بعيد استشهاد الزبير محمد صالح في فبراير 1998 سادت حالة من التوتر بين الجناح المدني والعسكري في الحركة الإسلامية..من يظفر بالموقع الشاغر سيقترب أكثر من السيطرة على مفاصل السلطة..الشيوخ اتجهوا لمنزل الترابي في المنشية فيما الفريق ـــ وقتها ـــ البشير أجرى مشاورات مع بعض رفاقه العسكريين..معسكر المنشية انتخب ثلاث شخصيات لخلافة الزبير من بينهم الترابي وعلي الحاج وعلي عثمان..المهم أن الترابي ابتعث إبراهيم السنوسي ليعلم الرئيس أن الشيخ يريده في اجتماع عاجل بشأن منصب النائب الأول..بالفعل أنجز السنوسي مهمة الترتيب لذاك اللقاء المهم..لكن اختيار السنوسي لم يكن صدفة، فقد ارتبط الرجل بعلاقة خاصة مع الخلايا العسكرية للإسلاميين، بل كان مشرفاً عليها في وقت من الأوقات..(لذلك كان البساط أحمدي) بينه والرئيس البشير..بل في أحيان كثيرة يتم التعامل بين الرجلين دون ألقاب. بالأمس تم إعلان إبراهيم السنوسي مساعداً لرئيس الجمهورية ..بعدها مباشرة توجه الشيخ السنوسي لأداء مراسم القسم..الخبر لم يكن مفاجئاً..لكن وجه الدهشة أن الدكتور علي الحاج الأمين العام للشعبي كان قد أنكر الأمر واعتبره من أساطير الصحافة..بل إن اختيار السنوسي رئيساً لهيئة الشورى كان مؤشراً لقطع الطريق أمام وصوله للقصر الجمهوري.. لهذا من حق الناس أن تدرك ماذا حدث في الأيام الماضية، لماذا تأخر إعلان اسم السنوسي نحو ثلاثة أسابيع منذ أن أعلن الشعبي قائمة ممثليه في أجهزة الدولة. كان من الواضح أن الدكتور علي الحاج لا يريد الإبحار عميقاً في بحر السلطة..بل إن الرجل طرح أكثر من مرة فكرة المشاركة الرمزية بوزير واحد..لكن التيار الذي صنع الحوار الوطني بما فيهم السنوسي كان يرغب في حصاد مغانم السلطة..وقدم عدداً من الحجج من بينها أن الحوار يحتاج لحراسة من الداخل..وكذلك أن المشاركة تمكن الشعبي من خدمة مؤيديه، وتيسر له من الحركة تحت سمع وبصر السلطة. في الجانب الآخر كان البشير حريصاً على مكافأة كل الذين خاضوا معه في حوار قاعة الصداقة..ومن بين الذين يستحقون وسام الصبر كان الشيخ إبراهيم السنوسي..بل إن قيادة الحزب الحاكم اجتهدت ما في وسعها لتثبيت السنوسي في منصب الأمين العام للشعبي إلا أن الأمور مضت في اتجهات أخرى..هنالك سبب آخر يجعل البشير حريصاً على أن يكون السنوسي أحد مساعديه.. يظل السنوسي أحد القيادات التاريخية للحركة الإسلامية التي والت الترابي في المنشط والمكره..الآن بدخول السنوسي تحت الإمرة التنظيمية للبشير ولو من الباب التنفيذي يكون البشير قد حقق حلم الاستحواز على كامل الحركة الإسلامية إلا قليلاً. في تقديري أن وجود إبراهيم السنوسي في القصر الرئاسي سيعمق خلافات الشعبي..في البداية يبدو وكأنه قفز من على السور أو أخذ المفتاح عنوة ليخرج من الباب..الأهم من ذلك سيخلق مركز استقطاب جديد في الشعبي يرتكز على آليات الدولة..على صعيد الحكومة يعتبر انضمام السنوسي للقصر عامل له جانب سالب ..الشيخ السنوسي من وجوه الحركة الإسلامية العالمية، وله صلات ممتدة مع حماس والنهضة وإخوان مصر..مثل هذا الوجه الذي يذكر الأنظمة العربية بالشيخ الترابي سيكون أثره سالب في موسم التنازلات وإخفاء اللحى. بصراحة..بات لازماً على الشعبي أن يجيب على الأسئلة الصعبة عن مشاركة الرجل الثاني في الحكومة..فيما مسؤولية الشيخ السنوسي ستكون الأصعب في الرد على سؤال هل كان الشيخ يبحث عن مكافأة عن سنوات الخدمة الشاقة؟ أم أن الأمر مجرد تكليف تنظيمي جديد لشيخ يرفض الاعتزال؟.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة