ليس المقصود بالإمام هنا السيد الصادق المهدي ، فهذا أمام من نوع آخر ، انما اقصد به رئيس الجمهورية ،حيث يطلق علي رأس الدولة في الفقه الإسلامي مفردات كثيرة الخليفة - أمير المؤمنين - الإمام ، فإمامنا منذ مجيئه من جنوب إفريقيا وما صاحب مجيئه من تقاطعات كثيرة ،فمن وقتها لم يستقر له قرار داخل السودان وخارجه لا يقضي أسبوع او اقل يأخذ عصاه من دولة لدولة هذا في الخارج من ولاية الي ولاية أخري في الداخل تارة لافتتاح مشاريع لا قيمة لها او منشاءات لا تستحق أن يباشر افتتحاها رأس الدولة، بل أحيانا لا تستحق ان يفتتحها الوالي او حتى المعتمد وهؤلاء يمثلون رأس الدولة في الولايات المختلفة كما ان معظم المشاريع و المنشاءات التي يقوم بافتتاحها رئيس الجمهورية في الولايات يمكن ان يباشرها معتمد المحلية علي أحسن تقدير. صحيح ان بعض الولاة والمعتمدين يسعون وتحفي إقدامهم ذهابا ومجئيا الي الخرطوم ليحصلوا علي موافقة راس الدولة لتشريف مهرجانات او مشاءات او مشاريع ، يسعون بذلك لتسليط الضوء علي منجزاتهم وعادة ما يعمل الولاة علي ذلك ويتبارون ويتفاخرون فيما بينهم ايهم اكثر قربا لرأس الدولة وتشريفه لولايته ، ولو يعلم أولئك الولاة والمعتمدين ان تشريف راس الدولة يكلف الدولة مالا كثيرا ، وينعكس ضررا علي الولاية او المعتمدية ، فهذا المال لو انفق علي الولاية او المعتمدية كان افضل من المهرجانات التي لا معني لها من استعراض منجزاتها ليس بتلك الاهمية او تلك المهرجانات التي لا طائل من ورائها سواء المحاكاة اوالتزلف لرئيس الجمهورية او اعوانه المقربين. الحقيقية ان تلك المهرجانات معظمها مهرجانات كاذبة ومصطنعة ،لا تبرز الحقيقة المرة التي تعانيها الجماهير ، بموجب التعديلات الدستورية الأخيرة أصبح معظم الولاة ليسوا من موطني الولاية ولم ينتخبهم اهل الولاية، كما كان في السابق اذ تم تعينهم بواسطة رأس الدولة، ويبدو انهم يشعرون بفقدانهم للسند الشعبي بعكس سابقيهم من الولاية الذين كانوا ينتخبون من شعب الولاية هذا الضعف هو الذي جعل بعض الولاة يلوذون للاحتماء بإلامام فآخذو يدعونه لكل صغيرة وكبيرة ليبينوا لرعاياهم بانهم يستمدون سطوتهم وسلطتهم من الإمام الأعظم وأحيانا يفعلون ذلك لإسكات معارضيهم من أعضاء الحزب الحاكم نفسه او المجلس التشريعي ، اما لاعادة تعينهم للفترة القادمة او علي الأقل للإبقاء عليهم مدة ولاية الامام الحالي ،ان صح هذا فانه يدخل في باب استغلال السلطة والفساد السياسي خاصة ان كانت الدعوة او أمر الدعوة لا يحتاج لافتتاح او تشريف رأس الدولة . في رأينا ان رأس الدولة اكبر من افتتاح طريق او خيمة (البيع المخفض ) او مدرسة او فصل فيها او مركز صحي او سوق للسمك او مهرجان رياضي او دورة مدرسية ويدخل في ذلك أيضا المهرجانات السنوية سواء كانت للتسوق او الاستعراض مهرجانات (روتينية) لا جديد فيها ولا تستحق عناء رئيس الجمهورية ومواكبه الهادرة ان التعديلات الدستورية الأخيرة بشان الحكم الاتحادي اقعدت به عن مقصوده ، من حيث الديمقراطية والتأهيل السياسي وتقصير الظل الإداري، وجعلت الولاة امتداد لسلطات الامام ، وجعلت الولاية مركز ثاني محلق بالسلطة المركزية ، وأصبح الوالي عينا للامام في الولاية يقودها كيف يشاء ويتخذ من القرارات التي يمليها عليه الامام او تلك التي من كنانته اذ لا سلطان للمجلس التشريعي عليه فهو اعلي منه ، ولا يتقيد بقراراته وليس ملزما بتنفيذها ولا يستطيع المجلس التشريعي محاسبته اوعزله ، وان شرع المجلس فيكون للوالي الحق في امضاء ما شرع او الغاءه . بنظرة فاحصة نجد ان معظم الولاة الذين تم تعينهم مؤخرا ممن عملوا في الخدمة العامة بشقيها ، وهؤلاء بطبيعة عملهم متلقين للأوامر والتوجيهات خاصة اولئك الذين قضوا في الوظيفة زمنا طويلا وتدرجوا فيها الي اعلي المواقع ، فمتلقي الأوامر هم في الحقيقة تنفيذيين بامتياز والذي يتلقي الأوامر وينفذها سنين عددا ، يصعب عليه اتخاذ القرارات ،وان اتخذها يري ضرورة عرضها علي من هو اعلي منه رتبة لإقرارها والإشادة بها، أي باختصار هذا النوع من العاملين يسعي دائما للثناء علي عمله . المؤتمر الوطني رغم حديثه عن مشاركة بعض الاحزاب لحكمه، الا انه لم يمنح أي حزب اخر نصيب من الولاة ولا معتمد محلية ، فهذه المواقع مقصورة عليه حيث انها مواقع المال والأعمال (ان وجدت) وهي التي تجذب الجماهير والمؤيدين والانتهازيين فهذه المواقع ليست في الشراكة ان الولاة الذين تم تعينهم بقرار من الامام يتبعون له تبعية مطلقة ، ان لم يتم اختيارهم عن طريق المؤتمر الوطني، وبهذا يصبح ولاءهم له وليس للمؤتمر الوطني .ومن ثم يسعون لإرضائه ويعرضون عليه أعمالهم ومشاريعهم كثرت ام قلت كبيرا كانت ام صغيرة ،ويحشدون له الجماهير ويقيمون المهرجانات رغم علمهم ان كل هذا يكلف الولاية والخزينة العامة مالا كان يمكن استقلاله لما هو انفع. اجزم ان الولاة انفسهم يعلمون ان تلك الحشود حشود مصتنعة وبعضها مدفوع الأجر بطريقة مباشرة او غير مباشرة، كما ان موكب الإمام المدعو للافتتاحات والتشريفات يكلف الخزينة العامة اكثر من المشروع المدعو لافتتاحه ،واصرار بعض الولاة ان يتم الأمر علي يد الامام يقصدون من وراء ذلك ، بالإضافة إلي ما ذكرنا تضخيم مشروع الافتتاح وإن كان ضئيلا اذ يكفي عندهم إن الأمام هو الذي قام بافتتاحه. لهذا أري أن لا يستجيب الأمام لمثل تلك الدعوات ،وليترك الأمر لما دونه ، أن كان يستحق، فرأس الدولة في العالم وحني العالم الثالث لا يفتتح المشاريع الصغيرة ، ولا يخشي المهرجانات الكاذبة ، ولا يتحسس موقعه من الجماهير بهذه الطريقة التي نراها ولا يخاطبها كل يوم بما هو مفيد وغير مفيد ، ويترك كل هذه المسائل لمن دونه، واذ تعلمنا من جيراننا لعلمنا أن رأس الدولة لا يخاطب الأمة الا مرة او مرتين في العام ، وعندما يقال بان رئيس الجمهورية سيخاطب شعبه يتدافعون نحو المذياع او التلفاز لأنه قطعا سيسمعون كلام جديد وقرار خطيرا سواء كان لهم او عليهم ، اما الافتتاحات والمهرجانات والاحتفالات فلما دونه. إن الأمام في النظام الرئاسي هو المسئول الأول في الدولة وهو مسئول مسئولية مباشرة في السلطة التنفيذية ، وهو الذي يضع المشاريع والسياسيات العامة ، وفوق هذا هو المفكر، وان الوزراء في النظام الرئاسي مجرد(سكرتارية)يعملون علي تنفيذ قرارات وتوجيهات الأمام ، لهذا عليه ان يخلو زمناً طويلاً ويعتكف ليفكر ويخطط وينشاء المشاريع ويصدر القرارات، ثم يوجه الآخرين للتنفيذ ، وبعدها ينشأ حقه في الرقابة والمحاسبة لمن قصر او فسد او لم يكن أداءه جيد فيقيله ويأتي بغيره، اما اذا أصبح الأمام جل وقته من مهرجان الي مهرجان ومن وبلد الي بلد ومن ولاية الي اخري ومن اجتماع الي اخر فانه لا يكون له متسع من الوقت للتفكير والتقدير والإشراف والإبداع. قلت إن الأمام منذ مجيئه من جنوب إفريقيا وما صحاب مجيئه من عقبات لم يستريح فاخذ يجوب العالم الثالث لحضور كل مناسبة فيه مهما صغر جحمها او قل شانها فما من مؤتمر الا حضره ولا من تنصيب رئيس دولة مجهولة والا كان في مقدمة الحضور ومعلوم ان هذا يكلف الخزينة العامة تكلفة باهظة خاصة ان كان ركبه كبيرا . ان العلاقات بين الدول تقوم علي المصلحة وفي أحسن الأحوال المصلحة المتبادلة فالحديث عن الدول الصديقة والشقيقة والروابط الأزلية بين الدول عبارات "دبلوماسية" وهي في بعض الأحيان عبارات تجافي الحقيقة فالمصلحة بين الدول يجب ان تكون هي الإستراتيجية التي تبني بها العلاقة ، بما في ذلك الدول العربية التي جابها الإمام مؤخرا ولم يأتي فيها بنفع لأهل السودان الملاحظ بان الإمام منذ زمن ظل في حالة ترحال دائم بين عدة دول عربية و غير العربية ولكن الحصيلة صفر كبير اذ لا نري عائد من تلك الزيارات التي تكلف الخزينة العامة تكلفة كبيرة اذ لم نجد منها ما يعيننا في ظروفنا الاقتصادية الصعبة بعد ان فقدنا معظم مواردنا فلم تمتد لنا يد صديقة عربية كانت او غير عربية رغم الثناء والود الذي نقدمه لها حتي (الصين)يبدو أنها تململت من تأخير سداد دينها وبل طالبت بالسداد وهي تعلم حالتنا الاقتصادية ،وما علينا من حصار اقتصادي من دول المعسكر الامبريالي الذي لا يرحم والحصار الاقتصادي المفروض علينا من الدول الغربية ومقاطعة المؤسسات الاقتصادية الدولية بايعاز من الولايات المتحدة هذه الصين التي زارها رئيس الجمهورية والتي أصر علي زيارتها رغم كل التحذيرات والتهديدات والمتاريس التي وضعت لمنع الزيارة والتي بسببها عاش الشعب السوداني لحظات صعبة وتنفس الصعداء عند وصوله منها بشق الأنفس في رأينا ان علي الأمام استعدادا لما هو آت ولما تعانيه البلاد من ضعف اقتصادي وان يستجم من هذه الرحلات المتكررة غير المفيدة داخليا وخارجيا وان يترك الأمر الي من دونه اذا ما اقتضت الضرورة ذلك وان يتفرق لشان الدولة وسياستها وحسن إدارتها والنظر في شئون البلاد والعباد والتفكير في إيقاف الحرب وتحقيق السلام والتحول الديمقراطي وزيادة الإنتاج والاعتماد علي الذات والتفكير في الضائقة المعيشية وكيفية الخروج منها وتخفيض تكلفة إدارة الدولة وإيقاف الصرف الزائد في الاحتفالات والكرنفالات والمهرجانات وافتتاح المشاريع الوهمية وعليه ان يفكر ويجتهد لماذا يقف العالم ضدنا ويحاربنا بشتي السبل هل لمشروعنا الحضاري لماذا نحن بالذات فهنالك دول إسلامية كثيرة تدعي انها تحكم بالإسلام وتقيم الحدود وترجم المجرم ونحن لم نرجم يوما وننفذ الحدود سرا . يجب ان نفكر لماذا يتهمنا العالم بأننا نرعي وندعم الإرهاب ونحن عاجزين عن دعم أنفسنا ، وماهي حقوق الإنسان التي نتجاوزها ، ولماذا نتهم بالإبادة الجماعية في دارفور وبسوء علاقة الجوار ؟ومنهم من اغتصب جزء من بلادنا ،وإسرائيل تقصف بلادنا في كل عام مرتين، ومصر تحتل جزء من ديارنا ، كل هذه الأسئلة تحتاج الي إجابة شافية ،والعمل علي تحسين صورة السودان في العالم الخارجي ،ويجب علينا البعد عن الشبهات وتحسين سجلنا في الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، وهذا يتطلب تفكيرا عميقا ومراجعة فكرية وتصحيحا لبعض المواقف وهذه هي مهام الإمام التي يسأل عنها في الدنيا والآخرة (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة