تحدثنا في الجزء الأول عن السيرة الذاتية للأستاذ ضرار صالح ضرار، وبما أن كل الذين يعرفونه يعرفونه على أنه مؤرخ فقط والكثير لا يعرفون بأنه أديب والذين درسوا قصيدته (يا كناراً قد تغنى في القفار) يعتقدون أنها قصيدته الوحيدة ولكنها اشتهرت لأنها كانت ضمن المقرر المدرسي. ونحن هنا نلقي الضوء على بعض قصائده المناسبة لهذا المقام من ديوانيه "لذيذ كل ما كان" و"ضياء وضباب". وفي مناسبة أخرى بإذن الله نتحدث عن كتبه الأدبية مثل "هل كان عنترة سودانياً" و"الحب في شعر العقاد".
قال الشاعر ضرار في الرثاء رحمه الله وأدخله فسيح جناته بإذنه تعالي وهو يرثي أمير المحسنين بشرق السودان الشيخ محمد البربري: حياتك لا تعادلها حياة وموتك لا يعادله ممات ففي الأولى علوت ولن تجارى وعند الموت ظللنا في سبات علوت عن المطامع لا تبالي أهذا الكون تبر أم نواة
وفي رثاء الإمام عبدالرحمن المهدي قال: لم يبك طرفي ولن يبكي عليك فما خلقت إلا لكي تستنهض الهمما فعلمتنا كيف نلقى البأس مضطرباً والجمع ملتطماً والشر محتدماً علمتنا الصبر والأحداث محدقة فليس يرهبنا أن حشدها قدما
وفي الأسد السوداني الأمير عثمان دقنه قال: فيض من الإلهام يسري كالسنا في الخاطر ما زال يعصف في الضلوع وبالفؤاد الحائر يا ملهم الشعراء يا وحي البيان الزاخر شيّدت مجدك بالسداد وبالفعال النائر
وفي رثاء زميله بالكلية أحمد عبدالوهاب قال: قضاء ليس يدفعه الشباب وأمر لا ينهنهه المصاب تلاحقنا المنون فلا قضاء نلوذ به ولا بحر عباب فصبراً يا فؤادي اليوم صبراً فإن حياتنا الدنيا سراب فهذا اليوم أحمد لا يلبي ولم يسمع له أبداً جواب
وقال في الزعيم الهندي غاندي: أنت في الأرض يا زعيم الهنود شعلة الحق في ظلام الوجود
وفي ديوانه لذيذ كل ما كان قال عن الإمام عبدالرحمن المهدي: سليل المجد الراحل السيد عبدالرحمن المهدي: شاهدت نعشك في الأكتاف كالعلم والأرض خاضعة الأبصار في ألم
وقال في قصيدة عن الأستاذ والمربي الجليل عبدالرحمن علي طه: كتبت إليك من بلد الحديد ـ كتاباً ضج من خبب البريد بعثت إليك أسود في بياض ـ وقد يغنيك عن بيض وسود ومثلك من تفهم كل نفس ـ ويعلم بعض أسرار الوجود ولي في (الفخر) عندكم مثال ـ (وإبراهيم) في العزم الوطيد فبثهما سلام أخ حميم ـ يرى ذكراهما مثل السجود وقل للساكنين خذوا سلاماً ـ وشوقاً جاء من قلب مريد وهاك قصيدتي في جوف ظرف ـ فإن فتى (الرضا) بيت القصيد
وكتب قصيدة عن محمد بن القاسم الثقفي الذي فتح بلاد السند وهو في التاسعة عشر من عمره: سرى كالنور يخترق القتاما ـ ويقتحم الدجنة والظلاما ويمعن في مسالكها ولوجاً ـ ويحسر عن محارمها اللثاما وينشر في دنا الفوضى نظاماً ـ يظل على مدى الدنيا سلاما له جيشان من نور ونار ـ لمن فقد البصيرة أو تعامى
وقال عن أستاذه عبدالله محمد عمر البنا العام 1946م: إلى رب القصائد والمعاني ـ مليك الناظمين مدى الزمان إلى البناء ذي القدح المعلى ـ ومن ملك المشاعر بالبيان إليك كتبت يا شيخي كتاباً ـ يسوق إليك شوقي وافتتاني فبالبناء يفخر كل جيل ـ وليس (ضراره) صنواً لبان
من أهم انجازاته وما أكثرها أنه شارك في إعداد موسوعة الأمير سلطان بن عبد العزيز. كان رحمه الله متعدد المواهب ـ شاعر وأديب ومؤرخ مؤلفاته تحكي قصة حياته. كان متسامحاً وإنسانياً في تعامله مع الآخرين لا يعرف الغضب ولا الإنفعال. وكان يحتفظ بمكتبة عامرة. إن تأبين المؤرخ ضرار مناسبة لنذكر فيها سعدالدين فوزي (مصور) الشاعر والأديب والشيخ البنا وعبدالرحمن علي طه والبربري وغير متجاهلين إمام الهدى الإمام محمد أحمد المهدي والإمام السيد عبدالرحمن المهدي والإمام السيد الصديق والإمام السيد الهادي رحمهم الله جميعاً. ساعد المؤرخ ضرار الكثير من طلاب العلم في إعداد رسائلهم في الماجستير والدكتوراه وفي البحوث وكان منزله العامر كعبة لطلاب العلم والأدب في مدينة الرياض بالسعودية. وأخيراً لا بد من الإشادة بالسيدة الزوجة التي هيأت له الجو لكي ينتج ويبدع ـ أم الكابتن سيف الدولة والدكتورة المهندسة هند. كان رجل عائلة وبيت نبيه ومكتبة غنية. قال الشعر في زوجته أعانها الله وكان الجد الحنون لأحفاده ومنهم من سوف يسير على دربه بإذن الله تعالى. كان هاديء الطبع ليس له خصوم وكل الناس أصدقاؤه. كان نشطاً في نادي الخريجين من أول فترة عمله متطوعاً في السكة الحديد ببورتسودان أثناء الحرب العالمية الثانية. قال الشعر في أرض الجزيرة ومدح أهلها الكرام عندما سافر مشياً على الأقدام من سنار إلى الخرطوم مروراً بالعمارة وأربجي بلد أحبابه آل علي طه. كذلك طاف بكثير من مناطق الشرق خاصة جنوب مدينة طوكر، وعندما عمل معلماً في خورطقت تعرف على كل قبائل كردفان وقراها وتاريخها. كان المؤرخ ضرار عالماً نفسانياً أنظر كيف شرح موت الحجاج وهو يعاني من إعدامه لسعد بن جبير وكيف كان العقاد يعاني من الحب في شيخوخته. كان ضرار عارفاً بالنفس الإنسانية. وكم تحدث عن إيجابيات السلام ودمار الحروب، أنظر قصيدته في محاكمات نورمبيرج. كان وثائقياً يحتفظ ببعض الوثائق مثل خطابات الزعيم الأزهري للوالد، وفرمانات (قرارات) الدولة العثمانية في سواكن وغيرها الكثير، كان قليل الكلام إلاّ عندما يطلب منه أن يتكلم ولكنه كثير الأفعال الفكرية والأدبية في مواضيع مهمة جداً، أنظر قصيدته في سواكن ـ تاريخ مجيد أو مرثية الإمام عبدالرحمن المهدي. رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة