تأملات جمال عنقرة بين يدي إجتماع غندور شكري (2 - 2) صحيح أن حلايب هي مظهر من مظاهر الأزمة بين السودان ومصر، وأن حل أسباب الأزمة يجب أن يسبق محاولة حل قضية حلايب، ولكن الحل النهائي لمسألة حلايب أصبح واجبا، حتى لا تظل ورقة تستغل لتأجيج النيران بين مصر والسودان، ولكن يجب ألا تعتبر المدخل للتسوية لأنها لا يمكن أن تحل حلا موضوعيا ومرضبا في مثل ظروف التوتر القائم. ومن مشكلات الماضي والتي استعرضنا بعضها في مقال الأمس، أنه عندما تتوتر الأجواء بين القاهرة والخرطوم يفتح الجانبان ملف حلايب، وعندما تهدأ الأحوال، يطوي هذا الملف تماما، لذلك يجب هذه المرة مناقشة قضايا الأزمة الرئيسة، فإذا ما توصل الجانبان إلي حلول مرضية يتم فتح ملف حلايب علي الفور، ولا يتم إغلاقه إلا بعد تسويته تماما. المسألة الثانية التي يعتبرها الناس من جذور الأزمة وهي من فروعها مسألة الحريات الأربع، ولا بد أن نشير في الأول إلي أن الحريات الأربع هي مشروع سوداني، وكان لمصر اعتراض علي بعض جوانبه، وبالتحديد تأشيرة الدخول والإقامة، فمصر اعتذرت عن تطبيق الدخول بدون تأشيرة مسبقة، والإقامة في بلدها دون الحصول علي تصريح بذلك، فسألهم المفاوض السوداني الدكتور مصطفي عثمان إسماعيل وزير الخارجية آنذاك عن رأيهم في تطبيق هذين الأمر من طرف واحد، طرف السودان دون مصر، فوافقوا علي ذلك، فتم تطبيق هذه الحريات من جانب السودان حسب مقترح وزير الخارجية السوداني. ولذلك عندما يري السودان التخلي عن هذه الحقوق، فهذا حق مشروع له، لكن المشكلة أنه جاء إفرازا لأزمات أخري هي الأصل، ولهذا أدعو بأن يبدأ التفاوض بالأصول، فإذا ما حلت، تنحل معها الفروع تلقائيا. أول قضية مهمة يجب الإتفاق عليها هي أن لكل دولة الحرية المطلقة في إدارة شؤونها الداخلية، ولا يحق للأخري التدخل أو الاعتراض، والأمثلة كثيرة للتدخل المتبادل. فحدث لمصر أن احتضنت معارضين سودانيين ودعمتهم، وذات الشئ فعله السودان، وكله مثبت بالأدلة والبراهين والاعترافات، ولقد حدث هذا في عهود شتى للحكم هنا وهناك. ثم أن لكل دولة الحرية في بناء وتطوير علاقاتها الخارجية، وليس من الضرورة أن تكون علاقة أي من الدولتين مع أية دولة أخري خصما علي الدولة الثانية. صحيح أن المصالح المشتركة بين دولتي وادي النيل تفرض عليهما أن ينسقا مواقفهما الخارجية، ومطلوب من كل دولة أن تحاول الوصل بين أصدقائها وشقيقتها، ولكن إن تعذر ذلك، فلتجد كل واحدة للأخري العذر، وتحسن الظن، ولا تقطع العشم. مسائل أخري مهمة في علاقات البلدين، وهي المصالح المشتركة، وما أكثرها. فيجب رعاية هذه المصالح ودعمها وتطويرها، والأهم من هذا ألا تكون هذه المصالح عرضة لعوارض السياسة، وألا يضار المواطنون بخلافات السياسيين. ولقد حدث هذا كثيرا، ودفع المواطنون في البلدين ثمن ذلك غاليا. أن علاقات السودان ومصر، علاقات مهمة، والتداخل بينهما شعبيهما لا تحده حدود، وهي علاقة تستحق أن ترعي وتقوم، ولكنها تمر هذه الأيام بأسوأ أحوالها، وصارت عرضة لشد وجذب. ويزيد من خطورة الأمر أنها صارت عرضة لتناول غير مسؤول، وبغير خبرة ولا معرفة ولا دراية. وبحكم اهتمامي بهذا الملف أعرف كثيرين من الذين يكتبون ويتحدثون علي العلاقات السودانية المصرية من السودانيين والمصريين علي حد سواء، فكثيرون منهم لا يعلمون شيئا عن الموضوع رغم زعمهم بأنهم خبراء واستراتيجيين، وآخرون منهم تحركهم أجندة خاصة، وبعضهم له مآرب أخري. فلو لم تضع اللجنة السياسية المشتركة بقيادة وزيرا الخارجية السوداني البروفيسور إبراهيم غندور والمصري السفير سامح شكري اسسا قويمة لتسوية شاملة لكل القضايا العالقة، ورسم خارطة طريق واضحة المعالم، فإن هذه العلاقة سيكون مصيرها مشؤوم، والحافظ الله.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة