النحاس يلوح بإلغاء معاهدة 1936 في خطاب العرش الذي تلاه في 16 نوفمبر 1950 عند افتتاح الدورة البرلمانية، قال مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر إن معاهدة سنة 1936 قد فقدت صلاحيتها كأساس للعلاقات المصرية - البريطانية وأنه لا مناص من اتخاذ قرار بإلغائها، ولا مفر من الوصول إلى أحكام جديدة ألا وهي الجلاء الناجز الشامل ووحدة مصر والسودان تحت التاج المصري. وأعلن أن الحكومة المصرية ماضية دون تردد أو إبطاء في تحقيق الأهداف الوطنية ولن تترك وسيلة إلا اتخذتها للوصول إلى غايتها، ومن هذه الوسائل إلغاء معاهدة سنة 1936 إستناداً إلى تعارضها مع ميثاق الأمم المتحدة فضلاً عن تغير الظروف التي لابست إبرامها، وما يتبع ذلك من إلغاء إتفاقيتي 19 يناير و10 يوليو 1899 بشأن السودان.
أحكام معاهدة سنة 1936 تم التوقيع على المعاهدة في 26 أغسطس 1936 بين مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر وأنتوني إيدن وزير خارجية المملكة المتحدة. إسمها الرسمي «معاهدة التحالف» وأطلق عليها النحاس إسم «معاهدة الشرف والاستقلال». ضم وفد التفاوض بشأنها كل الأحزاب المصرية باستثناء الحزب الوطني الذي تمسك بسياسته الداعية إلى عدم المفاوضة إلا بعد الجلاء. ما يهمنا من أحكام المعاهدة في هذه السياق الآتي: - سحب القوات البريطانية من المدن المصرية باستثناء تلك التي ترابط في منطقة قناة السويس لكفالة حرية الملاحة في القناة وحمايتها التامة. - في حالة الحرب أو خطر الحرب الداهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها، تلتزم الحكومة المصرية بتقديم كل التسهيلات والمساعدات للقوات البريطانية ويكون لها حق استخدام موانئ مصر ومطاراتها وطرق المواصلات بها. - عودة وحدات من الجيش المصري إلى السودان وكانت قد سُحبت منه إبان أحداث سنة 1924. فقد نصت الفقرة الثالثة من المادة 11 من المعاهدة على أن «يكون جنود بريطانيون وجنود مصريون تحت تصرف الحاكم العام للدفاع عن السودان فضلاً عن الجنود السودانيين». - أجازت المادة 16 من المعاهدة لأي من الطرفين بعد انقضاء فترة عشرين عاماً على سريان المعاهدة، طلب الدخول في مفاوضات لإعادة النظر في احكامها. وأجازت المادة 16 أيضاً الدخول في مفاوضات لإعادة النظر في أحكام المعاهدة بعد انقضاء فترة عشر سنوات على سريانها، ويكون ذلك بموافقة الطرفين.
تقييم أمريكي - بريطاني لمسألتي الدفاع والسودان: أغسطس - سبتمبر 1951 أبلغ وزير خارجية بريطانيا موريسون وزير خارجية مصر محمد صلاح الدين في 17 أغسطس 1951 أنه يبحث على وجه الاستعجال مشروعاً جديداً لعلاج مسألة الدفاع. وفي واقع الأمر فقد كانت الحكومتان البريطانية والأمريكية عاكفتين على بحث مشروع جديد لإقامة نظام دفاعي للشرق الأوسط ليحل محل الترتيبات الثنائية بين مصر وبريطانيا بمقتضى معاهدة سنة 1936. وكانت الحكومة الأمريكية على اقتناع تام بأن مثل هذا النظام مهم لحماية المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الغربية في الشرق الأوسط ضد الخطر الشيوعي. وإزاء تباين مواقف مصر وبريطانيا بشأن مسألة السودان وتهديد الحكومة المصرية في يوليو 1951 بقطع المفاوضات، اقترحت وزارة الخارجية الأمريكية تكليف جيفرسون كافري السفير الأمريكي في القاهرة ورالف استيفنسن السفير البريطاني هناك بإعداد تقييم مشترك عن الشعور العام في مصر بشأن الوجود العسكري البريطاني ومسألة السودان. فقد كانت الحكومة الأمريكية تخشى أن يؤدي إلغاء معاهدة سنة 1936 واتفاقيتي سنة 1899 إلى انهيار العلاقات المصرية - البريطانية وحدوث اضطرابات في مصر تعرض للخطر المشروع الغربي للدفاع عن الشرق الأوسط. حري بنا أن ننوه هنا إلى أن امريكا كانت تتبع آنذاك سياسة إحتواء الشيوعية. صاغ هذا المبدأ أو المفهوم الذي أسست عليه هذه السياسة الديبلوماسي الأمريكي جورج كينان وهو في مجمله عبارة عن تعهد بمقاومة الشيوعية أنى وجدت. ويعتبر مبدأ الرئيس الأمريكي هاري ترومان التطبيق العملي لهذا المفهوم. وعلى سبيل المثال شملت التطبيقات ملء الفراغ الذي قد يحدثه زوال الاستعمار الأوربي التقليدي في آسيا وافريقيا والشرق الأوسط حتى لا يتمدد فيه النفوذ الشيوعي، وتقديم العون العسكري والاقتصادي للدول لتمكينها من الصمود في وجه التوسع الشيوعي وإقامة الأحلاف العسكرية.
نتائج التقييم المشترك رفع السفير البريطاني نتائج التقييم المشترك إلى حكومته في 28 أغسطس 1951. ونود أن نسجل هنا أن السفيرين خلصا -ضمن أمور أخرى- إلى النتائج التالية: 1- إن أياً من الزعماء السياسيين الحاليين في مصر لن يجرؤ على أن يحيد عن شعاري الجلاء ووحدة وادي النيل. 2- ما لم يُقدم إلى مصر عرض مقبول كأساس للتفاوض لتسوية مسألتي الدفاع والسودان، فسيجري قريباً إلغاء معاهدة سنة 1936 من قبل حكومة الوفد. وسيتبع ذلك إجراءات إدارية موجهة ضد القوات البريطانية في منطقة قناة السويس وقد يصاحب ذلك مظاهرات معادية لبريطانيا. وهذا فضلاً عن أن مصر ستعلن وقوفها على الحياد في حالة نشوب حرب كبرى مما سيؤثر على فائدة القاعدة واستراتيجية الدول الغربية في زمن الحرب.. 3- إن المشروع الجديد بشأن مسألة الدفاع والذي تجري دراسته من قبل الحكومتين الأمريكية والبريطانية لن يكون مقبولاً لدى الحكومة المصرية إلا إذا روعي في صياغته إعطاء وزن كبير للشعور المصري العام. 4- إن الحد الأدنى من التعاون المطلوب من مصر لن يتوفر إلا إذا وضعت مصر على قدم المساواة مع الدول الأخرى المشاركة في النظام الدفاعي الجديد للشرق الأوسط. 5- إن أية حكومة مصرية لن تكون مستعدة للدخول في اتفاقية دفاعية إلا إذا تزامن ذلك مع تسوية مسألة السودان. 6- لا يوجد أي ضمان بأن أية حكومة مصرية ستملك الشجاعة الكفاية لقبول أي عرض مهما كان سخياً ومخلصاً إذا كان لا يحقق شعاري الجلاء ووحدة وادي النيل. وتأسيساً على هذه النتائج تقدم السفيران كافري واستيفنسن بسبع توصيات كانت ثلاث منها عن مسألة السودان وثلاث أخرى عن مسألة الدفاع. وأما التوصية السابعة والأخيرة فقد كانت عما يمكن أن يحدث إذا لم تصل الأطراف إلى اتفاق. وقد كانت هذه التوصيات كما يلي: 1- إن المشروع الجديد بشأن الدفاع يجب أن تقدمه دون تأخير بريطانيا والولايات المتحدة وربما بمشاركة فرنسا، كما ينبغي أن يحظى بالدعم الدبلوماسي من تركيا. 2- يجب الاعتراف علناً بحق مصر كدولة ذات سيادة بأن تطلب سحب القوات الأجنبية من أراضيها ولكن بشرط أن توافق على تقديم التسهيلات التي تحتاجها القيادة المتحالفة. 3- إلغاء معاهدة سنة 1936 واستبدالها باتفاق متعدد الأطراف لإنشاء القيادة الجديدة. 4- إعادة النظر في إمكان الاعتراف علناً بالوضع الدستوري والقانوني للتاج المصري فيما يتصل بالسودان. 5- تحديد موعد مبكر لحصول السودان على الحكم الذاتي وصون حق السودانيين في تقرير مصيرهم. 6- النظر في مسألة الحصول على ضمان دولي لاتفاق مصري - سوداني بشأن مياه النيل. 7- التفكير العاجل في المضاعفات السياسية والعسكرية التي تترتب عن الفشل في الوصول إلى اتفاق وما يتبع ذلك من تدهور للموقف.
حكومة السودان تعترض على التاج المصري اعترضت حكومة السودان على التوصية المتعلقة بإعادة النظر في إمكان الاعتراف علناً بالوضع الدستوري والقانوني للتاج المصري في السودان. ففي برقية بتاريخ 3 سبتمبر 1951 إلى وزارة الخارجية البريطانية اعتبر الحاكم العام بالانابة ذلك احياءً لمشروع بروتوكول صدقي-بيفن. فقد قال إن توصية كافري واستيفنسن أصابته بصدمة عارمة. وذكَّر برد الفعل العنيف ضد بروتوكول صدقي-بيفن في عام 1946. وحذر الحاكم العام بالإنابة من أن رد فعل السودانيين على اقتراح مماثل سيكون أكثر عنفاً نسبة للتزايد المضطرد في الوعي السياسي وللتأكيدات البريطانية المتكررة لما صرح به بيفن في مجلس العموم في 28 مارس 1946 من أن الحكومة البريطانية لن تغير وضع السودان بغير مشورة السودانيين. خاصة وأن تعاون السودانيين خلال السنوات الخمس الماضية كان مبنياً على هذه التأكيدات. وذهب الحاكم العام بالإنابة إلى أن اعترافاً كهذا سيكون كارثة تقضي على اسم بريطانيا ونفوذها في السودان. وستكون النتيجة اضطرابات في المدن يقوم بها مؤيدو الاستقلال بذريعة أنه قد غُدر بهم، كما يقوم بها مؤيدو الوحدة في فرحة انتصارهم، ثم تنتشر الاضطرابات إلى البادية حيث رجال القبائل وخصوصاً الكتل الضخمة التي تدين بالولاء للسيد عبدالرحمن المهدي وتستجيب لنداء قيادتها الدينية. ونبه الحاكم العام بالإنابة إلى أن القضاء على الاضطرابات سيكون صعباً لأنه لا يتوقع معاونة مخلصة من الموظفين السودانيين أو من رجال الأمن السودانيين الذين سيتعاطفون مع مواطنيهم. و«أما القوات المصرية فستكون عبئاً وعديمة الفائدة. ولذلك سأكون مضطراً لاستخدام القوات البريطانية وفي ذلك مخالفة لتأكيداتكم القاطعة كما جاءت في برقية وزارة الخارجية رقم 27 بتاريخ 25 يناير 1947 من أن حكومة صاحب الجلالة لن تسمع بالرصاص يطلق على السودانيين لفرض آراء حكومة مصرية». وأثار الحاكم العام بالإنابة نقطة مهمة وهي «اتجاه الموظفين البريطانيين الذين نحكم من خلال تفانيهم وإخلاصهم للسودانيين. إن هؤلاء الموظفين وأسلافهم لم يخدموا السودانيين لنصف قرن ليسلموهم رغم إرادتهم للمصريين. لقد وقف الموظفون البريطانيون بصلابة خلف المرحوم السير هيوبرت هدلستنون في مقاومة مفترحات صدقي-بيفن. وبكل تأكيد سيعتبرون هذه المحاولة لبعث تلك الاقتراحات خيانة للسودانيين وسيشعر كثيرون منهم تعذر استمرارهم في الخدمة. وأنا أرجوكم صادقاً أن تولوا هذه الناحية اهتمامكم الكامل». وطلب الحاكم العام بالإنابة انتظار تقرير لجنة تعديل الدستور قبل محاولة تحديد تاريخ لحصول السودان على الحكم الذاتي. ولكنه أكد على ضرورة الإبقاء على حق تقرير المصير لأن السودانيين يعولون عليه. ووافق الحاكم العام بالإنابة من حيث المبدأ على فكرة الضمان الدولي لاتفاق مصري- سوداني بشأن مياه النيل بشرط أن يكون ذلك الاتفاق نتيجة مفاوضات حرة بين مصر والسودان. وبما أن الحاكم العام روبرت هاو والسكرتير الإداري جيمس روبرتسون كانا آنذاك بالمملكة المتحدة، فقد نصح الحاكم العام بالإنابة وزارة الخارجية البريطانية باستشارتهما. وسارع السفير البريطاني في القاهرة رالف استيفنسن فأبرق إلى وزارة الخارجية البريطانية في 4 سبتمبر 1951 قائلاً إن الحاكم العام بالإنابة قد أخطأ فهم التوصية المتعلقة بإعادة النظر في إمكان الاعتراف علناً بالوضع الدستوري والقانوني للتاج المصري فيما يتصل بالسودان. ونفى السفير أن يكون قد قصد بذلك الاعتراف بسيادة مصر على السودان أو الاعتراف بأكثر مما يعتقد بوجوده أهل العلم من رجال القانون. إذ يعتقدون أن تلقيب ملك مصر لنفسه بلقب «ملك مصر والسودان» ينبغي أن يقبل. وأوضح استيفنسن أن التوصية بإعادة النظر في إمكان الاعتراف علناً بالوضع الدستوري والقانوني للتاج المصري فيما يتصل بالسودان إذا أخذت مع التوصية بحصول السودان على الحكم الذاتي وصون حق السودانيين في تقرير مصيرهم، فإنها ستعني أن علاقة السودان بتاج مصر ستكون نوعاً من أنواع الدومنيون أو ربما اتحاد في شخص ملك مصر. أما حكم السودان فسيستمر بالطبع من خلال الأجهزة القائمة تحت إشراف الحاكم العام إلى أن يحين الوقت الذي يحصل فيه على الحكم الذاتي. ويبدو أن وزارة الخارجية البريطانية قد اقتنعت بوجاهة انتقادات الحاكم العام بالإنابة لتوصية السفيرين كافري واستيفنسن بشأن إعادة النظر في إمكان الاعتراف علناً بالوضع الدستوري والقانوني للتاج المصري فيما يتصل بالسودان. ففي اجتماع عقد بمقر الوزارة في لندن في 4 سبتمبر 1951 وشارك فيه الحاكم العام روبرت هاو والسكرتير الإداري روبرتسون، قال بوكر أحد مسؤولي وزارة الخارجية إنه سيبلغ الحكومة الأمريكية خلال محادثاته المقبلة معها بأن أي تصريح علني بشأن وضع التاج المصري في السودان لن يكون مقبولاً حتى ولو صاحبه تأكيد لحق السودانيين في تقرير مصيرهم. كما قال بوكر إنه سيبلغ الحكومة الأمريكية كذلك بأنه لا داعي لإصدار مثل هذا الإعلان طالما أن المصريين لن يقبلوا بحق السودانيين في تقرير مصيرهم. وأشار بوكر إلى أنه سيتعين عليه إقناع الحكومة الأمريكية بأن حكومة السودان قد اتخذت خطوات عملية لاستقلال السودان. وهنا أوضح الحاكم أن السودانيين يتمتعون بقدر كبير من الحكم الذاتي حيث أنهم يشكلون الأغلبية في الجمعية التشريعية والمجلس التنفيذي. وأوضح كذلك أنه يتمتع بموجب قانون المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية لعام 1948 بسلطات واسعة ولكنه لم يستخدمها قط، وأن ما تريده الحكومة المصرية هو أن تنقل هذه السلطات لها وهذا ما لن يقبله السودانيون. وحذر الحاكم العام من أنه إذا ألغت مصر المعاهدة فإن السودانيين سيعتبرون أنفسهم غير ملزمين باتفاقية الحكم الثنائي وسيطالبون بالاستقلال فوراً وسيكون عندئذ من العسير منعهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة