المحامون دائما في حالة اتهام من عامة الناس ، وهناك محامون كثر يتعرضون لمضايقات بسبب سمعتهم وشهرتهم في الحصول على براءات للمتهمين ، ومما هو شائع أن المحامي يستغل ثغرات القانون لافلات مجرمين من طائلة العقاب ، وغالبا ما لا يرضي الحكم بالبراءة أو بالعقوبة المخففة المجني عليه أو أولياءه ، بل يتحول عدم رضاهم هذا الى عداء شديد ليس للمتهم بل لمحامي المتهم نفسه ، وقد تعرض الكثير من المحامين لعمليات اعتداء من أهالي المجني عليهم أو تهديدات جدية منهم للمحامين ، وهناك بعض المناطق التي لابد أن يحمل فيها المحامي مسدسه دفاعا عن نفسه وخوفا من هجوم اهالي المجني عليه أو قبيلته هجوما حقيقيا مقصودا منه القتل أو الايذاء البليغ . يفترض العامة أن المحامي قد استطاع خداع القاضي عبر استغلال ذكائه و معرفته بالقانون ، بالاستفادة من ثغرات القانون. في الواقع القانون ليس فيه ثغرات ، إنماح شروط وأركان يجب أن تتوفر اجرائيا وموضوعيا ، وكل ما يفعله المحامي هو تنبيه القاضي الى توفر او عدم توفر هذه العناصر المفترضة قانونا ، لكن لا يوجد ما يسمى بثغرات وكأنما القانون عبارة عن مصفاة مليئة بالثقوب ، ففي القانون الجنائي مثلا هناك مبدأ المحاصرة الجنائية لكل سلوك يرى المشرع أنه يمثل عدوانا يتطلب الجزاء الجنائي ، لا يوجد ما يسمى باستغلال نقص القانون لأن القانون لا يكون ناقصا بل هو اكتشاف لعدم توفر هذه العناصر الذي نص عليها القانون وبالتالي لم يتحقق مبدأ المطابقة . هناك أيضا فهم عام أن المحامي قد يكون فاسدا في الواقع حتى لو كانوالمحامي فاسدا فإن فساده لن يعينه طويلا ، لأن المسألة ليست بهذه البساطة ، فهناك مؤسسات كاملة تتداخل وتتكامل للوصول الى مرتكب الجريمة وجمع الادلة ومطابقتها والمستندات الرسمية التي تمر عبر هذه المؤسسات الى أن تستقر في يد المحكمة ، وبالتالي فإن المحامي مثلا إن قام بتزوير وثيقة يكون قد أوقع نفسه في مشكلة ءكبر من مشكلة المتهم الذي يدافع عنه ، ليس فقط لأن اكتشاف التزوير سهل جدا ، بل لأن هذا الفعل قد يشكل فوق ذلك عدة جرائم كالتزوير في محرر رسمي وتقديم بينة باطلة للعدالة مع العلم ببطلانها وغير ذلك من جرائم... إن أي قضية إذا وصلت الى المحكمة خرجت تماما من سيطرة المحامي أو وكلاء النيابة أو الشرطة ودخلت في ولاية المحكمة وتحت رقابتها وسلطتها في تقدير صحة الوقائع والادلة وملابساتها تقديرا سائغا عادلا ومنطقيا .. اما دور المحامي فهو الكشف عن عدم توفر شرط او ركن اجرائي أو موضوعي فيستفيد المتهم من هذا النقص ، وهذا يعني أن المشرع حينما وضع النص القانوني أراد بكل وعي واستنارة أن لا يدخل الفعل في دائرة التجريم أو أن يحقق ضمانات للمتهم من خلال الشروط الاجرائية ، وبما أن هذا هو مقصد المشرع فإن المحامي لا يفعل شيئا سوى تأكيد مقصد المشرع ، وتطبيق رؤية المشرع بحذافيرها. لكن قد تكون هناك أخطاء اجرائية وقعت فيها النيابة فالمسؤول هنا ليس المحامي إنما النيابة ، ولذلك فقد ثار جدل فقهي طويل في الولايات المتحدة حول قاعدة بطلان الأدلة المتحصلة من اجراء باطل سواء لتعمد او خطأ السلطة المختصة بهذا الاجراء ، هل يسمح للمتهم بالافلات من العقاب لمجرد خطأ في اجراءات التحقيق ، تأكيدا للضمانات التي قررها المشرع للمتهم ، أم نضحي بهذه الضمانات ضمانا لعدم افلات مجرم من العقاب... ونتيجة لقوة حجج المنادين بالدفاع عن ضمانات المتهمين باعتبارها ضمانات لكل مواطن يحتمل ان يضعه حظه العاثر تحت دائرة الاشتباه أو الكيد السياسي أو خلافه ، نتيجة لقوة هذه الحجج فقد غلب القضاء الأمريكي إبطال الدليل المستمد من اجراء باطل عملا بمبدأ أن ما بني على باطل فهو باطل ، والقضاء الأمريكي قام ببعض الاستثناءات ورغم اعتبار هذه الاستثناءات سوابق قضائية الا انه عاد وتراجع عنها لأن دافعه في ذلك كان تحقيق العدالة ولو على حساب تنازل بسيط ، ومثال لذلك أن القضاء الأمريكي وضع سابقة ان الدليل اذا كان مستقلا عن الاجراء واضح البطلان وكان مقبولا فيجوز الاخذ به .. مثال ذلك إحدى القضايا التي تم فيها تفتيش منزل بدون أخذ اذن الجهة المختصة واثناء التفتيش تم اكتشاف كمية من الهيروين فقام الشرطي بالتحفظ على الهيروين ثم اخذ اذن من الجهة المختصة ومن ثم ضبط الهيروين كموضوع للجريمة. الا ان القضاء الأمريكي تراجع بعد ذلك عن هذه القاعدة ..قاعدة الدليل المستقل والمقبول . إذا فليس المحامي هو من يستغل ثغرات القانون بل هو يكشف عن مدى شرعية او عدم شرعية الاجراءات التي أتخذت في مواجهة المتهم وهذا يعني أنه يساعد في تطبيق صحيح القانون . فالمحامي على العكس مما يشاع عنه انه يخدع القانون .. لا بل هو يطبق القانون أو يساعد القاضي في تطبيق القانون الصحيح على الواقئع محل الدعوى الجنائية... أيضا هناك اتهامات كثيرة يتهمها العامة للمحامين بل وللقضاة وهي اتهامات رخيصة وساذجة جدا كالاتهام بالعنصرية أو الاتهام بفساد القاضي ، وهذه غالبا ما تنتج كرد فعل على حكم غير مرضي عنه من قبل الجماهير.. ذلك أنه لا يوجد قاض واحد يفصل في الحكم بل أن الحكم حتى لو تلاعب فيه القاضي فإنه يخضع لإعادة فحص من قبل المحاكم الاعلى عبر الطعون العادية وغير العادية . فلو كان في الحكم خلل في محكمة أول درجة فإن المحاكم الأعلى ستكتشفه لا محالة ، ومن ثم فليس من فائدة تعود على القاضي من عنصريته او فساده هذا إذا كان عنصريا أو فاسدا حقا ... إن هذه الاتهامات للمحامين والقضاة التي تمتد للنيابة هي في الواقع ليست بسبب الجهل بالقانون .. بل أيضا بسبب عدم الثقة الشعبية في مؤسسات الدولة ككل ، وللأسف فإن السلطة التنفيذية بفسادها تبث شعورا لدى عامة الشعب بان كل شيء يعبر عن الدولة فاسد ، وهكذا يفقد المواطن ثقته في التعليم الحكومي والمستشفى الحكومي بل وفي الأطباء كلهم ويفقد الثقة في مرافق الدولة ويفقد الثقة في شرطة الدولة وجيشها وقضاتها ، فيختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين والصالح بالطالح .. وللأسف هذا حالنا إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة