جبل الشعب السوداني منذ الازل ان يعزق على اوتار الفرح ..ويغرد مثل الطيور فوق اشجار الحدائق المخضرة كلما اطلت في الفضاء ذكريات جميلة لشخوص رسموا في لوحة البلاد اجمل الملامح التاريخية .. واغناها جسارة ..واثراها بطولات وتضحيات ..ورغم ان هذه الشخصيات التي تركت مثل هذه الفدائيات والنضال رحلت عن الدنيا منذ اماد بعيدة الا انها ما زالت تعيش في وجدان الشعب ..وفي زوايا خياله ..وبين حنايا ضلوعه!! وعلى سبيل المثال فأن السلطان علي دينار رغم انه استشهد قبل قرن من الزمان فأن سيرته العطرة ورحيقه الفواح ما زال يغمر ارجاء البلاد في كل زمان ومكان .. وتدغدغ المشاعر وتلهب الخيال بفيض من الاحاسيس النبيلة .. ذلك لأن مثل هذه الشخصية ووفقا لتاريخه المجيد احال الساحات المقفرة الى دوحة غناءة ..وسبق عصره في كثير من الانجازات ذات الاتجاهات السياسية ..والاقتصادية ..والاجتماعية ..والتنموية .. السلطان علي بن زكريا محمد الفضل المشهور ب (علي دينار)هو اخر سلاطين الفور وتعود اصوله وجذوره لسلاسة (الكير)التي تربعت على عرش اقليم دارفور ذات الطبيعة الساحرة ..وكان مولده في قرية اسمها (شاوايا)تقع في غرب مدينة (نيالا).. واصبح علي دينار سلطانا على هذا الاقليم منذ عام 1891..وظل قابعا على هذه العرش حتى اختارته يد المنون شهيدا في معركة (برينجيا)امام جحافل من الغزاة القادمين من بريطانيا والتي تمكنت من تشتيت قوات السلطان ومات عدد من القادة وكثيرون من مرافقيه ذلك بعد ان حافظ على استقلال دولته لمدة عشرين عاما بعد سقوط الدولة المهدية .. وحينما نذرف الدموع على قبر هذا الشهيد صاحب الشخصية الاسطورية فأن بعض من اثاره التي تعد جزء من معالمه ما زالت تروي مدى عبقريته الفذة من ضمنها القصر الذي بناه في مدينة الفاشر والذي بدأ في عام 1871 واكتملت كل مراحل التشييد في عام 1912..واستعان السلطان في بناء هذا القصر بنخبة من المهندسين الاتراك والاغريق الذين تعاملوا في عملية البناء مع الطراز المعماري الاسلامي ..غير ان السقوفات كانت من اخشاب (الصهب)والنوافذ من خشب(القمبيل )المحلي لم يتخذ السلطان علي دينار هذا القصر سكنا او مأوى للعيش فيه ..بل اصبح مقرا لادارة وقيادة الدولة ..واحتوى كل الهدايا والغنائم التي كانت ترد اليه ..وبعد ان نال شرف الشهادة فقد تحول القصر مكانا لسكن قائد القوات البريطانية ..وبعد ان نالت البلاد استقلالها اصبح القصر مقرا للمسؤولين في المنطقة .. واصدر الرئيس الراحل جعفر محمد نميري قرارا عام 1976 صار بموجبه متحفا ..وكان ثاني متحف بعد المتحف القومي ..وقد جذب هذا المتحف انظار الذين كانوا يفدون اليه من كل صوب وحدب للتعايش عن كثب مع كل تلك المقتنيات التي احتواها والتي تعبر عن دهاء السلطان علي دينار المعروف بذكاءه المفرط ودهاءه وفروسيته في كل جولاته الميدانية والتي شهدتها حياته العسكرية اصبح القصر متحفا معروفا يؤمه الكثيرون من الداخل والخارج لمشاهدة تلك الاثار الهامة منها (طبلين)من النحاس الاول اسمه (الدار العامرة)يتم قرعه للاعلان عن الحرب ..والثاني اسمه(عطا المولى)تنقره الانامل للاعلان عن الفرح ..واحتوى المتحف ايضا مجموعة من الاثار المنتقاة تعبر عن العديد من المراحل النضالية المختلفة في تاريخ البلاد ..من ضمنها سيوف فضية ..وبنادق عتيقة ..وملابس للسلطان وعرشه وعملات فضية دارفورية ..واواني مطلية بالذهب..ومخطوطات اسلامية.. الصور الارشيفية التي يحتويها المتحف تبين (المحمل)وهو القافلة التي كان يرسلها السلطان للاراضي المقدسة بغية ايصال كسوة الكعبة ومساعدات اخرى لضيوف الرحمن ..وقد اوردت بعض اجهزة الاعلام العالمية ان البريطانيون كانوا قد اغلقوا الطريق امام هذه القافلة التي كانت تعبر الاراضي المصرية للوصول الى مكة المكرمة الا ان السلطان علي دينار لم يستكين حيال ذلك بل بادر بتسيير قافلة اخرى بديلة كانت ترتاد ارض الحجاز حتى تاريخ استشهاده قصر علي دينار الذي نحن بصدده الان لا غرو انه وبجانب معالمه التاريخية التي لابد ان يتباهى بها كل ابناء الشعب السوداني يعد رمزا من رموز الوحدة لابناء اقليم دارفور ..ولكن من المؤسف جدا انه ومنذ ان اصبح متحفا قبل (40)عاما لم يلقى اي اهتمام من قبل الدولة ..بل فقد اصابه وهن كبير ..مع ان العناية به واجب وطني لابد ان تقوم به كل الحكومات المتعاقبة ..خصوصا وقد ادرجته منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو)ضمن لائحتها للتراث العالمي لان عمره تجاوز (المائة) عام.
المسؤول الاعلامي بهيئة الاغاثة الاسلامية العالمية ج:0501594307
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة