كان صوت المسؤول يأتي هادئاً من الجهة الأخرى من الهاتف..هدوء في يوم شديد البأس على الإسلاميين الذين فقدوا شيخهم الترابي في تلك الساعات..المسؤول كان يسأل مدير القناة الفضائية الحكومية عن سبب البرمجة الخاصة..حينما وضع الإعلامي السماعة فهم الرسالة.. بعدها كانت كل القنوات تعود لبرامجها المعتادة بما فيها من لهو وغناء ودراما من قبل.. وحينما نعت الحكومة الشمولية الأولى الأزهري عرّفته بمعلم في المدارس الحكومية. الثابت جداً أن الحزب الحاكم أعاد ترتيب حساباته بعد رحيل الشيخ الترابي ..حسابات السياسة تقول إن كان بالإمكان أن تشتري بضاعة بدرهم فلا تدفع فيها درهمين..كل الإسلاميين في العالم كانوا يربطون بين الحركة الإسلامية وشيخها الترابي..لكن بعد رحيل الشيخ صارت العلامة التجارية ملكاً مشاعاً لكل الإسلاميين..ذاك يعني أن سقف التنازلات التي كان سيبذلها الحزب الحاكم ستنخفض جداً بعد رحيل الشيخ. المماحكة والمناورة بدأت في وقت مبكّر حينما اخترع الحزب الحاكم عتبة جديدة في سلم الحوار الوطني.. المؤتمر العام المكون من رؤساء الأحزاب كان إضافة من بنات أفكار الحزب الحاكم ..الجمعية العمومية لقوى قاعة الصداقة كان من المفترض أن تجيز مخرجات الحوار..بعدها قام الحزب الحاكم بتجزئة حزم التعديلات الدستورية اللازمة لاستيعاب مخرجات الحوار..لم يتراجع عن ذلك إلا تحت ضغط كثيف من المؤتمر الشعبي. الخطوة الأكثر حساسية تكمن في تصريحات رئيس الجمهورية لعدد كبير من رؤساء التحرير الذين صحبوه في زيارته للإمارات..الرئيس أعلن بشكل صريح أن من حق البرلمان الحالي مراجعة مخرجات الحوار الوطني..حينما عجزت العربية عن تحمل الرسالة عبر الرئيس بالإنجليزية ما معناه ليس من حق المؤتمر الشعبي أن يطالب بإجازة التعديلات كتلة واحدة دون أي تغيرات..بل الرسالة الأكثر وضوحاً جاءت بإقراره أن منصب رئيس الوزراء من حق حزب الأغلبية ..وجود حزب كبير يعني وصاية على الأحزاب الأخرى في حكومة ما بعد الحوار..لن يكون بوسع الأحزاب الرديفة حرية اختيار ممثليها في مجلس الوزراء..الرئيس أكد صراحة أنه لا يريد أي وزير تحدده الأحزاب وحدها..كل ذلك يعني أن الحزب الحاكم سيظل مهيمناً في المرحلة المقبلة كما كان في السابق. في تقديري أن حزب المؤتمر الشعبي والأحزاب المشاركة كافة في الحوار الوطني تواجه تحدياً صعباً..ليس من السهولة الانسحاب من المشاركة بعد أن أعد البعض لبوس المرحلة الجديدة..ابتلّت العروق بماء السلطة وبات حلم الوزارة قريباً..في مثل هذا الوضع تصبح عملية إجلاء الكوادر من معركة حصد المغانم صعبة للغاية..بل ربما تكتنفها خسائر فادحة أقلها انقسام في الصف.. هنا سيواجه الأستاذ إبراهيم السنوسي أصعب امتحان بعد وفاة الشيخ. بصراحة..سينجح الحزب الحاكم في جر الشعبي وكغيره من الأحزاب لبذل المزيد من التنازلات ..سيكسب الوطني كل جولات التكتيك ..لكن في المدى البعيد جداً ستكون الخسائر الإستراتيجية فادحة..سيخسر الحزب الحاكم معركة أخلاقية في مبدأ الوفاء بالعهود والمواثيق. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة