بالنظر إلى حالة الصلف والتكبُر الذي أصبح يشوب تصريحات المسئولين والنافذين ، في وطن رفرفت في دواخل شعبه راية الكرامة والشموخ منذ عهد مديد ، ومن يغالط فليقرأ صحف التاريخ عن مجاهدات أسلافنا ضد الظلم والإستبداد وعنت الكبار، كان لابد من وقفة تأملية تبحث في هذه الظاهرة التي أصبحت لا تحتاج إلى أمثلة لإثباتها ، لأنها أصلاً مُعلنة عبر الأجهزة الإعلامية الرسمية وغير الرسمية هذا فضلاً عن الصحف ووسائط النشر الإلكتروني ، وفي رأيي الشخصي أن ما يدفع بالمسئولين والنافذين للتطرف اللفظي وكذلك الإفصاح المؤذي عن مؤشرات عدم إلتفاتهم وإهتمامهم بالقضايا المُلحة للشارع والتي عادةً ما تُطرحها الأحداث والوقائع الميدانية الدامغة ، لأنها حسب العادة لا يمكن طرحها عبر تساؤلات الإعلام النزيه ولا التظاهرات الإحتجاجية السلمية ولا إشارات ومخاطبات المعارضة السياسية ، لأن كل ذلك ببساطة غير متاح بالقدر الذي يؤدي إلى إيصال صوت الشارع ومعاناته وآماله ، فالأحداث وحدها هي التي تُجبر مسئولينا على التصريح والإفادة من باب (لا بُد مما ليس منه بُد) ، أعود للدافع الرئيسي الذي يُبرِّر إنجرافهم نحو التطرف اللفظي وإعلان إخفاقاتهم وتقصيرهم بلا مداراة ولا حياء تحت ستار فضيلة (الوضوح والشفافية) ، كون هذه البلاد تفتقر إلى مبدأ تفعيل عنصر الجزاء والثواب في ما يُقدمه المسئولين من واجبات ، وكون هذا الوطن أصبح محصوراً في منظومة حزبية واحدة ومستأثِّرة بصولجان يُمثِّل الظالم والمظلوم والقاضي جميعهم معاً ، وكون بلادنا تفتقر إلى منظومة (نقد) و(معارضة) حقيقية ، مكفول لها بأمر الدستور إمعان النظر في الملفات التي تشوبها الشبهات ، أو تلك التي تكتنفها الإخفاقات جراء التقصير و خيانة الأمانة المهنية ، فعندما لا تدفع العزائم الشخصية والموروثات المرجعية للعمل السياسي والإداري وزيراً أو مسئولاً ما لتقديم إستقالته قرباناً لمسئوليته عن خطأ جسيم ، يكون حين يفعل ذلك مطمئن البال لحصاناته وضماناته التي يجنيها من شكل ومضمون النظام السياسي و الإداري السائد فيما يتعلَّق بإنعدام المحاسبة والجزاء على المسئولية المهنية أو السياسية ، وستظل ثقافة عفا الله عن ما سلف هي الإسفين المغروس في خاصرة الآمال والطوحات التي يتطلَّع إليها هذا الشعب المغلوب على أمره ، والذي ما فتأت طموحاته تتضاءل وتتقازم حتى أصبح مُجملها محصور في الحصول على رغيف الخبز ، وإستجابة رب العالمين لدعائه بأن يكفيه شر المرض والإحتياج إلى التداوي ، حالة الإستقواء التي طالت النافذين على جماهير الشارع الكادحة ، ومجاهرتهم المتواترة لإيصال فكرة أن الحكومة ليست مسئولة عن توفير فرص العمل للعاطلين ولا دعم الضروريات ولا ضبط الأسواق ولا محاربة الغلاء ولا المعاونة على الإستشفاء ، هو نتاج ضمانات عدم المساءلة والمحاكمة والجزاء ، التي توفِّرها أدبيات النظام السياسي للحكومة الحالية ، والتي لا نملك إلا أن ندعوها من باب المناصحة ، أن تلتفت بجدية إلى ما يحدث من خراب قومي بفعل إنهيار الخدمة المدنية ، وما يحدث من تدمير كارثي للمورِّد البشري المتمثل في الإنسان السوداني المنهك بالفقر وسوء الخدمات وإنعدامها ، فضلاً عن إنكساره أمام طموحاته وآماله المتواضعة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة