إصرار أمريكا على تجاهل الإثنيات والعرقيات، وحقوق المهمشين، ليحكم أولادها هي فقط، ليس سوى دعم لعوامل التفكك، وتعزيز الإنقسام. وهذا إن حدث -وسيحدث لا محالة لو استمر الوضع على ما هو عليه- فلن تتمكن أمريكا سوى من حكم الخرطوم وحتى حلفا عبر حمدوك. لا سبيل أمامها إلا هذا. فأمريكا تطبق شعار الكيزان (أمريكيا روسيا قد دنا عذابها) على السودان بشعوبه المختلفة والمتنوعة. هي تعزز من حالات الإنقسام ودفع الدولة إلى التمزق، كما فعلت في العراق وسوريا، حيث اخذ الأكراد استقلالهم الفعلي غير المعلن، وتم بناء جدران عازلة حول مناطق الطوائف المختلفة. ثم بنت أمريكا منطقة خضراء لتحمي نفسها. هذا ما يحدث الآن في السودان بفضل أمريكا، إن السودان ليس الخرطوم المسيطر عليها، ولكنه إقليم شاسع جداً ومتباين ومتنوع. تهتم امريكا بقضايا معينة مثل الجندر والمثلية والنسوية..الخ. وهذا يعني أنه عندما يتم حكم الشمال والذي سنعتبره يبدأ من الخرطون وحتى حلفا، فإن شعوب الشمال ستتعرض لعملية تفكيك قيمي، بدأت بكسر كبرياء الجعليين عبر تعيين والية امرأة عليهم، وقد ينظر البعض إلى ذلك من زاوية حقوق المرأة، لكنها كلمة حق أريد بها باطل، فالمسألة ذات أبعاد أعمق وأكبر من ذلك. وهذا يعني أن هناك إعادة صياغة للبنية الثقافية للشمال، عبر إحلال مستمر لقيم أخرى، محل القديمة. وهذا ما حدث بالفعل عندما انتصر الرأسماليون الشماليون على الإقطاعيين الجنوبيين في أمريكا. يمثل حمدوك (بشخصيته الباردة)، والذي يبدو كجثة أكثر من كونه إنساناً لديه ميول عاطفية، يمثل النموذج الذي يراد أن يكون الشماليون عليه، حيث يتم كسر روح المقاومة، وهذا ما حدث للأحزاب الآيدولوجية الشمالية التي انكسرت تماماً كحزب البعث، والحزب الشيوعي، وتم قتل الصادق المهدي، لأنه بدا من الواضح بأن بقاءه حياً سيمثل حجر عثرة أمام إفراغ الشمال من محتواه الثقافي. لذلك ففرح الشماليين بالحضور الأمريكي هو فرح الجهلاء، وليس فرحاً واعياً بحقيقة ما يتم التخطيط التآمري الثعلبي ضدهم. إنهم سيؤكلون يوم أن يؤكل الثور الأبيض. إنهم الآن يحاولون شيطنة المهمشين، وإبعادهم عن المشهد. وهم لا يعرفون أنهم بذلك يجردون أنفسهم عن الحماية الجماعية ممن حولهم. إن ما حدث من أهل الشرق مجرد عينة بسيطة وقرصة أذن فقط، ولكن الباقي أدهى وأمر. إن أمريكا تنفذ اجندتها عبر حمدوك، وهذا ما لا نمانعه إن كانت تلك الأجندة تخدم الجميع، لكنها في الواقع اجندة ستضر أول من تضر، كل من جأر بصوته مدافعاً عن حمدوك. وانتظروا إني من المنتظرين.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة