في داخل الغرفة لمعت أضواء كاشفة.. فإذا بثعابين من مختلف الأحجام تتحرك بسرعة..الشيخ يمسك الأفعى فتصبح مثل قطعة البلاستيك.. ثم يأتي الرجل بجردل ماء.. كل من يدخل يده تخرج مليئة بالذهب.. القاريء الكريم ليست تلك من قصص الخيال العلمي.. وقائع حقيقية نقلتها الزميلة السوداني في عددها الصادر يوم الإثنين الماضي.. الفيلم المثير أبطاله دجال سنغالي واثنان من رجال الأعمال السودانيين ..انتهت الدراما بخسارة الرجلين لمبلغ مليوني (اثنين) دولار..الطريف أن الرجلين وبعد فتح البلاغ تعرضا لخسارة ثانية حينما أوهمهما الدجال أن يدفعا مبلغاً من المال ثم ينتظرا الجن الذي سيقوم بتعبئة السيارة بالدولارات..انتهت الوقائع إلى بلاغ جديد في دواوين الشرطة. قبل فترة كنت أستضيف مسؤولاً معروفاً في برنامج الميدان الشرقي..اتصل بي شخص يحمل درجة الدكتوراة طالباً مني أن أسأل ضيفي عن حكايته مع الدجال الذي نهب ماله ولماذا لاذ المنهوب بالصمت.. أصدقكم القول خجلت من هذا السؤال المحرج، ولم أقذف به في وجه ضيفي الذي احتسب المال خوفاً من الفضيحة..بل كنت أسأل نفسي كيف أصبح ذاك الرجل في تلك الوظيفة المرموقة. في ناحية بعيدة كان أحد مصادري يكشف أن مسؤولاً رفيعاً خصص غرفة بمنزله الحكومي لضيف دائم التواجد معه في الدار..الضيف يحمل درجة فكي.. الغريب أن الفكي يلعب دوراً استشارياً وأن صاحب الدار يعتقد أن بقاءه في كرسي الوزارة مرتبط بذلك الفكي..لولا ثقتي في المصدر لظننت أن الحكاية من حبك المعارضة التي تبحث عن إسقاط الحكومة. لاحظت منذ فترة طويلة أن هنالك حالة تعايش مع الدجل.. في سنوات الإنقاذ الأولى جاء دجال سوداني محملاً بالعملات الصعبة من دولة شقيقة ..حكومة الخرطوم فتحت له الأبواب وبات من أعيان المدينة.. بل أن هنالك من تم تكريمه بأرفع الألقاب رغم أن الكل يدرك مصدر الثروة ..في الزمان الماضي كانت حكاية الأناطين حكراً على ميادين الرياضة قبل أن تتحول إلى ملعب السياسة ويصبح المحتالون مكان احترام الدولة والمجتمع. في تقديري أن هنالك سؤالاً من المهم الإجابة عليه ..كيف حدث هذا التحول في سنوات قليلة..في السابق كانت الصوفية تؤمن بالكرامات وتعتمد على الدعوات الصالحات فقط..لكن الأمر الآن تحول إلى صنعة تعقد لها البروفات ويتعدد أبطالها ولكل ممثل دور معلوم..هل هذا الانحدار سببه أجواء الإحباط واليأس التي تجعل الناس تبحث عن الثروة ولو عبر الزئبق الأحمر؟..أم أن الفقر أوجد سبلاً جديدة لاقتسام الثروة بين الأغنياء والفقراء عبر الخداع..ولماذا تقف الحكومة هذا الموقف السالب الذي يشابه الرضاء بالواقع. بصراحة..إذا لم تتوقف هذه الظاهرة سيحمل بلدنا لقب المليون محتال.. إن لم ننتبه ستتوقف الأسواق الخليجية عن استيراد العمالة السودانية بحجة أن السودانيين يمارسون الدجل والشعوذة.. هذه الظاهرة تحتاج الانتباه بعد أن أصبح الضحايا من أثرياء المدينة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة