قبل أيام كنت أتحدث إلى أمريكي خبير في شؤون دوائر الحكم في واشنطن،الدكتور براد فيشر. كان في زيارة عمل قصيرة للخرطوم..سألت فيشر عن الاضطراب في الرؤية الأمريكية تجاه قضايا الشرق الأوسط ..لم يتردد المحامي العجوز عن وصف ذلك بالفوضى التي سادت البيت الأبيض بعد وصول الرئيس ترامب..فيشر قال متهكماً: ماذا نفعل مع رجل يدير أمريكا عبر التغريدات المزعجة بعد منتصف الليل..أحسب أن مستر فيشر كان يشير إلى تغريدات الرئيس ترامب حول دولة قطر بعيد اندلاع أزمة الخليج الرابعة. قرأت أمس بتمعن تقريراً جيد السبك ورد في الزميلة الانتباهة بقلم جعفر باعو، الذي صحب نائب الرئيس حسبو، في زيارته إلى ولاية غرب دارفور..الخطوط العريضة حملت لغة غاضبة جداً نحو( أي زول لقينا عندو سلاح ح نشيلو منو ونسجنه)..( العربات غير المقننة تعامل مثل السلاح تماماً)..ويبدو حسب التقرير أن نائب الرئيس فوجيء بمظهر الـ(لا قانون) الذي كان واضحاً في المدينة..حسب الزميل باعو أن العربات التي لا تحمل لوحات كانت تسرح وتمرح تحت أعين نائب رئيس الجمهورية..وأن السلاح كان حاضراً على قفا من يشيل..ربما تلك المشاهد جعلت الأستاذ حسبو يكاد يخرج من وقار المؤسسية. لكن الأخطر في حديث حسبو دعوته لقيام محاكم إيجازية تصدر أحكاماً سريعة لفرض هيبة الدولة..المحاكم الإيجازية بعض من أعراف الأنظمة الشمولية في سنة أولى انقلاب..لكن الأهم من ذلك أن تكوين المحاكم ليس من سلطة السلطة التنفيذية بل هو من صميم عمل السلطة القضائية ..لهذا، الحديث عن تكوين محاكم من قبل مسؤول في رئاسة الجمهورية فيه كثير من الحرج..أما التوجيه بسرعة إنفاذ الأحكام فيشكل طعنة نجلاء لمبدأ الفصل بين السلطات..حرمان المواطنين من استخدام سيارات الدفع الرباعي كما جاء في توجيه نائب الرئيس يمثل تعدياً على الحقوق الدستورية إن لم يصدر بتشريع. لامس الأستاذ حسبو منطقة عالية الحساسية حينما تحدث في الفاشر، حسب الزميلة السوداني، عن ضرورة تقنين السلاح في يد القوات النظامية وإعادة هيكلتها لدى القوات الأخرى ..كلمة الأخرى غير المرادفة للنظامية تولد ألف علامة استفهام..المعروف أن كل القوات المسموح لها بحمل السلاح هي قوات نظامية أو هكذا ينبغي ..تقنين سلاح القوات النظامية منطقة يفضل الابتعاد عنها وتركها لوزارة الدفاع..أغلب الظن أن نائب الرئيس كان يتحدث بحسن نية في عالم يتربص بمثل هذه الطيبة السياسية. في تقديري أن معظم مشكلاتنا مع العالم جاءت بسبب أن قادتنا يتحدثون بصوت مرتفع في عالم بات مثل القرية..بعضهم يسرح حينما يجد التجمعات المؤيدة فيصدر قرارات على غرار ما يطلبه المستمعون في إذاعة أم درمان..كل واحد من تصريحات الكبار تشكل بنداً يصعب الدفاع عنه في تقارير مجلس حقوق الإنسان في جنيف السويسرية .لو تريث قادتنا وعادوا لمجالسهم الاستشارية- إن وجدت- لتجنبت بلادنا الكثير من المشكلات. بصراحة.. نحن بحاجة لدورة تدريبية عاجلة ومكثفة في الحديث بسلام ..أو اتباع قاعدة الصمت من ذهب لمن يترفعون من الجلوس في قاعة الدرس.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة