· غايتو الوطنية لو بتكمل بي القصائد والأغاني بنكون كملانها. · وكان بتُقاس بي لف الأعلام حول الأعناق أكيد خلصناها في الومين الفاتو. · كلما أستمع لأغنية وطنية أحس بأننا خذلنا شعراء الزمن الجميل. · وعندما أرى مغنياً وقد لف علم السودان حول عنقه وهو يؤدي بعضاً من هذه الأغنيات أشعر بأننا صرنا مثل ممثلين بارعين. · أما حين أرى وأسمع مسئولاً يخاطب الناس خلال مناسبة الاستقلال فالدم يفور في العروق. · لأنهم يكذبون ويكذبون دون أن يطرف لهم جفن. · والمؤسف أننا أيضاً نكذب على أنفسنا. · ونكتفي فقط برفع الشعارات البراقة. · وننافق حتى على الوطن. · فهل يصلح نشيد " أنا سوداني أنا.." مثلاً لهذه المرحلة التي نعيشها! · وهل لنا أن نفخر حقيقة ونحن نغني لاستقلال بلدنا من المستعمر! · وهل يمكن لعاقل أن يصدق مسئولاً حالياً حين يقول " هذا الشعب الأبي يستحق كل الخير! · خير! · هو أنتو فضلتوا فيها خير؟! · هل الخير لهذا الشعب - الذي يستحق – في أن تصفونه بـ ( الشحادين) و ( العطالى)! · أم في تدمير مستشفياته! · أم في منعه من كافة الخدمات الأساسية التي تقدمها أي دولة مهما كانت فقيرة لشعبها دون منِ أو أذى! · أم في تكميم أفواهه! · أم في تجهيل أبنائه! · أم في التخلي عن فقرائه وتركهم يفترشون العراء ويلتحفون السماء! · أم في الفتك بمثقفيه! · لا يجدر بأي مسئول سوداني أن يخاطب الناس في مناسبة مثل ذكرى الاستقلال. · اللهم إلا إذا قرأ المسئولون المفردة بـ (الغين) عوضاً عن (القاف). · لكن دعونا من الحكومة وبلاويها وتعالوا نحاسب أنفسنا أيضاً. · هل حقاً نحن نفرح بذكرى استقلال بلدنا؟! · وهل ما زالت الأغاني الوطنية تلهب حماسنا حقيقة لا تمثيلاً؟! · أشك في ذلك. · وإلا فكيف أصبح هم غالبيتنا هو التكسب بأي وسيلة حتى ولو على حساب هذا الوطن ومؤسساته؟! · صحيح أن بلاوي الحكومة التي لا تحصى ولا تعد أفقرت الشعب وجعلته في حاجة لكل شيء، أي شيء. · لكن هل يكفي ذلك مبرراً لأن يتحين الكثيرون الفرصة للانقضاض بمجرد أن تلوح لهم الفرصة لأخذ حقهم من كعكعة الوطن؟! · كم من معارض تحول إلى الجانب الآخر في لمح البصر ما أن أتاحوا له الفرصة ليأخذ نصيبه من هذه الكعكعة! · وكم من ناقد موضوعي تخلى عن موضوعيته لمجرد اشارة من أهل السلطة بأن يصبح من أصحاب الحظوة! · وكم وكم. · لا شك مطلقاً في أن الحكومة فعلت بنا ما لا يستطيع النجار فعله بالخشب. · ونثق أيضاً في أن بعضنا يقبضون دائماً على الجمر رغم كل المحن. · لكن ماذا عن الأغلبية التي تبدلت أحوالها! · لماذا صرنا هكذا؟! · وكيف لنا أن نتطلع لغد مشرق في وجود غالبية لا هم لها سوى أن تكسب بأي شكل. · متى سنصدق مع أنفسنا؟! · متى نقف وقفة جادة ونقر بأن أحوالنا قد تغيرت كثيراً. · لما لا نعترف بأنهم نجحوا بدرجة كبيرة في إعادة صياغة إنسان السودان فعلاً كما أرادوا خلال سنوات حكمهم الأولى؟! · وما أقبحها إعادة صياغة تلك التي فعلوها بقطاعات عريضة من أبناء شعبنا. · إن لم تتبدل أحوالنا فكيف تمكنوا من حكمنا بهذه الطريقة لكل هذه السنوات! · كلما اشتدت الأزمات وقلت مصادر الدخل ازدادت الفئة الباحثة عن مصالحها الشخصية عدداً. · أما مفارقات أهل السودان فقد صارت تدعو للدهشة حقيقة. · ففي الوقت تنفطر فيه الأفئدة لمشهد طفل جائع يفترش العراء أو تلاميذ لا يجدون ما يسدون به الرمق طوال يومهم الدراسي، هناك أعداد ليست بالقليلة تنفق الملايين لحضور حفلات رأس السنة. · والمصيبة أنهم يدفعون مبالغ كبيرة لمشاهدة والاستماع لمطربي غفلة لو طرق الواحد منهم دارك لكي يغني لك بالمجان يفترض أن تشكره وتغلق باب بيتك عليك وتعد إلى فراشك. · ألم أقل لكم أنهم أعادوا صياغة الكثيرين جداً من أبناء الوطن. · هذا ما يجب أن نقر ونعترف به. · المذيعة اللامعة عندنا صارت هي من تفسخ لون بشرتها وتضع من المساحيق ما تنوء بحمله الجبال. · والكاتب المرموق بيننا هو من يكذب على الناس وينافق ويثير العواطف. · والأدهى والأمر أنك يمكن أن تعترف صراحة بأنك تكذب على القراء ومع ذلك تتزايد أعداد هؤلاء القراء. · والمسئول الناجح هو من يقدم الوعود كل صباح دون أن يفي بواحد منها. · إن تعرضت بالنقد لرجل ثري يتولى أمر مؤسسة عامة فأنت حاقد وحاسد وتريد لنعم الله على خلقه أن تزول. · وإن قلت رأيك صريحاً في أمر واضح وضوح الشمس فأنت تخالف لكي تُذكر. · أما أن طمست الحقائق وقلت أن الغرب شرق والشرق غرب فأنت " مية على مية". · وإن شتمت أبناء شعبك ووصفتهم بأقبح الصفات تجد نفسك في الصباح التالي وقد صرت علماً من الأعلام. · ما هو أصلاً شعب أبي يستحق كل الخير!! · وليس مستبعداً أن تحتفي بك السلطة الحاكمة وتزينك بنوط الشجاعة. · إن صدح مطرب بأغنية هابطة يلمع نجمه في أيام ويصبح مغني شباك. · وإن ظهر فجأة هكذا وبدون مقدمات رجل محتال أسمى نفسه ( شيخاً) بمعاونة آلة إعلام الضلال يجد ترحيباً بالغاً من خريجي الجامعات والشباب الذين يفترض أن يكون همهم بناء وطنهم. · لكنهم بدلاً من ذلك يتفرغون لتقبيل التراب الذي يمشي عليه شيوخ الغفلة والعياذ بالله. · ألا يؤكد كل ما تقدم أن أحوالنا قد تبدلت حقيقة. · وبدلاً من الاحتفال بالاستقلال بوضع الأعلام وترديد أغنيات وطنية تخرج من الشفاه فقط، علينا أن نقف مع النفس ونقر ونعترف بتبدل الأحوال. · فاعترافنا بهذه الحقيقة يمكن أن يمثل الخطوة الأولى في طريق التغيير الشاق والطويل. · أما أن استمرينا في المكابرة وظللنا نكتفي بترديد ما كان يصدح به العطبراوي ووردي (رحمهما الله) وود الأمين وآخرين فنحن بذلك نخدع أنفسنا. · وسنضيع المزيد من الوقت دون أن نحدث التغيير اللازم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة