في أحد الأيام راجعت وزيرة الخارجية الأمريكية تفاصيل راتبها الشهري.. أسباب التدقيق في الأرقام أن سيدة الدبلوماسية الأولى اكتشفت أنها نالت مخصصات أقل من مساعديها.. لكن السيستم أخبرها أنها لا تستحق إحدى أهم العلاوات ..السبب أنها حينما كانت سناتور بمجلس الشيوخ أيدت تشريعاً يزيد مخصصات منسوبي وزارة الخارجية ..موافقتها السابقة تمنعها من الاستفادة من الامتياز الذي ساعدت في تمريره كقانون..هذا الاستدراك الأمريكي يمنع النصب على المستقبل. أمس الأول تعالت الأصوات في الجمعية العمومية للحوار الوطني بشأن دستور جديد.. العزف على كلمة دستور دائم تولد نغمات ذات جرس موسيقي جميل.. حيث يصحب ذلك لوم الماضي بعبارات كيف لبلدنا العريق أن يحكم بدساتير مؤقتة طوال السنوات الماضية.. الصحيح أن بلدنا حكم في السابق بدساتير دائمة جبتها دساتير انتقالية حسب تغير المناخات السياسية.. تمكنت حكومة مايو من إنهاء مسيرة الدساتير المؤقتة بدستور العام ١٩٧٣.. ذات الأمر صنعته الإنقاذ عبر دستور ١٩٩٨. بداية الدستور الانتقالي السائد منذ العام ٢٠٠٥ يعتبر من أفضل الدساتير..جاء هذا الدستور في مناخ توازن قوى بين الحزبين الحاكمين وقتها المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ..كل الشكاوي جاءت من التفسير السيئ للدستور أو القوانين المفسرة التي تقلع باليمين ما منحه الدستور باليسار..لهذا من الأفضل استمرار الدستور الانتقالي خلال الفترة التي تعقب الحوار الوطني وذلك لأن المؤسسات التي ستحكم ستكون ذات صفة انتقالية حتى إذا لم تحمل هذه التسمية ذات الإيحاءات غير المحببة لمن بيدهم الأمر. الأمر الأكثر أهمية يجب ترك الدستور الدائم لمؤسسات منتخبة ومعبرة عن إرادة الناس..إذا كانت المؤسسات الحالية تحوذ على تمام الرضاء ولم تكن هنالك أي أهمية لقيام حوار تبذل فيه التنازلات.. لهذا من الأفضل ترك أمر الدستور الدائم لجمعية تأسيسية منتخبة وفق انتخابات حرة ونزيهة.. بل من الأفضل ألا نبدأ من الصفر مع كل دستور جديد.. بالإمكان إن صدقت النوايا تعديل الدستور الانتقالي الحالي دون المساس بجوهره في وثيقة الحقوق وتحديد الدورات الرئاسية. في تقديري.. أن الحديث عن أي دستور جديد يجعل الناس تتوجس أن يكون كلمة حق أريد بها التمديد لمؤسسات الإنقاذ القائمة عبر آلية تصفير العداد.. في تونس أيام الرئيس زين العابدين بن على كان يتم تعديل الدستور مع نهاية كل استحقاق رئاسي.. عبر هذه الآلية وصلت الدورات الرئاسية للرئيس الزين ستة دورات وكان يطمع في المزيد لو لا صفعة ( البوعزيزي) التي ولدت انتفاضة شعبية. بصراحة.. الامتحان يكمن في عبارة واحدة تضاف إلى أي دستور جديد.. عبارة تمنع الاستفادة السياسية المباشرة من استيلاد دستور دائم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة