أنا وأمثالي من الوالجين إلى عالم الكهولة بحمد الله تنطبق علينا مقولة (فات فينا الفوات وغناينا مات) ، وقد مضت طفولتنا وأيام صبانا وشبابنا بما لها وما عليها من إشراقات وظلامات وأفراح وأحزان بما قضى فينا رب العالمين جل جلالة له الحمد والثناء على ما أعطى وما أخذ ، لكن ماذا بقى علينا من إلتزام تجاه أجيال الغد الصاعدة إلى تحمُّل المسئولية عن نفسها وعن الوطن ؟ بلا شك لن تبقى إلا الذكرى الطيبة وكذلك السيئة تجاه ما صنعت أيدينا في ما سجَّله لنا التاريخ من سيرِّ وأحداث وأفعال وأفكار ، ربما كتب الله لنا أن نُغادر هذه الدنيا الفانية وبين كنف أبناءنا الكثيرمن الملفات النازفة عن الوطن والفكر والسياسة والثقافة والقانون وغيرها لم تعالج أو لم تُحل أوحتى لم يوضع تصوُّر واقعي ومُتجرِّد لمعالجتها ، ربما كتب الله لنا ولهم ونحن في غمرة إنتشاءاتنا المتعددة الأوجه كلٌ بحسب ما تُسوِّل له نفسه الأمارة بالسوء أن يظل بعضنا ما زال تائهاً في غمرة الإنتشاء بالسلطة والنفوذ والإستمتاع المُنفرد بخيرات البلاد وطاقاتها وحاضرها ومستقبلها ، لا يلوي على شيء غير نفخ كرة الهواء التي باتت أضخم من مساحة الوطن وجُل فحواها محاولة السيطرة على الأمور عبر كل الأدوات مهما كانت وإن طعنت في خاصرة الوطن والمواطن ، وذلك طبعاً لا لشيء يتعلَّق بالمصلحة القومية والجماعية ، لأن الدفاع عن قضية الفكلر والتوجه السياسي عبر التنظيمات خارج إطار المظلة الديموقراطية ليس له إصطلاح يُعبِّر عنه غير (القرصنة) ، وليس له مآلات غير الإحتراب وتنامي الفساد الإداري والمالي وإنحطاط القيِّم الأخلاقية التي تدعم فكرة التعاضد الإجتماعي والإتحاد من أجل فكرة الوطن ودعم الإنتماء لأمة واحدة ، أما (المنتشين) الآخرين من الذين إستلهموا من معارضتهم (غير النزيهة) لنظام الإنقاذ منطلقات تتعلق بالحصول على مصالح ذاتية أوقبلية أوإثنية فهم أيضاً غرزوا خناجرهم في خاصرة هذا الوطن وحققوا ظلاماته في مستقبل أجيال قادمة ، لأنهم أيضاً أسهموا في كتابة التاريخ المجافي لإتصافهم بالشجاعة و العطاء عبر بذل المزيد من التضحيات والتنازلات التي كانت في زمنٍ ما يعتبرها المراقبون فرصاً ذهبية للوصول إلى حلول ناجعة و منقذة لهذا الوطن الجريح ، بين هؤلاء وأولئك من المنتشين بما هم فيه من حقٍ وباطل ، يُعلن بنك الطعام السوداني عن أن مدارس السودان تؤم حوالي 3.750.000 تلميذ لا يجدون وجبة الإفطار اليومية ، وأن آلاف الأسر النازجة من مناطق الحرب ينخرط أفرادها في العاصمة والمدن في نشاطات مُهدِّدة للأمن الإجتماعي ، وأن نسبة الفاقد التربوي (التي لا تحصيها وزارة التربية) قد تبدت مظاهرها في أعداد الأطفال المتواجدين في الأسواق وحول إشارات المرور يتلقون دروساً من المجتمع في التسول والإحتيال والتشرد البدني والنفسي ، وأن العاجزين عن أداء فواتير العلاج وأثمان الأدوية إفترشوا ظلال الحوائط في المستشفيات ينتظرون الجمعيات الطوعية وفاعلي الخير ورحمة رب العالمين ، وديوان الزكاة الذي يجبي أموال المقتدرين قسراً وإجباراً لا مكان له في خارطة الفقر الذي ألم بالعباد ، هذا تاريخنا نحن أبناء الجيل الذي مضى وهذا ما صنعناه للوطن نهديه برمته لأجيالٍ قادمة ولا نملك إلا أن نزجي آيات الإعتذار والتمنيات لهم بالحصول على حظٍ أوفر في صالح الوطن وقداسة المواطنة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة