ذلك زمان تغريد بلابل السعد في دوحة أحلامنا البهية وتباشير السعود في أحلامنا المرتجآة ومغيب أشباح الهموم وتلاشيها في فترات من العمر الذي قضيناه في مسرات أبعدت عنا عاديات الأحزان . ــ في الرصيرص وعبد الدافع والغابة ذهبت في العطلة السنوية للمدارس والتي تمتد الي ثلاثة أشهر الي مدينة الرصيرص لقضآء جزء منها مع صديق العمر محمد حسين _يرحمه الله _ والذي كان يشغل وظيفة ضابط صحة المدينة وكان أعزبا" ويشغل منزلا" حكوميا" بمفرده ، ولا أطيل عليكم ، فقد دعانا ضابط المجلس الريفي الرجل الشهم الكريم أبن أمدرمان عمر عبد الغني ( يرحمه الله ) الي رحلة صيد ، والمنطقة تعج بالغابات الكثيفة والحيوانات ومنها الغزلان بأنواعها ، وكان في رفقتنا ضابط مصلحة حماية الحيوانات عبد الدافع وهو شخصية ظريفة وانقسمنا الي فريقين واتجه كل فريق الي جهة علي أن نلتقي في يقعة معينة تركنا فيها العربة والسائق والطباخ وعدة الطهي ، وكان مع عمر بندقية ومعه صديقي محمد ، وكانت الاشارة لنعرف مكانهم هي أطلاق عدة رصاصات في الهوآء ، ولما كنت لا أطيق قتل الغزلان تلك الحيوانات الجميلة ذات العيون الساحرة الجمال والتي شبه بها الشعرآء عيون النساء الجميلة كالذي قال : عيون المها بين الرصافة والجسر ... جلبن الهوي من حيث أدري ولا أدري ، وفضلت أن أستكشف أسرار الغابة وتطوع للذهاب معي خبير الغابات عبد الدافع وتوغلنا في الغابة واستمتعت بحكايات وطرائف عبد الدافع التي لا تنفد وأنا أضحك ، ولم نشعر ألا ونحن في عمق الغابة الملتفة الأشجار علي بعضها البعض واوراقها التي تكاد أن تحجب ضوء الشمس ألا من ( رقراق ) تنفذ من خلاله الأشعة ، وصرنا نتخبط مبتغين الخروج من هذه الورطة قبل مغيب الشمس ولما نال منا التعب وصلنا أخيرا" الي ممر واسع نسبيا" ، فقلت لزميلي أن نقف هنا وننتظر الأشارة بصوت الطلقات ، وانتظرنا نحو نصف ساعة ونحن نصغي بكل حواسنا لنسمع صوت الرصاصات ، وقال لي عبد الدافع أن معه رصاصة واحدة وسيشعل فيها عود كبريت لتنطلق ، وضحكت من هذه الفكرة الرصاصية الكبريتية ! وقلت له : يا أخوي ده كلام زول يائس ساكت واذا أفترضنا أنه فكرتك دي نجحت شنو البضمن ليك رصاصتك دي ما ترتد عليك وتجيب خبرك ؟ وفتح فمه ونطط عينيه في دهشة بالغة ! وأثر ذلك سمعنا صوت ثلاث طلقات متتابعة ثم أخري ، وجرينا نحو مصدر الصوت وأدركنا أصحابنا وكتب لنا الخلاص والنجاة من أفتراس الحيوانات المتوحشة أو رصاصة عبد الدافع الوحيدة . الناظر وحرامي الروب وهذه المرة كنت في اقصي غرب السودان بمدينة الجنينة الجميلة بناسها الطيبين ومعيشتها الرخية ، وكنت ناظرا" لمدرستها المتوسطة للبنات ، وكان الصديق ابراهيم السيد ناظرا"لمدرستها المتوسطة للبنين وهو رجل مهذب طيب عفيف النفس وكان يعيش وحده في المنزل الحكومى الكبير ولم يكن متزوجا" آنذاك ،وكان مدرسو المدرسة كلهم عزاب ويشتركون في ميز لمعيشتهم ولديهم طباخ ويتناولون طعامهم جميعا" في منزل الناظر ، وكان الناظر يتناول عشآء خفيفا" من الروب الذي يحبه وعنده حلة ضخمة في المطبخ يضع فيها الروب ، ولم يكن المنزل يحتوى علي أثاث كثير لأنه لا يشغل منه الا سريرا" لنومه ودولاب ملابس صغير وشماعة وطربيزة صغيرة وكرسي ، وفي ذات ليلة سطا حرامي علي المنزل ووجده أفرغ من فؤاد خالي البال ، ولم يرد الحرامي أن يرجع خالي الوفاض فشرب من الروب حتي أمتلأت بطنه وسكب ما تبقي منه علي الأرض وأخذ الحلة الفارغة ، وكان صاحبنا ابراهيم في أشد الغضب وهو يقول ( أنا الحارقني أكتر ما سرقة الحلة لكن شرابه الروب بتاعي وتدفيقه في الواطة ) وبمناسبة حرامي الروب ( الجعان ) كان الناظر السابق والذي خلفه ابراهيم واحدا" من شيوخ مدرسي الدين والعربي ممن أتيحت لهم الفرصة ليرتقوا الي نظار للمدارس ولكن نقل وأرجعته الوزارة لمدرس بسبب ادارته للمدرسة وسلوكه المشين العنصري في معاملة التلاميذ مما أدي ألي أحتجاجهم ، وعلم السلطان بالأمر وطلب من الوزارة نقله فورا" واستبداله بناظر آخر ، وكان يسكن في نفس بيت الناظر الحالي ، وكان من ممارساته عند دخول الليل يقفل باب المنزل بترباس كبير وطبلة كبيرة وأطلاق عيارين من بندقيته الخرطوش في الهوآء لتخويف الحرامية وابعادهم عن المنزل .... العم داش والنجم ونأتي الي حكاية العم احمد داش وهو رجل في المعاش من سكان الحلة وله ولع بالقراءة وله مكتبة غنية بالكتب ،وقليل الأختلاط بناس الحلة ويقضي معظم وقته في الأطلاع وكانت له دراية بعلم الفلك ، وكانت تربطه صداقة بالعالم السراج منذ أن كانا معا" في مصلحة البريد والبرق قبل المعاش ، وكان يزوره أحيانا" ممتطيا"جواده ، وفي أحدي المرات كان العم دآش يرصد نجما"في منتصف الليل وهو منهمك بكلياته في هذه العملية فتح باب منزله وخرج وكان لابسا" جلابية ومنتعلا" شبشب وسار وهو منجذب الي النجم وكأنه عالق به وهو في سيره عبر الكوبري ووجد نفسه في داخل الخرطوم قريبا" من الديوم ، وقبض عليه البوليس علي ظن أته لص يتحين الفرصة لينقض علي أحد البيوت ،وعرفهم بنفسه وانه يسكن في فريق ريد بالموردة بامدرمان ، وبالصدفة كان أحد عساكر البوليس في المركز له أقارب في الموردة ويعرف غالبية سكانها وبخاصة المعروفين فيها فرحب به واعتذروا له وأوصلوه بعربة البوليس الي داره بفريق ريد بالموردة بأمدرمان ... هلال زاهر الساداتي 31 أغسطس 2016
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة