جرة نم 11 محمد التجاني عمر قش mailto:[email protected]@hotmial.com المهندس بلة إبراهيم الحسن، محافظ محلية بارا الأسبق، رجل شهد له الجميع بالحزم والعزم، وحسن التصرف وقوة الشخصية، والقرار الصائب والمواقف الشجاعة؛ فقد ترك سمعة طيبة في دار الريح، ولا يزال الناس يذكرونه بالخير. ذات مرة جرت أحداث مؤسفة بين بعض مكونات المنطقة وأعتدى أحد الأطراف وأزهق أرواح بعض الأبرياء في وضح النهار، فما كان من السيد المحافظ إلا أن تصرف بحزم وحسم الموقف بطريقة فورية حقناً للدماء وحفظاً للأمن؛ فأشادت بتصرفه وحنكته الجهات الرسمية والشعبية وتبارى الشعراء والشواعر في مدحه ولعل من أروع ما قيل في تلك المناسبة قول عمنا الشاعر الكبير عيساوي محمد أبو شناح الذي قال: يا دقر الدُقُرّة البيك القبايل عاطن ويا ضراع الكاكنيت المنو المخاويل جاطن يا دوس النجوس خلي النفوس تتواطن إما صرِّحلنا وخلنا النتباطن ولعل أول ما يلاحظ على هذه المربوعة أن الشاعر قد استخدم فيها أسلوب الاستعارة بدلاً من التشبيه فحذف أوجه الشبه وأدوات التشبيه كما يتضح من قوله:" دقر الدُقُرّة، وضراع الكاكنيت" ففي الحالة الأولى يريد الشاعر أن يقول إن الممدوح هو الثعبان الذي يلقف غيره من الثعابين كناية عن قوته وقدرته الفائقة وكأني به يقتبس المعنى من قول الله تعالى: "فإذا هي تلقف ما يأفِكون" وهذا لعمري شأو بعيد في البلاغة لا يبلغه إلا ذوي الذوق الرفيع والموهبة الفذة في الشعر. أما بقوله "ضراع الكاكنيت" فهو يشبه الممدوح بالأسد؛ فحسب لهجة دار الريح، فإن كلمة "الكاكنيت"، التي لا أعلم لها أصلاً، يقصد بها الأسد وإن لم تكن من المفردات الشائعة! وكثيراً ما يشبه الفارس والرجل الشجاع بالأسد ولكن الشاعر يعطي المعنى والتشبيه قوة بجعل "المخاويل" التي يقصد بها الوحوش في الغابة تخاف وتضطرب نظراً لهيبة هذا الممدوح. وقد يقصد الشاعر بقوله "ضراع الكاكنيت" الجمل القرْم والفحل الذي تهابه الفحول الصغار لأن "المخول" من الإبل هو ما يترك دون تأديب حتى يكون فحلاً نظراً لبعض الصفات والملامح التي تجعله صالحاً ليكون فحلاً! ومما يزيد المربوعة روعة وبلاغة أن الشاعر لا يفتئت على الحاكم بل يطلب منه تطبيق القانون والنظام" يا دوس النجوس" حتى يعيش الناس كمواطنين في أمن وسلام "نتواطن". كما أنه من ناحية أخرى يطلب الصراح والإذن إذا تعذر تطبيق القانون حتى يستطيع الطرف المعتدى عليه رد الظلم عن نفسه لأنه قادر على ذلك لولا تقديره للنظام وسلطة الدولة كما يتضح من قوله " إما صرِّحلنا وخلنا النتباطن". اشتهر العم عيساوي بشعر الدوبيت منذ وقت مبكر من عمره، وكان غالب شعره في الفروسية ووصف مغامرات (الهمباتة) ووصف الجِمال النجيبة السريعة، والفخر، والغزل أحياناً. ويكاد شعره يخلو من غرض المدح، عدا هذه المربوعة ذات الغرض الخاص؛ إذ كان شعره يتسم بالثورة والنفس الحار. فَرَعَ هذه المربوعة بمدح المحافظ (بلّة) فجعله ثعبان الثعابين (دابي الدوابي) أي سيّدهم قوّةً وخطراً وشراسةً وقتلاً هذه الصفات والمحامد جعلت (المحافظ) تعلو سمعته ويشتهر بين القبائل، أي: (عاطت) به القبائل، و(العَيَط) كما ذكر ابن فارس: أصلٌ يدل على ارتفاع وعلو. ثم أتى إلى غرضه الذي من أجله أنشأ المربوعة فطلب من هذا السيّد الذي تهابه الأسياد أن يتقصى المشكلة ويطارد المجرمين ويقتص منهم لأهل الضحايا وبهذا "تتواطن" النفوس وترضى وتتراجع عمّا كان قد شابها من الحزن والتشفي والطلب بالثأر -وإن لم تصنع – وهو بمقدورك وتحت إمرتك – فصرح لنا بأن نأخذ بثأرنا وحقنا من هؤلاء المجرمين؛ فنحن عليه أقدر، وبه أجدر. وقد ترك الشاعر للمحافظ موازنة صعبة في الشطرين الأخيرين من المربوعة؛ فقد خيّره بين حل المشكلة حلاً قانونياً، وبين ترك الحبل على غاربها فيفتتن الناس ويقتتلوا مما لا يمكن أن يسمح به القانون؛ فهما حلّان يكمنان في حلّ واحد، حيث أن الخيار الأخير لا يمكن أن يسمح به القانون فيأذن به المحافظ مما يمثل وجهاً جمالياً من وجوه جمال النص.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة