وهكذا ترتد الحركة الشعبية إلى(حركة تضرب على أوتار التناقضات العرقية هدفها إنشاء السودان الجديد وهو يعني انتهاء النموذج العربي الإسلامي المتحكم وإعادة بناء السودان الجديد عن طريق الإحلال والإبدال بين النموذجين). هذا أيها الإخوة ليس كلامي، إنما فقرة وردت في مقال للأستاذ بابكر فيصل الذي أحمد له أنه صدع أخيراً برأيه منتقداً مشروع السودان الجديد الذي دفقنا ولا نزال مداداً كثيفاً في تعريته والحرب عليه باعتباره مهدداً لهويتنا وانتمائنا الحضاري، وها هو بابكر يتفق معنا في رؤيتنا ويُعمل سيفه في مواجهة ذلك المشروع العنصري الاستئصالي. أشهد بأن بابكر كاتب يتحلى بشيء من العمق وفي الغالب يطرق قضايا فكرية يتناول معظمها نقداً شديداً لما يسمى بالإسلام السياسي، وهو ما نخالفه عليه، وسأتناول قريباً موقفه من بعض رؤى الشيخ راشد الغنوشي حول الشريعة والحكم بالإسلام وموقع الحاكم المسلم من الأديان. على أن ما أود تناوله في هذا المقال النقد العنيف الذي وجهه بابكر فيصل لمشروع السودان الجديد الذي تبناه جون قرنق والذي لا يزال أولاده في قطاع الشمال يعملون على فرضه على السودان حتى بعد الانفصال وحتى بعد أن دمر الجنوب الذي أراد له قرنق ان يقود التغيير في كل السودان، وهو ما أكتب حوله الآن مخاطباً بني علمان الذين ظلوا يطلقون صفات التبجيل والتقدير لبابكر فيصل المتبني لفكرهم العلماني المناهض والرافض لأي دور سياسي للإسلام في حياة المسلمين. فعندما تأتي الشهادة على مشروع قرنق من رجل يحظى باحترام وثقة بني علمان ليؤكد من خلالها على أنه مشروع عنصري استئصالي فإن ذلك ما ينبغي أن نلفت النظر إليه باعتباره شهادة شاهد من أهلها وأعني شهادة شاهد من بني علمان الذين لا يجهدون عقولهم للتفريق بين العنصري والعلماني طالما أن ذلك العنصري يناهض الأسلام كنظام للحكم أو يعارض ما أطلقوا عليه اسم الإسلام السياسي فكلهم (العلمانيون والعنصريون) في معسكر واحد في مواجهة ذلك البعبع الذي يبغضون. أواصل شهادة بابكر حتى يثوب بعض الغافلين من اليساريين الذين لا يزالون يعوّلون على مشروع السودان الجديد بمختلف مسمياته وطروحاته وحتى يراجعوا أنفسهم ويعلموا أن المشروع الذي ظلوا يساندون لا يعدو أن يكون مشروعاً عنصرياً رجعياً ليس قابلاً للبقاء سيما بعد أن انهار عموده الفقري المتهالك الذي أنشأه قرنق في دولته (جنوب السودان) التي تعيش حتى الآن البدائية في أبشع تجلياتها. منظركم بابكر أيها اليساريون والعلمانيون ثاب في لحظة صدق وطنية تاريخية وكشف التغيير أو الانقلاب الكبير الذي أحدثه قرنق في بنية مشروع السودان الجديد الذي نشأ ماركسياً أيام سطوة الشيوعية وانطلق من أديس أبابا خلال فترة النظام الإثيوبي الشيوعي برئاسة منغستو هيلي مريام عازياً مشكلة السودان إلى الاستعمار ثم تحول بعد انهيار الشيوعية والاتحاد السوفيتي ونظام منغستو إلى مشروع عنصري (يعزو كل مصائب السودان إلى شيطان يتجسد في العرب والمسلمين) على حد تعبير بابكر فيصل ويعمل على استئصال ذلك (السودان القديم) وإقامة تحالفه العرقي (المتكئ على قاعدة قبلية تحركها أيديولوجيا لا يوجد بين أصحابها شيء سوى بغض الشماليين ودوننا مسيرة الحركة المليئة بالصراعات والتصفيات الجسدية والإبادة الجماعية). لم ينس بابكر (لا فض فوه) إيراد العبارات العنصرية الصادمة التي ظللنا نرددها لسنوات خلال حربنا الضروس على مشروع قرنق العنصري حيث ذكر نظرية قرنق حول (التنوع المعاصر) التي هرف فيها بمزاعم أن القبائل الأفريقية تشكل(70 - 69) % من جملة سكان السودان بينما لا تزيد المجموعات العربية عن (30)% فقط حسب اللغات والألسنة العربية أما العرب فلا يتجاوزون (15)% فقط. ثم قال بابكر إن حلفاء الحركة هم هؤلاء الـ( 70 )% من الأفارقة وليس الطلاب والعمال والمزارعين والقوى الجدبدة التي تضمنها المانفيستو الماركسي القديم قبل التغيير الذي طال توجهات الحركة بعد أن تحولت إلى الحليف الأمريكي الجديد. هذا قرائي الكرام خطاب قرنق وحركته العنصرية التي رمتنا بدائها وانسلت خلال الفترة الانتقالية بعد نيفاشا من خلال صحيفتها (أجراس الحرية) وصحافتها الإنجليزية (خرطوم مونتر) و(سيتيزن) وظل حلفاؤها وكثير من المخدوعين ينعتوننا بتلك الصفة الذميمة فقد كنا - كما يعلم الله- نعلم عن عنصريتها منذ أيام اغترابنا ونلهب ظهرها في صحافة الخليج ونذكر بما ظل قرنق يطرحه ويؤلب به الأفارقة في تجواله في الدول الأفريقية المنفعلة بنضال مانديلا ضد الفصل العنصري في جنوب أفريقيا حيث كان يقول :(إن العرب في السودان لا يختلفون عن البيض في جنوب أفريقيا) كما يقول : (إن العرب مكثوا في الأندلس أكثر مما مكثوا في السودان وكما أخرجوا من الأندلس سيخرجون من السودان). ذلك ما دعا قطاع الشمال لأن يقيم الجبهة الثورية على ذات الأسس العنصرية ويعلن عن مشروع إعادة هيكلة الدولة السودانية تارة وميثاق الفجر الجديد تارة أخرى بذات مفاهيم مشروع السودان الجديد العنصري الاستئصالي وذلك ما جعلنا نعتبر قرنق وأولاده أعداء استراتيجيين إلى أن يتخلوا عن مشروع (تحرير السودن) وإقامة دولتهم العنصرية المستهدفة لعمقنا وتراثنا الحضاري.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة