ثمة حقيقة واضحة لكل ذي عقل وبصيرة ان فتح حاضرة بحاضنتها الشعبية وغائبة بقيادتها ، فعصر حضور القيادة قد ولى ، وعصر تذمر الحاضنة ما زال يتفاعل لاسباب موضوعية ترتبط بالمنهج والبرنامج والمفردات ، وان اردنا توضيح الاتهام ومسببات التذمر ، ففتح في نظر الكثيرين هي المسؤلة وغير المسؤلة عن كل التداعيات في البرنامج الوطني ، ولا يفهم البعض ان فتح نفسها بادبياتها ومنطلقاتها قد تكون هي المتهم المظلوم وان صدرت بعض الاحكام ومن بعض الاطراف ضدها ، وما اكثر وائح الاتهام لكل الحركة الوطنية الفلسطينية ، وكذلك الاسلامية ، فالاتهامات بقدر حالة الفوضى والتشتت والاتهامات المتبادلة وعمليات التحريض التي اصابت في سلوكها الحجر والبشر وفي كل ايقونات الشعب الفلسطيني بدءا من العنصر الى القائد ومن الحارة الى الشارع والقرية والمدينة ، اذا الكل له لائحة اتهام .
ولكن من موقع حركة فتح قد تتحمل عبء كل المراحل ، ولانها الفصيل الاضخم ، والفصيل الذي اضفى بنوره انطلاقة الكفاح المسلح ، وهي الفصيل الذي له اكبر حاضنة شعبية فلسطينية وعربية ودولية اممية ، اذا من اجل ذلك تسلط الاضواء على حركة فتح .
اذا حركة فتح دائما حاضرة ، والاتهام بالفشل مصوب نحوها ، ولان قيادتها غيبت التفاعل بينها وبين قواعدها وجماهيرها ودخلت وعلى مسؤليتها الشخصية وليست الاطارية في مغامرات تجاوز واكل المراحل وتبعتها فصائل العمل الوطني ، واحتكرت المسؤليات في الاطار واصدرت القرارات وابتدعت التحركات بحكم مسؤلياتها عن الاطار، وطبعا مخالف للنظام الاساسي.
مرحلة قيام السلطة لم تكن في الحسبان وان تبلورت في قيام الدولة على اي جزء محرر حسب منطق الاصول الثورية لحرب الشعب وبموازين دقيقة لحساب معادلات الصراع مع الاحتلال ، قفزت قيادة فتح ومن خلفها فصائل منظمة التحرير عن المراحل الموضوعية في الصراع ودخلت في مغامرة اوسلو التي اصبحت مستنقع صعب الخروج منه ، فلم تكن الترتيبات الاطارية والمؤسساتية للثورة وفتح تسمح بان تتقلد مهمة بناء دولة في وقت مبكر وقافز عن مرحلة ما يجب من موازين ومعادلة الصراع مع الاحتلال ، ولذلك قبل ان يكون الانقسام والتنافر بين فصائل العمل الوطني والاسلامي كان مؤكدا التنافر بين كوادر فتح وقياداتها وخاصة المؤمنيين بنظرية الكفاح المسلح ومراحلها ، وبين الاصلاحيين وبين من هم قفزوا عن المرحلة ومستوجباتها اسياسية والتنظيمية والامنية ، فانقسمت فتح في داخلها وانعكس ذلك على القاعدة وقواها .
اصبحت الان المعادلة تتلخص بان تبحث القاعدة الفتحاوية عن وحدتها ، وربما الاستشعارات لدى القاعدة متقدمة عن جمود تلك الاستشعارات عند قيادتها ، التي فعلا ظاهرة اعلامية عبر مسؤلي اعلامها وغائبة عن مكامن الفعل والتجاوب مع رغبات القاعدة وجماهيرها ، قد اعطت جماهير فتح وكوادرها كل العطاء وفي جميع المناسبات كي تحفز قيادتها الجامدة التي تتمرغ في واقع محاصرة الاحتلال لها وبين رغباتها الشخصية ، ولكن للاسف ما زالت تلك القيادة غائبة على مستوى الحدث والمرحلة بل غائبة على المستوى والسقف الاستراتيجي .
جماهير فتح قادرة على ان تصنع الحدث في حين ان قيادتها متلقية الحدث وما زالت غير مستوعبة لكم الرمال المتحركة التي تحيط بالقضية على المستوى الاقليمي والدولي ، وهذا ما حذر منه النائب وعضو المركزية محمد دحلان في رسالته بمناسبة العام الجديد وذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية لعامها 51 وكما جاء فيها :
""كنت أتمنى التوجه اليكم بكلمة مبشرة ، بوعود و إنجازات وطنية و قومية مشرقة ، غير أن الواجب ، و صدق العلاقة بيننا ، يحتمان مسؤولية المكاشفة و المصارحة ، انتهي عام فلسطيني و عربي صعب ، لكننا قد نكون على مشارف عام اصعب ، عام أكثر قسوة و دماراً و دموية ، وسط تقلبات و أحداث إقليمية و دولية هائلة ، يصعب تقدير مداها و عمقها ، كما يصعب تقدير أثارها الحالية و المستقبلية على قضيتنا و شعبنا و أمتنا ، فنحن نعيش ذروة حروب متعددة الأشكال و الأطراف و الاهداف ، حروب ليس بينها جامع ، سوى انها تشتعل حولنا و على أرضنا العربية ، و تستهدف تمزيق حدودنا القومية ، و تدمير هويتنا الوطنية ، و كل ذلك مرورا بتغير الأولويات و الثوابت ، و لقد شهدنا جميعا فداحة تراجع الاهتمام العربي و الدولي بالقضية الفلسطينية .""
ما زالت القيادة غائبة الفعل عن وقفات جدية للنظر للوضع الداخلي الفلسطيني وما يجب ان يكون من قرارات جادة تخرج عن اللون الخطابي والاعلامي لتدخل حيز التنفيذ الفعلي من توحيد قوى فتح والبيت الفلسطيني بقواه الوطنية والاسلامية ولان عام 20016 سيدخل علينا بمعادلات الخرائط السياسية التي يجب ان يكون لنا موقع فيها والا سيدفع الشعب الفلسطيني الثمن لعقود قادمة .
واستطرد دحلان في رسالته وكلمته قائلا:
""للأسف الشديد ، كل تلك الأحداث الجسام ، لم تشكل حافزاً كافيا لصحوة و حكمة سياسية فلسطينية ، تنهض لحماية و صيانة البيت من الداخل و الخارج ، و الاستعداد للمرحلة الاصعب ، بصحوة وطنية شعبية شاملة و جامعة ، بل على العكس تماماً ، يتصرف البعض ، بقدر غير مسبوق من التجاهل و اللامسؤولية ، و كأن لا شيء خطير يدور حولنا ، و كأن ألسنة النار لم تصل الينا ، رغم وجودنا في قلب البركان ، و في عين العاصفة ، و رغم يقيننا المطلق ، بأننا ضحية مستهدفة ، و بأن قضيتنا الوطنية ، قد تعرض قربانا ، لصفقات و تسويات قادمة حين يعدون الخطط و الخرائط ، تماما كما حدث اول مرة .
أيها الاحبة
في هذه الليلة المجيدة ، و في مواجهة الخطر المحدق ، أبدء بنفسي ، ثم ادعو الجميع ، قيادات و قوى ، لوقفة صدق مع النفس و مع الغير ، و الترجل عن جياد المعارك الجانبية و الوهمية ، فلا شيء يستحق الصراع ، او الانحراف عن المسار الوطني و أولوياته المقدسة ، بل علينا استعادة وحدتنا الفلسطينية فورا ، كخطوة عاجلة و حاسمة ، تعيد ثقة الشعب بقياداته و مؤسساته الوطنية ، و تستنهض الجموع لوحدة و عطاء ، من اجل حماية حلم الاستقلال و القدس قبل فوات الاوان .""
فتح الحاضرة الغائبة وما تحمله من مسؤليات جسام على عاتقها ، يجب ان تلبي طموح اعضائها وكوادرها وشعبها في استحقاقات ملحة تبدأ بوحدة فتح بدون مماطلة او تأخير ولان المتغير القادم خطير وقد يصيب في خاصرة البرنامج الوطني ومستقبل الشعب الفلسطيني " فتح حاضرة بجماهيرها وغائبة في قيادتها.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة