يتّضح - الآن- أكثر من أىّ وقتٍ مضى، أنّ التعديلات الدستورية التى يبشّرنا بها ( تحالف الدولة العميقة ) لسودان دولة مشروع " النظام الخالف "، هى تعديلات تسعى فى جوهرها، لفرض واقع جديد، يُشكّل ردّة دستورية كُبرى، وتراجعاً مفضوحاً، عن المكتسبات الديمقراطية و" الحقوق إنسانية "، التى تحقّقت فى (الدستور الإنتقالى لسنة 2005)، والذى أتى فى ظروف سياسية مختلفة، بعد ( اتفاقية السلام الشامل للعام 2005)، والتى هيّأت - وبلا شك- البلاد و المناخ السياسى، لتحولات نوعية فى جبهة الحقوق والحريات، بإستحداث باب " وثيقة الحقوق "، التى تضمن دستوراً يحترم ويُعزّز حقوق الإنسان، بصورة واضحة لا لبس، ولاغموض فيها، ولكن، هيهات !. بنظرة دقيقة وفاحصة لبعض التعديلات الدستورية المقترحة، سنجد - بل سنكتشف - أنّها تشكّل فى مجملها تراجعاً واضحاً، فى جبهة الحقوق والحريات، وتسعى لفرض المزيد من التراجع عن احترام وتعزيز حقوق الإنسان، بقمع الحريات، وتضييقها، بدلاً عن التأكيد على ضمان الحقوق والحريات الأساسية، واتاحتها للجميع.. والنموذج الساطع فى هذه الحالة هو التعديل المقترح للـ(مادة 39) من الدستور الإنتقالى، بغرض الإلتفاف عليها، وتجريدها من محتواها " الديمقراطى "، حيث عمد التعديل المقترح، على اسقاط الشرط الضروري الوارد فى العبارة المفتاحية والمفصلية (( فى مجتمع ديمقراطى))، وذلك ببساطة، لأنّ " النظام الخالف "، لن يكون ديمقراطياً، إنّما هو- يأتى- مواصلة لدولة ( المشروع الحضارى )، فى نسختها المعدّلة، كما تجاهلت التعديلات المطروحة، عمداً و عن قصد مبدأ " الحق فى الحصول على المعلومات "، ممّا يجعل حرية الصحافة والتعبير والإعلام فى خطر!. أمّا الجدل والضجيج، بل، والصراخ الإعلامى الذى أثاره مقترح التعديلات الدستورية على دور جهاز الأمن والإستخبارات، حول مهامه و واجباته، واختصاصه، فهو بلا شك، مؤشر واضح، يفضح العقلية الأمنية التى تريد أن تُقنّن للقمع، وانتهاكات حقوق الإنسان " دستورياً "، بعد أن كرّسته لسنوات طويلة عبر القانون والممارسة، وها قد بدأت الحملة الشرسة التى ابتدرها قادة " الجهاز" من داخل - وخارج- البرلمان، لمقاومة تقليص صلاحياته، ومطالبته بمنحه " قوةً و أسناناً " و " نفوذاً " رغم أن التعديلات المقترحة فى " وثيقة الحريات " تسعى لتقلّص اختصاصه فى الإعتقال المتطاول، ومصادرة الصُحف، وغيرها، بل، وأهمها " وقف التعذيب " الذى يتعرض له المعتقلون فى أقبية الأمن وفى مقاره و " بيوت أشباحه" الرسمية، و " غير الرسمية"، لينحصر - دستورياً- دوره فى جمع المعلومات وتحليلها، وتقديمها للسلطة التنفيذية، كما جاء فى الدستور الإنتقالى لسنة 2005. والغريب - بل والأغرب- فى الأمر أنّ " لجنة الأمن فى البرلمان " ، تؤيّد وتناصر، بل، وتدافع بشدّة عن مقترح الأمن بتقوية أسنانه، وهنا مربط الفرس، والمؤشر الواضح على أنّ العديلات المقترحة، لن تمر. ولن نذيع سرّاً، إن أشرنا للحملات الإعلامية " التجميلية " التى يخطط لها، ويغذيها جهاز الأمن، وقد قرأنا، بعض " بشرياتها "، وبلا شك، فإنّ البقية آتية!. الواجب يحتّم رفع الصوت عالياً ضد الردة الدستورية ، التى يسعى لتكريسها مشروع تحالف الدولة العميقة. ويبقى السؤال المشروع : التعديلات الدستورية لمصلحة من ؟ ! .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة