الخمر رمز في الشعر ، للحياة الصاخبة ، وللروح المرهقة ، وللذاكرة التي لا تفتأ تعبث بالحاضر من خلال منغصات الماضي ، والخمر هي جوهر الموجودات ، ولغة العشاق ، ورمز للضياع تارة وتارة للحلول في القدرة الإلهية ووحدة الكون ، وهي تغييب العقل عن الواقع المرير ، أو الانغماس فيه حد البكاء ، أو التصوف والانعزال. والخمرة ضحكة غانية ومزحة نديم ، رمز الرشد حينا والتصابي أحيانا ، وهي أيضا الحلم والأماني بعالم مسالم ، ساكن وهادئ ، عالم الشعراء والفنانين ، عالم الحب ، والألفة والود ؛ لذلك كتب الشعراء عن القدح والكأس والخمر والطلى ونظموا فيها نظما لم يفتأ متصلا منذ أن ابدع الإنسان سحر الشعر والبيان. هكذا ابدع ابن الرومي والوأواء الدمشقي وأبو نواس في خمرياته والخيام في رباعياته وعلي محمود طه في دواوينه ، وكتبوا ليس عن الخمرة فقط بل عن حاملها وساقيها وأجوائها وعذاباتها ، وغير ذلك ، ومن يدرك السر في رمزية الخمر يعلم بأنه ليس بالضرورة أن يكون هؤلاء الشعراء كانوا يتعاقرون الخمر ليل نهار ، بل على العكس ، فربما نظم فيها التقي الورع ما لم ينظمه السفيه المتصابي ، كعمر الخيام وهو من العلماء الأجلاء الذين اشتهروا بالعلم لا بل وبالاعتزال عن الناس ، إن الخمرة ليست عندهم أكثر من رمز ، وهو رمز كثيف غني مغن عن غيره ، وهي بالتالي فاصلة علمانية بين الشاعر كشاعر وبين مقوماته الثقافية لا سيما الدينية ، ولذلك قال ابن الرومي مازحا: أحل العراقي النبيذ وشربه وقال الحرامان المدامة والسكر وقال الحجازي الشرابان واحد فحلت لنا من بين اختلافهما الخمر سآخذ من قوليهما طرفيهما وأشربها لا فارق الوازر الوزر
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة