● ما زالت السياسة الخارجية للرئيس ترمب في طي الكتمان و لكن المؤكد سيظل وفيا لسياسة المنظومة الراسمالية المعولمة و ربما بشكل أكثر صرامة. انه من صلبها و ان المرء ابن ابيه
● المتوقع انه يسعي الي ضبط صواميل المنظومة و التحكم علي ايقاع انغامها من دون انحراف يذكر عن خط السير
● ينسحب علي السودان ما ينسحب علي افريقيا وفق رؤية ترمب القاضية علي ان قادة افريقيا هم داؤها و جزور كوارثها
● بالرغم من سكوت ضجيج اصوات المدافع الإعلامية و انجلاء الغبار و رفع الستار عن الانتخابات الامريكية و خروج السيد دونالد ترمب منتصرا من المعركة بشكل كلي و علي غير ما توقعه (او بالاحري تمناه ) الكثيرون (اعلاما و ساسة و محللين و مراكز التحليل و استطلاعات الرأي العام ) حيث جري الرياح (عند الكثيرين) بما لا تشتهي توقعاتهم ، لم يشرح الرئيس المنتخب حتي الان سياسته الخارجية و لم يعرض خطوطها العامة و بذلك لم تتضح ملامحها بشكل كلي الا ان الإشارات الملتقطة من مضامين خطابه الانتخابي يشكل منطلقا لفهم ما تنتهجه ادارته من سياسة خارجية ... كما انه لم يعين وزير خارجية (الذي هو دائما يترسم في شخصيته بعضا من ملامح تلك السياسة المتوقعة) علي اعتبار أن من يتم تعيينه هو المدير التنفيذي لبرنامج السياسة الخارجية (و مع التاكيد بانه لم يستطع تجاوز الخطوط الحمراء الا في حدود التفويض الدبلوماسي الذي يمنح به) الا انه سوف يترك بصماته (نهجا و سلوكا )... لذلك تظل الصورة الكلية لسياسة إدارة ترمب الخارجية في طور التكهن طبعا مع احتفاظ المحللين بحق التنبؤء او التكهن وفقا لقوة قراءاتهم و تحليلاتهم و لكن ليس علي التمني كما كان الحال اثناء معمعان المعركة الانتخابية.
● ينحو الكثيرون من المحللين في تفسيراتهم الي ان الرئيس ترمب لا يعير كثير اهتمام بالسياسة الخارجية و ان الدور الامريكي في التعاطي مع احداث العالم سوف ينكمش علي هدي سياسية مذهب العزلة التي اتسمت بسها السياسة الخارجية للولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الثانية.
● شخصيا لا أميل إلى هذا الاتجاه من التحليل و اعتقد ان ادارة الرئيس ترمب سوف تنخرط و تتعاطي و تنفعل مع الشئون الخارجية بالقدر التي تفرضه التطورات الدولية و هنا تلعب الظروف الذاتية و الموضوعية معا لفرض هذا الانخراط.
● موضوعيا ان الولايات المتحدة هي المسؤول الأول عن الامن الدولي و استقراره و لها من التزامات و مسئوليات جمة بصرف النظر عن من الذي يديرها من وزير. لأمريكا مصالح اقتصادية دولية هائلة اكثر من اية دولة في العالم و هي منظومة كاملة متشابكة و متاسسة من عسكرية راسخة (قواعد عسكرية استراتيجية متينة و سفن و بوارج حربية و غواصات حاملة لرؤوس نووية غاطسة في عمق البحار و المحيطات في جميع اركان العالم و اساطيل من حاملات الطائرات. فضلا الي ذلك انها تقود منظومة حلف شمال الأطلنطي او الناتو و كل هذه الترسانة معنية في المقام الاول بحماية مصالح أمريكا...و لكن لا تكتمل الا بالتعاطي مع شبكة حلفاءها التي تشمل كل خارطة الجيو-سياسية الدولية و يستحيل التخلي عنها أو التخلص منها و لا يتحمل أي شكل من اللامبالاه في ادارتها.
● اما علي الصعيد الذاتي فإن الرئيس المنتخب ترمب نفسه هو بامتياز الابن المدلل لمنظومة العولمة الرسامالية و ميكانيزماتها و آلياتها من الشركات المتعددة الجنسيات.... فالراسمالية العالمية هي التي خلقت نظام العولمة او القرية الكونية كما ولدت ترمب. و تلك هي الساحة التي تتمدد و تنساب فيها الرأسمال العالمي من دون عراقيل حيث تشكل منظمة التجارة الدولية عمادها و عمودها الفقري متسلحا بقيم الحكم و منظومة متكاملة للامن الدولي. و هي ساحة ترمب الذي يسرح و يمرح فيها من دون ان يفرط في صيانتها
- بهكذا النظرة او من هذا المنطلق فالارجح عندي انه يصعب علي الرئيس ترمب (ان لم يستحيل عنده ) الاقدام علي فكفكة المنظومة التي خرج من صلبه. فمن خرج من صلب الراسمالية سوف يبقي وفيا له و ملتزما به بالضرورة.
● علي مستوي الاجتهاد الشخصي يمكنني ان أقول انه ربما ان الجرعة الوحيدة التي يزود بها الرئيس ترمب للمنظومة الراسمالية هو ان يعمل ضبط و تحكم مسامير المنظومة الراسمالية. اي اصلاحات داخلية للماكينة المترهلة و هذا يستشف من سياق خطاباته المتكررة عن نيته لتنظيف المؤسسة الحاكمة في واشنطن (عصب الراسمالية العالمية و عقلها المفكر). و التنظيف عنده في هذه الحالة لا يعني اطلاقا التفكيك او تجاوز قواعد اللعبة الاساسبة. و عليه من المستحيل ان يكون ترمب بالنسبة لأمريكا مثل غورباتسوف بالنسبة الاتحاد السوفياتي حيث فككها.
● و بما ان السياسة الخارجية هي عبارة عن بخار او دخان ينبعث من عجينة ممارسات السياسة الداخلية فالامر بالنسبة للرئيس ترمب علي صعيد القارة الافريقية هو امتداد لسياسته الداخلية. اي تنظيف بؤر الفساد و اطفاء نيران الصراعات الداخية التي تسببها الأنظمة غير الراشدة في القارة. او بمعني آخر إنهاء الأنظمة الدكتاتورية التي هي مصدر التوترات الداخلية لبلدانها. - اهم من هذا كله ان الرئيس ترمب هو علي قناعة تامة (وفقا لتصريحاته المتكررة ) بان معظم القادة الأفارقة هم غير مسؤولين و غير راشدين و غير منضبطين و فاسدين و لذلك فإنهم في راية ان يغادرو الساحة فورا و يفسحوا المجال لقيادات اخري يتحلون بالرشد و الحكمة و الانضباط. هكذا نتصور أن المدخل الأساسي للرئيس ترمب في افريقيا هو بوابة الأمن و السلام و الاستقرار.
● و قياسا علي ما تقدم فإن ما ينسحب علي افريقيا سوف ينسحب علي السودان بشكل اوتوماتيكي. - فالمتوقع اذن ان تعاطي ادارة الرئيس ترمب مع السودان لا تفرضه مقتضيات او استراتيجيات الجيو-السياسية او المصالح النفطية المباسرة التي لا تتمتع بها السودان و لكن من عنوان الأمن و الاستقرار الدولي و حقوق الإنسان و الانضباط و المسؤولية ... ربما ............... علي ترايو..............
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة