةِ ذلك الشعور لم أجرؤ على القيامِ بأىِّ عملٍ جاد منذ اليوم الأول من شهرِ نوفمبر الجارى الذى نشرتُ فيه الجزء الثانى. والآنَ قد لعقْتُ جِراحِى، وجمعْتُ بعض قوَّتِى لأوِفى بوعدِى وإلتزَامِى بكتابةِ الجزء الثالث من هذه السلسلة. ولكم العُتبَى حتى ترضُون، فإعصار "تُرامب" كان كاسِرَاً كاسِحاً ومُفاجِئاً، لمْ نقوَ على نَزقِ رُعودِه، فكادَ أنْ يجعلُنَا كالصِرِّيِّم.
إلى الجُزءِ الثالث: المعلومات المتوفِّرةُ من مصادر موثوقة تقولُ عن نشأةِ وتطوُّرِ الحزبِ الشيوعى السودانى الآتى: فى مساءِ 16 أغسطس 1946 تمَّ تأسيس الحركة السودانية للتحرُّرِ الوطني (حستو). وانَّ المؤتمر الثاني لـ(حستو) تبنَّى بعد عشر سنوات إسم الحزب الشيوعى السودانى. وجاء تأسيس (حستو) نتيجة توحُّد الحلقات الاولى من الشيوعيين التى نشأت تحت تأثير التنظيمات الشيوعية فى مصر، خاصَّة وسط الطلاب، وتحت تأثير شيوعيين بريطانيين كانوا يعملُونَ بالسودان. تزامن تأسيس (حستو) منتصف الاربعينات مع تأثيرات الحرب العالمية الثانية على حركة الوعى الفِكرى والسياسى على الشعبِ السودانى. فقد ساهم السودانيون فى الحرب بالقتال خارج السودان وانفتحوا على التأثيرات الخارجية على مدى بعيد واستمعوا الى وعودِ حلف الأطلنطى وبينها حق تقرير المصير بعد انتهاءِ الحرب فتفتحت لديهم آفاقٌ جديدة. وقد انتهت الحرب بانتصارِ الحلفاء وهزيمة دول المِحور، وضمن الحلفاء المنتصرين الاتحاد السوفيتي الذى انكسر الحِصار حوله فتدفّقتِ الافكار الماركسية والاشتراكية، وانبعثت حركة التحرر الوطني العالمية فى الشرق الأقصى ثم جنوب آسيا ثم فى البلدانِ العربية، وانعكس ذلك كلَّهُ على حركةِ الجماهير فى السودان، فنشأت الاحزاب، وتأسَّست الاندية العُمَّالِية فى المُدنِ الكُبرى، وتحرَّكَ مُزارِعو مشروع الجزيرة وقدَّمُوا مطالِب فى مطلعِ العام 1946. لذلك جاء تأسيس (حستو) مُتزَامِناً مع نُشوءِ الأحزاب السياسية السودانية الأخرى، وفى جوٍّ من الاستقلال الذى يعتمدُ على حركةٍ جماهيريةٍ وآسِعة. ولأنّ المعلومات شحيحة عن الحربَ العالميةِ "الأولى" نورِدُها هنا لتعميمِ الفائدة: الحرب العالمية الأولى هى حربٌ بين القوى الأوربية فيما بينها، نشبت فى 28 يوليو 1914م وانتهت فى 11 نوفمبر 1918م. وقعت الحرب العالمية الأولى بين مجموعة دول الحُلفاء، وتضُمُّ: 1) المملكة المتّحِدة التى تضُمُّ بريطانيا العظمى وإيرلندا، 2) فرنسا، 3) الإمبراطورية الروسية. وبين مجموعة دول المِحْوَر وتضمُّ:1)الإمبراطورية الألمانية،2) الإمبراطورية النمساوية المجَرًّية، 3) الإمبراطورية العثمانية، 4) مملكة بُلغاريا. وبعد الحرب العالمية الأولى عقدَ المجتمع الدولى مُعاهدة "فرْسَاى" 1919م التى رتَّبت إجراءات عِقابية صارِمة ضد ألمانيا أفقدتها جزءٌ من تُرابِها وسكَّانِها وتجارتها وصناعتها. بما فى ذلك فرضِ تعويضات كبيرة لصالحِ دولِ الحُلفاء. ومن نتائج الحرب لعالمية الأولى 1914م- 1918م سقوط الإمبراطورية العثمانية وتقسيم المشْرِق العربى إلى كانتوناتٍ تخضعُ لسيطرةِ الدول المُنتصِرة فى الحرب ضمن ما عُرِفَ بإتفاقية (سايكس- بيكو). فوُضِعت سوريا ولبنان والمُوصِل تحت الحُكم الفرنسى، والأردن وفلسطين تحت الإحتلال الإنجليزى. كما أحتلّت بريطانيا العظمى دولة سلطنة دارفور ودمّرت معالم الدولة فيها ونهبت ثرواتها وآثارها فى نوفمبر 1916م ثُم ضمَّتها لدولة السودان التى لم تتضِح معالِمُها بعد، فقد كانت فى طورِ النشوء على انقاضِ الدوله المهدية التى دمَّرها الإنجليز فى معركة كررى 2 سبتمبر 1898م، ثمَّ معركة أم دبيكرات 24 نوفمبر 1899م وهى آخر معارك المهدية وقد إستشهد فيها الخليفة عبد الله التعايشى رئيس الدولة المهدية. هذا، وقد أقْدَمتْ أنجلترا على غزوِ وتدمير دولة دارفور الفتِيَّة التى طبَّقت صِيتُها الآفاق أنذاك وضمِّها إلى السودان انتقاماً من وقوفِ دولة دارفور مع دول المِحْوَر ضد دول الحُلفَاء فى الحربِ العالمية الأولى، فدفعت ثمن موقفها ذاك تدمِيراً تحت حوافر خيول الإنجليز. وظلَّ أبناء (دولة دارفور) يدفعون ثمن تلك الكارثة قرْنَاً كاملاً منذُ نوفمبر 1916م وحتّى نوفمبر 2016م، وما زالَ الخَلاصُ بعيد المَنَال. فهل نأملُ فى حربٍ عالمية ثالثة يقودُها قُرصَان مغامِر ليُعيدَ لنا مجدَنا الذى أفلَ قرْنَاً كامِلاً، وما ذلك على اللهِ بعزيز. وبُعيدَ الحرب العالمية الأولى عُقد مؤتمر باريس للسلام 1919م الذى تمخَّضَ عنه تأسيس "عُصبة الأمَم League of Nations"، وهى أول "منظمة أمن دولية" هدفَت إلى الحفاظِ على السلامِ العالمِى. وقد وصلَ عدد الدول الأعضاء فى عُصبةِ الأمم إلى (58) دولة فى حدِّها الأقصَى. وكانت الأهداف الرئيسة لعُصبَةِ الأمَم تتمثّل فى منعِ قيامِ الحرب عبر ضمان الأمن المشترك بين الدول. والحدِّ من إنتشارِ الأسلحة، وتسْوِية المُنَازعات الدولية عبر إجراءِ المُفاوضات والتحكِيِّم الدولى كما ورد فى ميثاقِها. وهناك أهداف أخرى لعُصبةِ الأُمم مثل تحسين أوضاع العمل للعُمَّال، ومعاملة سُكَّان الدول المُنْتَدَبَة والمُسْتَعْمَرة بالمساواةِ مع السُكّانِ الموظفين الحكوميين التابعين للدولِ المُنْتَدِبَة، ومقاومةِ الإتجار بالبشرِ والمخدِّرات والأسلحة، والعناية بالصحَّةِ العالمية، وبأسْرَى الحرب، وحماية الأقلِّيات العِرقِية فى أوربا.
هذا، وقد عاش الحزبُ الشيوعى السودانى معظمَ حياته تحت ظلِّ السرِّية باستثناءِ عام 1965 حين كسب حق العلنية بعد ثورة أكتوبر 1964م، وثُمَّ فى الأعوام 1985م-1989م بعد انتفاضة أبريل 1985م. ثُمَّ بدأ الحزب الشيوعى يمارسُ نشاطه فى العلنِ بعد التوقيع على اتفاقِ السلام الشامل (نيفاشا) 2005م. وعقد الحزب الشيوعى السودانى ستّة مؤتمرات عامَّة. الأول فى اكتوبر 1950م، والثاني فى اكتوبر 1951م، والثالث فى فبراير 1956، والرابع فى اكتوبر1967م، والخامس فى 2009م، والسادس فى أغسطس 2016م. اصدر الحزب الشيوعى السودانى صحيفة سرِّية باسم (اللواء الاحمر) فى ديسمبر 1950. ثم أصدرَ صحيفة علنية باسم (الميدان) فى 1954م ظلت تصدرُ سرِّية وعلنية بحسب تطورات الأوضاع السياسية. بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل فى 9 يناير 2005م خرج الحزب الشيوعي للعلنِ، ويشكِّلُ حالياً مع العديد من الأحزابِ المعارِضة تحالف قوى الإجماع الوطنى ومجموعة "نداء السودان" بهدف إسقاطِ نظام المؤتمر الوطنى، واستعادة الديمقراطية. ومن ألمَعِ القيادات السياسية السودانية التى قدّمتها الحزب الشيوعى السودانى السادة/ عبد الخالق محجوب، جوزيف قرنق، الشفيع أحمد الشيخ، محمد إبراهيم نُقد، فاطمة أحمد إبراهيم، خالدة زاهر سرور، والخاتم عدلان. انتقل معظمهم إلى الرفيقِ الأعلى، ويقود الحزب الآن نخبة نيِّرَة من القيادات على رأسِهم السكرتير السياسى الحالى السيد/ محمد مختار الخطيب. ولكنَّ ألمَعهُم على الإطلاق هو المحامى الفطحَل والكاتب والأديب أستاذ الجيل مولانا/ كمال الجزولى، والمهندس صديق يوسف ود. شفيع خضِر، والأستاذة/ ناهد جبر الله، والأستاذ صالح محمود.
من محاسنِ الحزب الشيوعى السودانى: . إنضَمّ للحزبِ الشيوعى السودانى خيرة أبناء السودان المُتعلمين المُستنيرين الوطنيِّين، فطوَّروا الممارسة السياسية السودانية، وأسسوا لمدرسة تنظيمية فريدة أخذ منها مُعظم التنظيمات والأحزاب السياسية، وخاصَّة الجبهة الإسلامية. . ربط الحزب الشيوعى السودانى العمل السياسى برابطٍ وطنى عميق يُعْلِى من شأنِ الوطن السودان بحدوده الجغرافية وسكانه جميعهم. ولم يُعرف عن الحزب أى تمييز بين السودانيين لأىِّ سبب. لذلك إلتحمَ الحزب الشيوعى السودانى بقضايا جماهير الشعب وأشواقهم وعبّر عنها، وناضل لإعلاءِ قيمهِ وحضارته وتُراثهِ. . تبَنّى الحزب الشيوعى التُراث السودانى والفن والغناء والإبداع المُعبِّر عن وُحدة السودان وتطلعات شعبه نحو الحُريَّة والحُكم الرشيد والرفاهية. لذلك إحتضنَ الحزب المُبدعينَ ورعَاهُم واظهرَ إبداعاتهم التى كانت الأسمنت الذى ربط بين شعوب السودان فى كُلِّ أقاليمه، فصارت تلك الأعمال والفنون المُبدِعَة مِحوَراً للتماسُكِ العاطفى لكُلِّ السودانيين. . تبنَّى الحزب الشيوعى السودانى إظهار ورعاية ونشر أشعار أعظم شعراء السودان الذين نظَمُوا قرِيضَاً خالِداً فى الوطنِ مثل شاعر الشعب محجوب شريف ومحمد سالم حميد والقدال وعاطف خيرى وأزهرى محمد على. فغنّاها الفنانون الكبار وفى مقدِّمتهم فنان إفريقيا الأول محمد عثمان وردى ذلك الفرعون الكوشى العظيم، ومحمد الأمين ومصطفى سيد أحمد وابو عركى البخيت، ومجموعة عِقد الجلاد، وبقية الشُرفاء من فنَّانِى السودان. ومحمد وَرْدِى يجرى مِن كُلِّ سودانى وطنى مجرى الدم فى الوَرِيد، وللحزبِ الشيوعى السودانى القِدح المُعَلّى فى تشجيع وردى وتبنِّيه لإظهار تلك الدُررِ الخالدة التى شكّلت وُجدان الشعب السودانى وألّفت بين قلوبهم. وشاعر الشعب السودانى وحبيبَهم المُلهِم محجوب شريف أخرج كنوز شعرِه تحت ظِلال الحزب الشيوعى الذى إحتضنه ورَعاه. بينما وآجب حماية المُبدع، أىِّ مُبدِع، ورعايته يقع على الدولةِ والحكومة إلّا فى السودان حيث يُعَادِى معظم الأنظمة الحاكمة المُبدِعين وتُحَارِبهم حتَّى الموت. ولا أقولُ أنَّ محمد وردى ومحجوب شريف ومصطفى سيد أحمد وحميد والقدّال وعاطف خيرى وأزهرى كانوا شيوعيون بالضرورةِ!، ولكن أقولُ بثقةٍ أنَّ الحزب الشيوعى السودانى قد إهتم بإبداعِهم الوطنى، وقام بإحتضانِهم وتشجيعهم، وخلق المُناخ السليم لتقديمِ إبداعِهم الوطنى المُلهِم، الذى وَفَّرَ مَنْهَلاً وطنِيَّاً عذبَاً، وَحَّدَ السودانيون على عشقِ تُرابٍ الوطن وإنسانِه، فألتزمُوا ببناءِه وتطويره، وتعَاهدُوا على صونِ تُرابِه والموت من أجلهِ، إن دعَا داعِى الفِدَاء. فكانت الأغنيات التى "عجنَت" السودانيين فى السودان:(عشرات حبابك.. سلامات، يسلم شبابك، شايل سحابك، القِبلِى شابِك، وهواك هنا، صابرين.. عاشقين تُرابك.. سلامات). وكانت: (وطنّا.. البإسمك كتبنا ورَطنّا، احبّك مكانك صميم الفؤاد، وبإسمك أغنِّى، وتغنِّى السواقِى.. خيوط الطواقِى.. سلام التلاقى ودموع الفراق.. وأحبك مَلاذ وناسك عُزَاز.. وأحِبَّك حقيقة وأحِبَّك مَجَاز.. وما بين ظِلالك أفتِّش واكُوس.. أفتش طفولتى وملامِح صِبَآى.. بناتك عيونهن صفَاهِن سَمَاك، وهَيبَة رجالِك بتسند قفَاى.. بحضرةِ جلالك يطيب الجلوس مُهذّب امامك، يكون الكلام.. لأنَّك مُحنَّك، عميق الدُروس، مجِيد المَهابة، ومدِيد القَوام.. شبابك تشابك، شديد الزِحام.. أرآهم وَرَاهم غُبار الحياة). ولمّا جلسَ وَرْدِى للوطنِ عندما مقطع (بحضرَةِ جلِالك يطيب الجلوس..) وكرَّرها عُدّة مرَّات، فهِمْنَا الدرسَ والرِسالة. وقررّنا وتعاهدْنَا نحنُ أبناء جيلنا أن نمكُثَ فى هذا الوطن لا نُبارِحُهُ قيدَ أنمُلَة، ورفعنا شِعار: (وعَنَّك بعيدَاً أبيت الرَحِيل)، وكان مِيثَاقاً غلِيظاً للوطن، وعهدَاً به نصونُ تُرابه، ونخدمُ مُواطِنَه. ولكن، صحونا من نومِنا صحبية 30 يونيو 1989م على وَقْعِ دَوِىِّ كارِثة إنقلابِ (الكيزان) وقد حسَمُوا الوطن!. (من المُدفَع طلع خازُوق، خوازِيق البلد زَادَت). فسجّلُوا السودان ضيعة خاصَّة بهم. ومن يومِها لم يرَ السودانُ وأهلَهُ النور، ولم نتغنَ بعده فقط مع وردى وأبوعركى ومصطفى، فرحِينَ مُستَبْشِرين. ومن يومِها، لم نستمع لمحجوب شريف زهْوَاً وهو يقرَأُ على مسامِعنا أشعاراً تلهِمُنا وتلهِبُ مشاعِرنا: (أبدَاً جذورك فينا تمتدَّ وتزِيد، والبزدرِيك، يا ويلو من زحفِك عليهو ومن مشِيك.. يا ويلو من أجلو الوشِيك، يوم ينكسر قيدَ الحديد، والسونكى والزنزانة والسجن السمِيك.) وكنَّا نضِيفُ من عندِنا، (يا فِلانَة!). وكانَ (عُرس السودان): (فى زمنِ الغُربةِ والإرتحال، تأخذنى منك وتعْدُو الظِلال.. وانت عِشقِى.. حيث لا عِشقَ يا سودان إلّا النسور الجبال.. يا شُرفَة التاريخ، يا رآيةً منسُوجةً من شموخِ النساءِ، وكِبرياء الرِجال.. كان إسمُهَا أم درمان، كان إسمها الثورة، كان العُرسُ عرس الشمال، وكان جنوبيا هوَاها.) وكانت: أىِّ المشَارِق (نحنُ رفاق الشُهداء)، كلمات/ على عبد القيوم: (أىِّ المشارقِ لم نغازِل شمسُها؟.. ونمِيطُ عن زيفِ الغُموضِ خِمارِها؟.. أى المشانق لم نزلزلُ بالثباتِ وَقارِها؟.. وأىِّ الأناشيدِ السماويات لم تشدد لأعراسِ الجديد بشاشة أوتارها؟.. نحنُ رفاقُ الشهداء.. نبايعُ الثورة وآلِدَاً و وَلدَا.. نُبايعُ السودانَ منبَعَاً وموْرِدَاً.. نحنُ الكادِحُونَ الطيبُون والمناضِلُون.. نحنُ جنودُ الثورة التقدُّمِيَّة.. نحنُ المثقفُونَ الشُرفاء.. نحنُ النساءُ العاملات.. نحنُ أمهاتُ الشهداء.. آباؤهم نَحنُ.. إخوانهم نحنُ.. أخواتهم نحنُ.. نبايعُ السودان سيِّدَاً.. نبايعُ الثورةُ وآلِدَاً و وَلدَا.) . لم يسْعَ الحزبُ الشيوعى السودانى يوماً للكسبِ الرخيص، أو الدعوة الفَجَّة للإنضمامِ إلى صفوفِهِ، أو مجرد الدعوة للتصويتِ له فى انتخابات. أقول هذا كشاهد عَيَان على عصرٍ زاملتُ فيه خيرة شباب الحزب فى الجامعاتِ السودانية، وما بعد التخرُّج فى النقاباتِ المِهَنِيّة. لا يمكن قط ان يستجدِيكَ الحزبُ الشيوعى للإنضمام إليه أو مؤازرِته. بينما (الكيزان) الذين كانوا بالأمسِ القريب يضنِّنُون على زملاءهم الطُلَّاب بالسلام تحية الإسلام، لا يُسمعُ منهم تحية أو سلام أو إبتسام حتى يقترِب موعد الإنتخابات لِتُرَى البسمة على وُجُوهِهم والتحية تنطِق بها أفواهِهم. يأتون بلا حياء ليطلبوا من زُملاءِهم الطُلّاب الذين كانوا (يكشِّرُونَ) لهم طوال العام ليطلبوا منهم التصويت لهم لنُصرةِ دين الله. وأنَّ المعركة الإنتخابية المُحتَدِمة هى بين الله و"ماركس". بين حزب الله وحزب الشيطان!! دون أن يوضِحُوا لنا بيان بالعمل، من هو حزبُ الله ومن هو حزب الشيطان، فإنَّ البقرَ تشَابَه عليْنَا ؟! لكنَّ الشيوعيون بإختلاطهم بالناس وعملِهم معهم صباح مساء، وبحُسنِ معاملتهم وإشراك الجميع فى أنشطتِهم الوطنية التى لا تسمَع منهم ولو لمَرَّة وآحدة مِنَّة أو أذى، أو أنهم الحزب الشيوعى السودانى العِملاق. ولكن الأمر كلَّه أنَّهم سودانيون يحبون تراب هذا البلد وشعبِه، ويقدِّمُون لأجلهِ الغالى والنفيس، وهو يجب أن يكونَ هدف كل مواطن شريف. . يميّز الشيوعيون كبقيّة الشرفاء فى السودان، نظافة اليد والذمّة وخاصة الذُمّةِ المالية، وعِفّة اللسان. والشيوعيون ظلّوا طوال تأريخهم يقدِّمون العون ويقِيلُونَ العَثَرَة، أخوة أحِبَّاء للجميع لا يؤّتَى السودان وشعبِه من ثَغْرِهِم. والشيوعيِّن وكل أبناء السودان الوطنيين الشُرفاء لا يدخلون مدخلاً ولا يجلسون جلسة يأتى منه/ا شُبهةَ فساد أو أخذ ذرّة من المال العام أو أى فساد مهنى أو إدارى. ولم يعرف السودان الفساد والرَتِع فى المالِ العام إلا فى عهد (الإنقاذ) ويسمونه (تمكيناً) لعباً بآياتِ الذكرِ الحكيم. . ومن أهمَّ محاسنِ الحزب الشيوعى أنه فطنَ باكِرَاً لخطرِ الجبهة الإسلامية، وقرَّر كشف زيفها وتعرِيتها للشعبِ السودانى، ولكن الجبهة الإسلامية إستغلت دِثار الدين فى الدفاعِ عن نفسِها، وفى محاربةِ الحزبِ الشيوعى الذى لا يقحِمُ الدين فى العملِ السياسى ويعتمِدُ الصدقَ وعفّة اليدِ اللِسان، والألتزام الصارِم بالأخلاق الفاضِلة وبقواعدِ الفُرسَان.. بينما الجبهة الإسلامية تلعَبُ بكُلِّ الأوراق بـ (براغماتية) مُستحِيلة النظِير. واللعب بورقةِ الدين فى التشهير بالحزب الشيوعى الذى لم يجارى (الكيزان) فى تلك المعركة وكانَ أنْ خَسِّرَ الحزبُ الشيوعى معركتهِ مع الجبهة الإسلامية، فسقطَ السودان فريسة فى أيدى تجّارِ الدين. وهو خطأ قاتل ما كان للحزبٍ الشيوعى أن يقعَ فيه. . الحزب الشيوعى السودانى كان وما زال هو قلعة التنوير والتبشير بالحياة الحُرَّةِ الكريمة لجماهير الكادحين والعمال فى الريفِ السودانى، وخاصَّة فى تجمُّعاتِهم الكبيرة فى مدينة عطبرة حيث رئاسة السكة الحديد، والإقليم الأوسط حيثُ مشروع الجزيرة المرويّة. وفى الخرطوم حيثُ مَشاعِل العِلم والمعرفة فى جامعة الخرطوم والجامعات الأخرى، وحيثُ المصانع والمناطق الصناعية، ونقابات العمّال والمهنيين. وسيظل الحزب الشيوعى السودانى هو مَثَابة ودّْ البلد البسيط الكادح العاشق لتُراب الوطن. هو الحزب الناشر للمعرفةِ والوَعِى، والمُبشِّر بعصرِ الجماهير وعصر الحريّةِ والعيشِ الكريمِ والعدالة الإجتماعية.. عهد المساواة ومحاربة الجشع والرجعية وإحتكار رأس المال.. إلخ من شعاراتِ الإشتراكية.
(نواصل فى جُزءٍ ثانى سردِ بعض جوانب قصور الحزب الشيوعى السودانى)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة