جاءت رسالة واتساب عاجلة تدعو أفراد أسرة رجل الأعمال أحمد عبدالقادر لاجتماع عاجل في الجناح الملكي بمستشفى الرافدين.. الدعوة شملت الأبناء والبنات والأصهار والزوجات الثلاث ..سيطر إحساس توزيع الميراث على الأجواء ..الحاج أحمد عبدالقادر يعتبر واحد اً من أثرياء السودان.. يعمل في أكثر من مجال اقتصادي بل يحتكر عدداً من السلع باعتباره الوكيل الحصري للشركات العالمية.. قطع الحاج رحلته العلاجية في لندن بعد أن أخبره الأطباء أن سرطان الكبد قد أتى على الأخضر واليابس..الأطباء الإنجليز ببرود معهود منحوه فترة مائة يوم كحد أقصى ليعيش في الحياة الدنيا.. استقبل الخبر بقوة شكيمة وابتسامة باهتة.. لكنه قرر أن يعود للسودان. اجتمعت العائلة على عجل..زوج ابنته عبدالفتاح الذي يدير شركة المقاولات حاول أن ينتهز السانحة لتعزيز مواقفه خاصة أنه يحظى بثقة الحاج أحمد عبدالقادر بدأ المهندس فتاح يصرخ بشكل هستيري” لا تصدق الأطباء ..قدرة الله فوق قدراتهم”..الحاج الذي كان يعرف جيداً أفراد العائلة وكبار الموظفين رده بلطف طالباً منه الجلوس .. وحدها ابنته مريم الشهيرة بـ( لولا) كانت تبكي بألم شديد ..معظم الحضور كان ينتظر بفارغ الصبر خطبة الحاج وقد تعززت الأمنيات بوجود محمد يس محامي الشركة والصديق المقرب جداً للحاج أحمد عبدالقادر. لم يترك الحاج وقتاً كبيراً للتدبر ..بدأ روايته ببعض الحزن.. كلكم يدري أنني بت قريباً من القبر..تنتظرون حظكم من الثروة.. كل شيء قد تم ترتيبه..لكنني دعوتكم لأقص لكم سراً ظللت أخفيه عنكم طوال سنوات طويلة..القصة عمرها ٥٥ سنة ..هي عمري بالضبط..كانت حلفا الجديدة قد بدأت كمشروع لتوطين سكان حلفا التي غمرها السد العالي.. المدينة الناشئة جذبت أناس من مختلف أرجاء السودان.. روت أمي الحاجة مريم هذه القصة لي وهانذا أعيد الرواية راجياً صبركم. نحو الثامنة مساء طرق طارق على باب بيتنا الصغير وكان الوقت شتاء.. أمي كانت وقتها ترضع شقيقي عباس الذي اقترب من عامه الأول..تحركت بسرعة نحو الباب وتركت من ورائها عباس.. من وراء الباب جاءها صوت رجل غريب.. بثقة أخبرها الرجل أنه جارهم الجديد الذي حل بالبيت الذي لا يبعد كثيراً عن بيتنا .. ولم تتمكن أمي من زيارتهم.. بذات الطيبة فتحت أمي الباب وإذا بالرجل الغريب يحمل طفلاً صغيراً في عمر أخي عباس.. طلب جارنا من أمي أن تستبقي الطفل معها لأنه ذاهب مع زوجته إلى المستشفى والجو بارد جداً. بدأت القصة غير مسلية للحضور ولكن الحاج واصل روايته التفصيلية..حينما عاد والدي عبدالقادر من نادي العمال وجد في البيت طفلين .. قبل أن يفيق من الدهشة كانت أمي مريم تخبره ببعض المزاح أنها ولدت صبياً جديداً.. مع كوب الشاي الساخن كانت أمي تروي لأبي تفاصيل زيارة الجار الجديد ..حينما بلغت الساعة الثانية عشرة ليلاً زادت الهواجس مع ارتفاع بكاء الطفل الضيف.. طلب أبي من أمي أن ترضع الصغير ريثما يصل إلى بيت الجار الجديد. عاد أبي يحمل مفاجأة .. الجار الجديد وزوجته بخير وليس لهما طفل صغير ..كانت أمي تضم بعطف الطفل الجديد وتطمئن زوجها ربما الجار المعني شخص آخر في حي العمال ..في الصباح تخلف أبي عن الذهاب للعمل وبدأت هواجسه ترتفع..في اليوم التالي ذهب أبي لقسم الشرطة لصديقه أبوالقاسم الشايقي الذي جاء متفقداً بيتنا.. الصول قاسم وبخبرته الطويلة وضع النهاية للقصة المثيرة “ بختك يا مريوم الشافع دا هدية من الله”.. صدقت نبوءة الصول قاسم ولم يعد الأب .. كانت هنالك أكثر من أسطورة للطفل الشقي ..من أرجحها أنه ابن سفاح . بعيد أقل من عام على الواقعة عاد أبي لأم درمان..من تلك اللحظة بات عباس وأحمد مجرد توأم .. حينما رأى حاج أحمد الدهشة والخوف والغضب ترتسم على الوجوه تحدث بشكل حاسم “ هذه هي الحقيقة”.. أنا لست ابن عبدالقادر ..أنا لا أعرف من أنا.. ولكنني أريد لكم أن تعرفوا من أنتم .. كوني مجهول النسب لم تمنعني من تحقيق النجاح تلو النجاح..ماذا فعل أخي عباس المعروف النسب إنه مجرد مخزنجي في واحدة من شركاتي. حالة من عدم التصديق والغضب ..الزوجات مضين في نوبة بكاء تحت وقع الصدمة..أولاد العز الذين كانوا يتباهون بوالدهم تحاشوا النظر في وجوه زوجاتهم .. في ذروة الحدث طلب الحاج أحمد عبدالقادر من الجميع أخلاء المسرح.. بعدها نام في هدوء وسكينة في انتظار اليوم الموعود. akhirlahza
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة