أفق بعيد هي أغنية طمبور شهيرة "ساري الليل..ما شفتوا عوض؟"، لكني أوردتها هنا عطفاً على عمود الزميل العزيز الطاهر ساتي بصحيفة "السوداني" أمس، وقد أبهجني العمود في زمن قلت فيه مسببات البهجة. كان الطاهر يتحدث عن جهات حكومية تفاجئنا بعمل جيد، على غير العادة، ثم سرعان ما تعود لقديمها و" تطمبج" كل الأشياء الجميلة. قال الطاهر إن عوض لاعب كرة فاشل، ما أن ينفرد بالمرمى إلا ويتكعبل بالكرة أمام الحارس، فتطالب الجماهير بإخراجه من الملعب. ذات مباراة فاجأ عوض الجمهور بإحرازه ثلاثة أهداف متتالية، حتى دخلت في حالة وجوم من الدهشة، ثم جاء الشوط الثاني فانفرد بالمرمى وتكعبل كالعادة، فهتفت الجماهير بابتهاج "يا هو دة عوض البنعرفه". والحقيقة أن لدينا أكثر من عوض نعرفه "زي جوع بطننا"، ولا تبهجنا بعض الأهداف التي يحرزها، أو بعض التألق المفاجئ، لأنه سرعان ما يعود لسيرته التي نعرفها. أنظر لـ"عوض" الحوار الوطني، بدءاً من خطاب الوثبة الشهير، وكنت ممن تابعوه مباشرة في استديو تحليلي على شاشة قناة النيل الأزرق، ثم قلت رأيي بأن لا شيء جديد، وعاتبني البعض على هذا التشاؤم المبكر وعدم القدرة على فتح نوافذ عقلي لاستقبال الأفكار الجديدة. ثم مرت شهور، استدعاني خلالها قيادي كبير بالمؤتمر الوطني، ليناقشني فيما أكتبه. قال لي الرجل إنه يعتقد أني مخلص فيما أكتبه، وسألني لم لا أبدو مستبشراً بما يحدث، فعددت للرجل عشرات الأسباب التي تمنع أي تفاؤل كاذب، اختصرتها في عدم وجود أية مؤشرات جدية في الحوار. ثم بدأ مولد الحوار الذي استمر لقرابة العامين، وشارك فيه أكثر من مائة حزب وحركة مسلحة، وعشرات الشخصيات التي نعرفها والتي لم نسمع بها من قبل، وطلع علينا بتوصيات موجودة بنصها في الدستور الذي لا يريد المسؤولون في الحكومة وحزبها تنفيذه منذ عام 2005. فإن كان "عوض" رفض تنفيذ نصوص الدستور الذي صنعه بيديه، فما الذي يجعلنا نتفاءل بأنه سينفذ توصيات شاركه فيها زيد وعبيد؟ لم يكذب "عوض" خبراً، فعجن التوصيات وخبزها، وله خبازة ماهرة ومعروفة ومتمرسة، ثم خرج منها بتعديل الدستور ليعيِّن رئيس وزراء من حزب المؤتمر الوطني، وإضافة نواب جدد، وتغيير اسم الحكومة!. ثم تفنن الخباز في صنعته، فأضاف لها مواد لم تخطر على بال المؤتمرين في الحوار الوطني، بزيادة سلطات الرئاسة، ثم جعل القرارات الإدارية بإحالة الضباط للمعاش قرارات سيادية لا يجوز الطعن فيها، تخلصاً من عشرات القضايا التي رفعها الضباط أمام القضاء، ثم "طنش" بقية توصيات الحوار. أو ليس هذا عوض الذي نعرفه بشحمه ولحمه؟ بالتأكيد هو، من غير تزييف أو تغيير أو طمس للهوية. وليصرخ الدكتور السجاد "ما شاء له الهوى"...فحزبه نفسه لا يشاركه الصراخ، ولعل حزبه نفسه عاد أيضا ليصبح عوض الذي نعرفه، وعلى قول إخوتنا المصريين "اللي تعرفه أحسن من اللي ما تعرفهوش".
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة