صحيفة الجريدة سفينة بَـــوْح – بعيداً عن التفاصيل التي أصبحت مُملة ، فإن مُجمل إختلافنا مع الحكم الشمولي متمثلاً في عصرنا هذا في حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، أننا نتطلع إلى دولة المؤسسات ، وهم يبنون الدولة الأبوية التي لا يمكن تغافل دور (الشخصنة) فيها في الإستحواز على الرأي والسلطة والنفوذ المُطلق ، والدولة التي تُدار بروح ( الشخصنة ) عبر إعتماد مخططاتها وأوجه تسييرها على روحٍ عالية التركيز (لكاريزما) قياداتها وسلوكياتهم وقناعاتهم الشخصية بالأفكار والسلوك والإعتقاد ، لا يمكن أن تُفضي في نهاية الأمر إلا إلى المزيد من التناحر والإتساع في أوجه الخلافات خصوصاً في بلادنا التي هي في حقيقة الأمر مضرب مثل في حالة التعدد الثقافي والعرقي والديني ، ولما كانت أوجه التعامل مع (الآخر) أمرٌ حتمي تفرضه المواطنه والإنتماء للأرض والأمة كان لا بد من تواصل ما بين الحكومات (المشخصنة) وفرقائها من أصحاب الرأي الآخر من معارضين وأحياناً مستقلين ، لتكون صور هذا التواصل أحياناً سلبية في شكل حروب مباشرة وتوترات سياسية طالما قضت على حقوق إنسانية مقدسة أهمها حرية الرأي والتعبير والتقاضي عبرالمؤسسات العدلية التي أقر صلاحياتها ولوائحها الدستور ، وحقوق أخرى مدنية مثل الحق في التوظيف والمنافسة في المناقصات التي تعقدها الدولة ولو كان مالك الشركة أو المؤسسة ذا توجة مناوئ للحكومة التي تدير البلاد ، ثم حقوق قانونية ودستورية أخرى أهمها حق التنظيم والعمل والإعلان عن البرامج بغية الترشح لقيادة البلاد والمنافسة عبر نظم دستورية متفق عليها تعالج أمر التداول السلمي للسلطة والإقتسام العادل للسلطة ، واهمٌ من يعتقد أن دولة (الشخصنة) أوالدولة الأبوية قادرة على مجارة المد المعارض على المستوى السياسي والثقافي والفكري والسبب في ذلك ببساطة أن الأشخاص عادةً لا يمتلكون خيار الخلود ، وأن كل إبن أنثى لا بد يوماً على آلة حدباء محمولُ ، إذاً ماذا أبقى قادتنا من الكبار (أقصد الكبار سناً ) لأجيال تأتي من بعدهم ربما بحثت في تراثها السياسي عن بصيص ضوءٍ يستنيرون به في تلمسهم للوصول إلى حقيقة صائبة في تاريخنا السياسي المعاصر ، صدقوني لن يجدوا شيئاً غير تاريخاً يوصف الأشخاص ، أو سيرةً ذاتية عنهم ، فللآن إن حلَّت ذكرى الإستقلال لم يجد من يتحدث عنها غير وصف أشخاصها الذين قاموا عليها ، ما من سِجل في هذه البلاد يؤرِّخ للسياسة والثقافة والفكر والفنون عبر بوابة المؤسسية ، فالقصر الجمهوري والبرلمان والهيئات والمحاكم والمجالس العليا تُعرَّف في أغلب الأحيان عبر من قاموا عليها من أشخاص ، الدولة المؤسسية هي النمط التنظيمي الوحيد الذي يمكن أن يضمن للجماعة الحصول على نظام سياسي وعدلي وقانوني وإداري وإقتصادي نزيه و خالي من الإختراقات والعيوب المهنية والتوجسات والشكوك التي تسعى بين الفرقاء ، الدولة المؤسسية هي التي يقول فيها الدستور والقانون الكلمة الأخيرة عبر الأجهزة العدلية ولو كانت هذه الكلمة صادة لقرارات النافذين أنفسهم طلما أنها قيلت في الحق وللحق ، أنظروا كيف تتزيَّن أميركا وتُبدي بهائها بعلو هيبة القانون على أعلى سلطة فيها عندما ألغت محكمة عادية في ضاحية من ضواحي نيويورك قراراً للرئيس الأمريكي ترامب .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة