أيام كنت مديراً للتلفزيون صعدت قمة جبل مرة لأشهد تركيب أعظم جهاز إرسال تلفزيوني في أفريقيا (10 كيلو واط بينما كان جهاز إرسال الخرطوم بقوة 5 كيلو واط) كان ذلك في النصف الثاني من تسعينات القرن الماضي وكان الهدف أن نغطي دارفور الكبرى بالبث التلفزيوني من نيالا ..رافقني في تلك الرحلة المضنية في طريق موحش إلى قمة الجبل اللواء حسن حمدين والي غرب دارفور وكان د.عبدالحليم المتعافي وقتها والياً على جنوب دارفور . كنا ونحن نتحلق في جلسة سابقة لصعودنا إلى قمة الجبل نتداول كلاماً كثيراً يتناقله الناس حول طائرات بها خواجات تهبط خلسة في أعلى جبل مرة وأن ذلك النشاط مرتبط بمعدن اليورانيوم. الآن وقد صدرت تصريحات رسمية من وزارة المعادن حول ثروات باطن الأرض في دارفور وجبل مرة بما في ذلك اليورانيوم ، ذلك المعدن الخطير ذي الأهمية الإستراتيجية خاصة لدى الدول الكبرى لارتباطه بالتقانات المتقدمة والسلاح النووي وكذلك الذهب والحديد والكروم والنحاس والقرانيت فإن الأمر لم يعد سراً فقد خرج إلى العلن من خلال تصريحات مدير هيئة الأبحاث الجيولوجية السابق يوسف السماني لوكالة أسبوتنيك الروسية حين قال إن السودان لديه كميات مكتشفة من معدن اليورانيوم وأن الهيئة مهتمة بإجراء الدراسات اللازمة حول الأمر بغرض وضع الخطط الاستثمارية للاستفادة من ذلك المعدن النفيس. تحدثت وزارة المعادن كذلك عن وجود كميات هائلة من المعادن في شتى ولايات دارفور وخاصة في غرب دارفور التي تمتلك إمكانات معدنية معتبرة كفيلة بجعلها من الولايات الغنية إذ أن المعادن تنتشر في رقعة شاسعة في محليات الولاية الجنوبية (بيضة وهبيلا مثلا) وفي المحليات الشمالية (كلبس جبل مون وسربا) كما يوجد الذهب والمنجنيز في منطقة السيسي وأن الوزارة بصدد تقسيم الولاية إلى تسع مربعات استكشافية، كما أن إقليم دارفور يحتضن كميات هائلة تعادل أنهاراً من المياه الجوفية هذا بخلاف الذهب الذي تشير الدراسات الأولية إلى وجود احتياطات كبيرة منه في جنوب دارفور وغيرها. لا يشك أحد البتة الآن في أن الصراع في دارفور ذو ارتباط وثيق بوجود عدد هائل من المعادن النفيسة، فماذا بربكم جنى مسعرو الحرب ولورداتها (النائمون في عسل) فنادق الخمسة نجوم خارج البلاد بينما شعبهم يتلظى بالحرب والتشرد في معسكرات الذل والإغاثة محروماً من خيرات بلاده ومعادنها وثرواتها الزراعية والحيوانية؟. بات معلوماً أنه ما من منطقة في العالم يشتد حولها الصراع الدولي وتشتعل فيها الحروب وتصبح محط أنظار العالم وشغله الشاغل إلا ويكون السبب هو ثرواتها ومواردها واحتياطياتها النفطية أو المعدنية وغيرها. ذلك ما يستدعي التساؤل ..لماذا تصرف أمريكا ترليونات الدولارات في تطوير التقانات الاستكشافية وفي أبحاث الفضاء وموارد باطن الأرض، ولماذا تتبارى الدول العظمى في التنافس على معرفة ما تختزنه الأرض والبحار ؟. قد لا أبالغ إن قلت إن أمريكا بفضل تقاناتها الاستكشافية المتطورة تعلم من الأسرار حول العالم بل حول الموارد التي تختزنها أرض الدول العظمى ما لا تعلمه تلك الدول عن نفسها ولذلك كثيراً ما نشهد صراعاً حول منطقة معينة أو حرباً تشتعل بدون مبررات موضوعية ولا ندرك كنهها أو أبعادها المعلومة لمن أشعلوا الحرب وجيّشوا الجيوش وحركوا حاملات الطائرات والأساطيل. من هنا أستطيع أن أفهم أبعاد تصريح رجل الأمن الإسرائيلي افي ديختر حين قال إن السودان مؤهل ليكون مؤثراً في محيطه الإقليمي لو وظف موارده الهائلة وأنه جزء من التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي وأنهم سيعملون على إشغاله للحيلولة دون قيامه بذلك الدور ومعلوم أن السودان هو الذي جمع العرب في الخرطوم وضمد جراحهم وإعاد إليهم الثقة في أنفسهم في أعقاب هزيمتهم النكراء من قبل إسرائيل في حزيران 1967. بذات القدر قرأت تقريراً غربياً قبل نحو عامين كتبت عنه في حينه لا يستبعد ارتباط الحرب في كردفان بالصمغ العربي ذي الأهمية الإستراتيجية في صناعة الأدوية والمياه الغازية وغيرها. أقول مستشهدا بالباحث في شؤون النفط السر سيد أحمد إن على الدولة وهي تخطط للاستفادة من خيرات باطن الأرض من بترول ومعادن ألا تستعجل طرحها في مناقصات الآن في انتظار رفع العقوبات بصورة نهائية وذلك حتى تشارك أمريكا ودول غرب أوروبا في المنافسة على التنقيب عن تلك الموارد بالنظر إلى التطور النوعي الذي أحرزته الدول الغربية في التقانات المتقدمة ولا أدل على ذلك من تقنية النفط الصخري الذي تمكنت أمريكا من اكتشافه. assayha
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة