ككثير من الفقراء، ليس في السودان وحده، ولكن في العالم العربي وفي العالم كله، استطاع بعد كفاح أن يحصل على الشهادة الثانوية العامة، وهو كفاح كبير وتضحية كبيرة من قبل الأسرة الفقيرة أن تنفق على أحد أبنائها حتى يحصل على هذه الشهادة. ألحقه والده بما يعرف في السودان بالمدرسة الصناعية لكي يتعلم مهنة يعيش منها والسلام، وشاءت الظروف أن يتعلم مهنة النجارة، وأن يتعلم من صديق له مهنة الحدادة، لم يكن لديه إحساس بالطبقية أو كره للأغنياء فتلك إرادة الله، ولله في خلقه شؤون. ولكن ذات مرة، أثناء عودته وصديقه من المدرسة حدثت حادثة بسيطة ولكنها كانت بمثابة انقلاب راديكالي في حياته جعله يقهر الفقر والظروف وضيق ذات اليد وينحت في الصخر ليصبح شيئاً آخر غير “نجار”.
في طريق عودته إلى البيت كان وقت خروج البنات من المدرسة، أو ربما يكون قد تعمد الخروج في هذا الوقت. شرع “طلحة” وصاحبه يتغزلان في البنات، فما كان من إحداهن إلا أن تهكمت عليهما قائلة: “والله عشنا وشفنا كمان النجارين والحدادين بدأوا يتغزلوا”، فأصيب “طلحة” بصدمة كبيرة وسأل نفسه: لماذا لا يجوز للنجارين والحدادين أن “يغازلوا”؟ ورغم أنه لا يجوز لأحد فعل ذلك وليس النجارين والحدادين فقط! إلا أن تلك المقولة التي صدمته بها الفتاة التي نزلت عليه كالصاعقة كان لها أن تغير مجرى حياة هذا الشاب السوداني، وبدأ هذا الشاب السوداني يدرس ويصل الليل بالنهار مدفوعاً بتلك الحرقة أو هذا الوجع الذي أحدثته تلك الفتاة، حصل على الشهادة الثانوية بتفوق وقبل بجامعة الخرطوم لكنه آثر أن يتقدم للمنح الدراسية الجامعية الخارجية، وكان له ما أراد.
ذهب إلى الدراسة في المغرب، وتفوق في تعليمه الجامعي، وعمل بالصحافة المغربية في ثلاث صحف حيث بقي فيها ما يربو على 30 عاماً، كما تزوج من ثلاث مغربيات، واحدة من كل صحيفة عمل بها، واستطاع أن يثبت التجربة ثلاث مرات، فثلاث جميلات يتزوجنه واحدة تلو الأخرى كن بمثابة ثلاث شهادات صلاحية وقبول من عالم النساء، وهي شهادات يجب أن تنسيه سخرية فتاته الأولى وتنسيه مهنة النجار وأدوات النجارة، ولكن هذا لم يحدث فلا تزال ذكرى هذه الفتاة تحز كمنشار في قلبه! عاد صاحبنا إلى قريته الصغيرة في شمال السودان قبل عامين وطرق باب هذه الفتاة وكان يحمل لها هدية ثمينة، ولما فتحت الباب. أعطاها الهدية وقال لها: “لولا كلمتك إياها، لكنت الآن نجاراً في هذه القرية الصغيرة!”.
إنه “طلحة جبريل” السوداني المكافح، المشرف على مكتب صحيفة الشرق الأوسط في واشنطن اليوم والمحلل السياسي المعتمد من طرف هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” ورئيس اتحاد الصحافيين في الولايات المتحدة.
02-23-2017, 06:01 AM
نور الدين عثمان
نور الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 04-30-2010
مجموع المشاركات: 1390
لم التقى زميلنا العزيز طلحة الا من خلال كتاباته وردوده التى تتسم بالسخرية المحببة احيانا ولكنى اعجبت بقصته هذه لانها تندرج تحت التحفيز وعدم النظر للمعوقات بصورة سلبيىة بل بطريقة ايجابية تدفع للعمل والاجتهاد والنجاح شكرا شكرا عزيزنا طلحة جبريل والى الامام
02-23-2017, 06:10 AM
نور الدين عثمان
نور الدين عثمان
تاريخ التسجيل: 04-30-2010
مجموع المشاركات: 1390
ولكن ذات مرة، أثناء عودته وصديقه من المدرسة حدثت حادثة بسيطة ولكنها كانت بمثابة انقلاب راديكالي في حياته جعله يقهر الفقر والظروف وضيق ذات اليد وينحت في الصخر ليصبح شيئاً آخر غير “نجار”.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة