حملت الأمواج هذه المرة طفلاً جميل الطلعة..عدسة مصور التقطت الجثة الهامدة..أيلان طفل سوري ركب البحر مع أسرته يبحث عن مستقبل مشرق في أوروبا..لكن الريح العاتية حطمت آمال مئات الأسر التي باتت وجبة شهية لحوت البحر..فيما كانت الأمواج رحيمة بالطفل الصغير فحملت جسده إلى الساحل ليكون عبرة وعظة..الصورة الصادمة غيرت في إستراتيجيات دول عديدة لم تكن متحمسة للترحيب باللاجئين. أعلن الرئيس البشير أمس عن إعادة فتح حدود السودان للإخوة الجنوبيين الذين تطحنهم مجاعة جامحة، وتحصد أرواحهم حرب جهوية..في الواقع لم تكن أصلاً الحدود مغلقة في وجه الأشقاء الجنوبيين..إحصاءات دولية قدرت أعداد إخوتنا الذين نزحوا بسبب الحرب بحوالي أربعمائة ألف مواطن ..هذا يضاف للذين أصلاً لم تطاوعهم أنفسهم بعيد الانفصال للبحث عن وطن جديد..بل في وقت سابق أعلنت الحكومة عن مساواة اللاجئين الجنوبيين بإخوتهم من المواطنين..لاحقاً تم التراجع عن ذلك لمصلحة اللاجئين الذي يتمتعون بخدمات توفرها المنظمات الأجنبية.. هذه الحقوق تسقط اذا ما اعتبروا مواطنين كسائر أهل البلد..فيما يشكل مزاج الجنوبيين المنحاز للثقافة السودانية عاملاً حاسماً في تأكيد هذه الخصوصية . لكن عاديات السياسة قلبت في هذه الموازين فطرحت في الخرطوم سياسة (Shoot to kill) بدلاً عن القلب المفتوح ..من هنالك أيضاً كانت ترسل عبارات مسيئة تعيد تذكير الناس بوقائع أيام الحرب الأهلية ..رغم كل ذلك كان الحنين سيد الموقف رغم صوارف السياسة كانت المشاعر متحدة..المزاج الجنوبي مغرم بالأطعمة الشمالية ..الذوق الجنوبي لا يطرب إلا لندى القلعة والنور الجيلاني ..اللغة العربية مازالت توحد قبائل الجنوب ..تحضرني عبارة ين لام توت وزير التعليم العالي إبّان زيارته الأخيرة للسودان: الحفاظ على اللغة العربية مسؤولية أهل السودان قاطبة..لن نفعل ذلك والحدود مغلقة، ومشاعر الكراهية متبادلة..اللغة مثل النباتات تحتاج لمناخ ملائم لتنمو وتزدهر. من حسن الحظ أن في فتح الحدود منافع لأهل السودان ..عودة العمالة الجنوبية مهمة لزيادة معدلات الإنتاج..العالم سيحفزنا، قبل أيام أعلن الاتحاد الأوروبي عن تخصيص مائة مليون دولار لإغاثة الجنوبيين الفارين لشمال السودان ..أي موقف إيجابي سيكون له صدى عند الغرب..واحد من العوامل التي قربت المسافة بين الخرطوم وواشنطن كان موقف حكومتنا العقلاني من أزمة جنوب السودان..مثل هذه القرارات الشجاعة أيضاً ستكون خصماً من المشاعر السالبة التي غذتها سنوات الحرب الأهلية . بصراحة.. القرار الذي اتخذه الرئيس البشير بفتح الحدود مع جنوب السودان يؤكد عودة الرؤية الإستراتيجية لصناعة القرار في السودان ..بل المطلوب تكثيف الجهود الشعبية من أجل إغاثة أشقائنا في جنوب السودان..إنها سانحة مناسبة لكل السودانيين ليؤكدوا أنهم شعب واحد يتمدد في بلدين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة