جاء بصحيفة الراكوبة الإلكترونية نقلا عن صحيفة الجريدة خبرا مفاده بأن مديرة منظمة ـ طفل آمن ـ صديقة كبيدة، قد كشفت عن إعتداء على طفلين بخلوتين قرآنيتين ببحري وشمبات من قبل شيخين قبل شهر، ولفتت إلى وفاة طفل بعد الحادثة ومعاناة الآخر..... ومن جهتها أرجعت د. نجدة بشارة استشاري علم النفس بجامعة السودان ظهور الممارسات السالبة إلى بعض القنوات الفضائية وأجهزة التلفونات الحديثة واعتبرتها السبب المباشر في تغيير وتفكير مرتكب الجريمة، ودعت إلى مراقبة الأبناء وحمايتهم والتواصل معهم. انتهى الخبر.
لا تعليق لي على ما قالته د. نجدة بشارة استشاري علم النفس بجامعة السودان لأن ما جادت به قريحتها في التحليل النفسي لمرتكبي هذه الجريمة يندرج تحت باب اللغو (والكلام الساكت)، حين أرجعت أسباب ظهور تلك الجرائم الخطيرة إلى تأثير (بعض) القنوات الفضائية وأجهزة التيلفونات الحديثة، وأطلقت على هذه الجريمة (الممارسات السالبة).
وهي ليست كذلك، بل هي جريمة مكتملة الدوافع والأركان، كما يُفترض علم الجميع بذلك، وأنها معرفة لغة واصطلاحا وقانونا في كل شرائع بلاد الدنيا، وتسمى جريمة الإغتصاب، وأفردت لها هذه الدول أقصى العقوبات، وأن من يدان بها يظل اسمه في سجلات الشرطة ويتم التحقيق معه كلما وقعت حادثة إغتصاب مجهولة في المنطقة الجغرافية التي يعيش فيها، وبمعنى آخر فإن الإدانة تلازمه وتلاحقه لتصبح جزاء من سيرته الذاتية ما دام يتنفس ويأكل الطعام ويمشي بين الناس.
لقد استغلق على فهمي سبب التعميم الذي شمل كل أجهزة التيلفونات الحديثة دون أستثناء كالذي خصت به الدكتورة نجدة القنوات الفضائية؟. وهل إذا تم إيقاف بث مثل تلك القنوات الفضائية المستثناة، وتمت مصادرة كل الأجهزة التيلفونية الحديثة من أصحابها ستتوقف هذه (الممارسات السالبة)، أم لا؟.
إن جريمة الاغتصاب المؤسفة التي حدثت مؤخرا بحق هذين الطفلين والتي أسفرت عن وفاة أحدهما واستمرار معاناة الآخر، لا تأتي خطورتها بأن من قام بارتكابها هما شيخان ملتحيان أو ظاهري التدين أو كانا يدعيان حفظ القرآن وفهمه وتجويده أو كانا خاشعين ساجدين يشع من وجهيهما نور الصلاح والفلاح. وحتى لو ارتكب هذه الجريمة النكراء سكير، عربيد، فاسق فاسد، فإن ذلك لن يغير من وصف هذه الجريمة البشعة شيئا، حيث لا تعتبر الصفات الأولي ظرفا مشددا للعقوبة ولا الصفات الأخيرة ظرفا مخففا لها، فالقانون دائما يأتي مجردا يفصل بين الفكر والمعتقد والسلوك المجرًم.
ولكن تكمن خطورة هذه الجريمة وبشاعتها إذا قام بارتكابها من يتخذ من الدين هاديا لسلوكه، وخطا صارما يساعده في التقسيم المعنوي للأشياء من حلال وحرام، ومرشدا لسكناته وحركاته ومنهاجا يتمثله في حياته اليومية، وخاصة إذا كان معلما له فإن المحافظة علي قيم الفضيلة التي يدعو لها هذا الدين تكون عبئا إضافيا عليه لتعصمه وتحصنه من الوقوع في مزالق الشهوات الدنيئة ووازعا رادعا وزاجرا له بتعاليم وشرائع وقوانين الدين نفسه.
وتأتي خطورة هذه الجريمة في المقام الثاني بأن من قاما بارتكابها كانا مؤتمنين وذوي ولاية على الطفلين المجني عليهما الأمر الذي عرض قيمة الأمانة نفسها لخطر الاهتزاز وانعدام الثقة، ففي كل الشرائع والقوانين يعتبر من يرتكب جريمة بحق من كان تحت ولايته أو كان ذا تأثير معنوي عليه، كالمعلم والمدرس والطبيب ورب العمل وشيخ الخلوة في حالتنا المأساوية هذه، وكل من كان مسئولا عن غيره وتحت ولايته، فإن العقوبة في هذه الحالة تكون مشددة حتى لا تنهار الثقة في المجتمعات وتصبح مقولة (حاميها حراميها) واقعا حيا يمشي بين الناس.
وبما أن الشيخين المغتصبين في هذه الحالة يعتبران مؤتمنين على المجني عليهما وتحت ولايتهما المباشرة فإن تناول جريمتهما بواسطة ذوي الاختصاص والدراية بهذه السطحية والسذاجة وإرجاعها إلى أسباب بعيدة كل البعد عن تعريفها ومسبباتها ودوافعها، ففي هذه الحالة لابد وأن يكون هنالك خطب ما قد أصاب بعض متعلمي هذا الشعب في مقتل، وأفقدهم المعيار الأخلاقي السليم في الحكم على الأشياء وفق الأسس الآدمية والعلمية المتعارف عليها إنسانيا في التناول العلمي الجاد والتحليل الرصين لمثل تلك الجرائم ووضع المعالجات والحلول الجذرية لها حتى لا يتعامل معها الناس باعتبارها من عاديات الأمور وتندرج تحت مسمى الممارسات السالبة!.
أطفالنا هم أكبادنا تمشي على الأرض، هذا إحساس غريزي يحسه كل أب وأم، وعندما يكون هذا الإحساس معرضا لخطر الإنتهاك، ومهددا بأبشع الجرائم واخطرها، كجرائم الاغتصاب وانتهاك الأعراض والتحرش اللفظي وغيرها من الجرائم الجنسية، والتي أخذت في التزايد بوتائر متصاعدة، منذ أن اغتصب أصحاب اللحى والأيادي المتوضئة السلطة الديمقراطية بليل بهيم، أصبحت هذه الجرائم تشكل خطرا على الإستقرار الأسري نفسه، وناقوس كارثة ماحقة باتت تهدد الثقة العمياء في الآخر وتهزها في مجتمع متماسك كانت لوقت قريب هي رأس ماله الذي كان يفاخر به غيره من الأمم والشعوب.
فالمجتمع السوداني عرف الأسر الممتدة منذ القدم، فكان حتى أبن المنطقة أو الحي السكني يشمله ذلك التعريف، والدفاع عن الشرف والعرض كان تضامنيا، فكان كل فرد من المجموعة المعينة يعتبر هذا واجبه المقدس، والتقاعس عن القيام به يُعتبر عارا اجتماعيا ربما لازم الفرد ما تبقى من عمره.
يبدو أن مقولة ( إن من أمن العقوبة أساء الأدب)، قد وجدت تطبيقها العملي في هذا الزمن الرديء، لأن العقوبة التي ينزلها القانون الجنائي الحالي على الجاني المغتصب لا تتناسب وجسامة الفعل الذي يرتكبه، ولا تحقق الغرض من الردع العام، الذي ينظر إليه ويضعه كل مشرع نصب عينيه، وذلك حرصا منه لعدم تكرار مثل هذه الأفعال التي توصف بأنها الأخطر، والتي تتخطى آثارها المجني عليه، لتصيب المجتمع بكامله بحالة من عدم الاستقرار وانعدام الثقة وتكريس قانون الغاب الذي يتجلى في أعلى درجات العنف الجسدي ويتخطاه لتحطيم إرادة المجني عليه ليعيش مع عار يكون ملازما له ما ظل حيا، لأن جريمة الاغتصاب تُعتبر من أخطر الجرائم، بل أكثرها وحشية وانتهاكا لخصوصية الإنسان.
وجريمة الاغتصاب قديمة قدم المجتمعات البشرية نفسها، وإن إتخذت أشكالا مختلفة كان في الغالب محورها المرأة، وشهد العصر الحديث إرتكاب جرائم الاغتصاب كسلاح تدميري في الحروب، لكسر إرادة الشعوب وقهرها، كما حدث في الحروب التي دارت بين الصرب والبوسنة، وفي حروب الهندوس ضد المسلمين، والمسيحيين ضد المسلمين في نيجيريا، وجرائم الاغتصاب التي كان مسرحها إقليم دارفور المنكوب وما زال.
ما كان لهذه الجريمة البشعة أن تحدث بحق هذين الطفلين وتغتال البراءة فيهما لو لا تدخل أمير دولة الإسلام السياسي المشير عمر البشير في الشأن القضائي وإطلاق سراح الشيخ المغتصب بعد أن حكمت عليه المحكمة وأصبح الحكم عليه نهائيا وباتا، ليصبح تدخله السافر في شأن القضاء بمثابة الحصانة لكل من يتبع أو يعتقد بأنه تابع ومؤيد لهذه الدولة الرسالية الورعة طالما أطلق لحيته وحف شاربه وأظهر زبيبته ورفع سبابته مهللا ومكبرا.
وما كان لها أن تحدث لو أن الشيخ الورع نجم (الإسكايب) الأوحد بلا منازع الذي ارتد إلى عهد طفولته الأولى وظهر عاريا كما ولدته أمه وهو يستعرض رمز ذكورته وشاهد وعنوان فحولته في فضاء الأسافير الطلق دون مراعاة لمناصبه الدينية الكثيرة التي يتولاها، لو جاء جزاؤه من جنس عمله وتم تجريده من مناصبه ومهامه الخطيرة التي من ضمنها التصدي للمد الشيعي وتمت علنا محاكمته بالفعل الفاضح العلني ليكون عبرة لمن يعتبر.
وما كان لها أن تحدث لو أن الشيخ محطم الأرقام القياسية في السباحة مغتصب تلميذه الطفل حمادة نال عقوبة رادعة ومشددة عوضا عن تلك العقوبة المخففة التي لا تتناسب مع فعله الشنيع. ولو تم عقاب كل من يرتكب جريمة بحق من تقع عليهم مسئوليتهم المباشرة عقابا رادعا لما سمع أحد بحادي ركب قوافل الحج والعمرة وهو يمارس عهره ومجونه مع من كانت تحت سلطته في الهواء الطلق دون مراعاة لحساسية منصبة الديني.
لا شك في أن كل الجرائم يمتد تأثيرها على المجتمع بنسب متفاوته وإن وقعت على الحق الخاص إلا جريمة الإغتصاب فإنها تعتبر أم الجرائم وأخطرها على الإطلاق، لهذا ثار الشعب الهندي عندما تكررت جرائم الاغتصاب بحق الفتيات الهنديات، الأمر الذي اضطر المشرع الهندي أن يشرع في تغيير التشريعات القديمة وسن قانون رادع لمعالجة آثار وتداعيات هذه الجريمة.
وثارت الشعوب الكردية في إيران وكادت أن تحدث ثورة شاملة في كل التراب الإيراني وذلك عندما حاول أحد الضباط الإيرانيين اغتصاب فتاة كردية تدعى فريناز خسرواني الأمر الذي إضطرها إلى الانتحار قفزا من الطابق العلوي لأحد الفنادق تفاديا من ذل وعار الإغتصاب الأبدي.
فهل وصل بنا الحال في السودان أن تمر مثل هذه الجرائم البشعة مرور الكرام، ونترك أبناءنا تحت أيدي هؤلاء الذئاب البشرية الذين انتزعت الرحمة من قلوبهم، وصاروا لا يخافون عاقبة سواءاتهم، طالما أن المغتصب الأكبر وصاحب فرمان العفو الرئاسي عن كل مغتصب وزاني وفاسد ومفسد وسارق ولص هو من يقرر في مصير هذا الشعب العظيم؟. أم أن السيل قد بلغ الزبي وصار الشعور بالقهر والذل والهوان أكبر من أن يحتمل وأن ثورة الكرامة والشرف آتية لا ريب فيها وإن تأخرت؟. الصادق حمدين [email protected]
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة